رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رتبة المشير وما أحدثته من آثار!


إن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهى رتبة عسكرية يحملها رئيس الجمهورية سواء ارتدى الزى العسكرى أم لم يرتده، وهو يمارس سلطته بصفته رئيسا للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وقد تمتع محمد مرسى بهذه السلطات إلى أن أصبح فى جانب والشعب فى جانب آخر

يبدو أن قرار ترقية الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى رتبة المشير قد أثار لدى كثيرين شجونا، أو أيقظ مشاعر مكبوتة، فنجد له انعكاسات ليست فى مصر وحدها، ولا فى الوطن العربى فقط، بل امتدت إلى ما وراء الأفق، ليصل إلى الولايات المتحدة لنجد الكاتب المشهور فريدمان يحاول أن يفسر القرار، والغريب أنه لا يسعى إلى التفسير حقيقة، فالتفسير مطلوب ومفيد إذا كان بُحسن نية، لكن التفسير بسوء نية يضلل الجميع بمن فيهم المفسر نفسه. لكن كما قلت فقد وجدنا كثيرين مصريين وعرباً يحاولون تفسير القرار بعضهم بحسن نية، والغالبية بسوء نية رغم مضى الزمن، وكما قرأت لفريدمان وأشهد أنه جانبه الصواب، قرأت لبلال فضل ما كشف عن مشاعر دفينة واقتناعات لم تتغير، ورغم انكشاف كثير من الحقائق التى كان يجب أن يكون لها أثرها، خاصة لمن يدعون الدعوة إلى الديمقراطية.

الكاتب الأمريكى فريدمان يفسر ترقية السيسى إلى رتبة المشير بأنها خطوة من أجل تقوية قبضته على القوات المسلحة بعد أن يتولى رئاسة الدولة، وهو ما يعنى أن السيسى بعد أن يصبح رئيسا للبلاد لا يستطيع القبض على ناصية القوات المسلحة إلا بعد حصوله على رتبة المشير، ولا أدرى من أين جاء الكاتب الأمريكى بهذا التفسير، وهل رئيس الدولة إذا كانت رتبته العسكرية السابقة لتوليه الرئاسة أقل أو مساوية للرتبة التى يحملها القائد العام للقوات المسلحة لا يستطيع أن يسيطر على القوات المسلحة؟ هل يذكر فريدمان أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك كان برتبة الفريق قبل أن يصبح نائبا لرئيس الجمهورية ثم رئيسا لها؟ وهل يذكر أنه وهو كذلك قد أعفى «المشير» محمد عبدالحليم أبوغزالة، ثم الفريق أول يوسف صبرى أبوطالب، وكلاهما كان يحمل رتبة أعلى من رتبة الفريق التى كان يحملها قبل أن يصبح نائبا لرئيس الجمهورية؟

إن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهى رتبة عسكرية يحملها رئيس الجمهورية سواء ارتدى الزى العسكرى أم لم يرتده، وهو يمارس سلطته بصفته رئيسا للجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وقد تمتع محمد مرسى بهذه السلطات إلى أن أصبح فى جانب والشعب فى جانب آخر، ففقد أهليته لهذه الصفة. ولم يكن تخلى القوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوى عن مبارك لأنه لا يحمل رتبة المشير، وإنما لأن الشعب قد تخلى عنه، كما أن السيسى والقوات المسلحة من ورائه حاولت أن تصلح ذات البين بينه وبين الشعب ولكنه رفض بإصرار يحسده عليه الأغبياء.

أما بلال فضل فقد كتب مقالا لجريدة «الشروق» لكنها منعته فنشر فى موقع ونشرته جريدة الوادى نقلا من الموقع، ويتذكر الكاتب فى مقاله زيارة مونتجومرى لمصر قبل الحرب عام 1967 ونشر الأستاذ هيكل مقالا عما دار بينه وبين مونتجومرى، وكيف أن مونتجومرى تساءل عن المعركة التى جعلت المشير عامر يحصل بها على رتبة المشير، وأن هذه الرتبة يجب أن يحصل عليها الضابط فى الميدان وإثر معركة أو معارك يخوضها، ولقد ردد كثيرون هذه المقولة التى لا أشكك فى قول مونتجومرى لها، لكنى أعارضها، فرتبة المشير هى رتبة عسكرية كباقى الرتب، بل إنها لم تكن أعلى رتبة عسكرية فى الجيش التركى (العثمانى) الذى استعارت مصر أسماء الرتب العسكرية قديما منها، وهى ليست فيلد مارشال حيث تعنى مارشال الميدان، وإذا كان مونتجومرى قد حصل عليها بعد معركة العلمين وأصبح اسمه مقترنا بها «فيلد مارشال فيسكونت مونتجومرى أوف علمين» فإننا ليس لدينا هذا التقليد، بل إن قليلين ممن يحملون هذه الرتبة فى بريطانيا يحملون اسما مشابها مقترنا باسم معركة، ويكفى أن نراجع كشف أسماء البريطانيين الحاصلين على هذه الرتبة لنكتشف أن أغلبهم من الأسرة المالكة، ومنحت لعسكريين لم يخوضوا معارك أصلا، وأنها منحت لحكام أفارقة وآسيويين وعرب أقل كثيرا من المشير عامر رغم الانتقادات الموجهة إليه. أخيرا فإن مونتجومرى يعرف الانتقادات التى وجهت إليه فى إدارته لمعركة العلمين، فهو كان محظوظا بالظروف التى كان يمر بها فيلق أفريقيا بقيادة روميل، ورغم ذلك فبدلا من أن يقضى عليه فى العلمين ظل يقاتله من العلمين إلى تونس.

انتقل بلال فضل فى مقاله إلى العلاقات المدنية العسكرية ومبرر انتقال القائد إلى موقع الحاكم، وهو فى ذلك يتجاهل أولا الإرادة الشعبية الجارفة التى حملت عبدالناصر، وتدفع السيسى إلى موقع الحاكم، ولكنى أتساءل أيضا عن مبرر أن ينتقل الطبيب أوالمحامى أو المهندس إلى موقع الحاكم، وهل إذا أصبح القائد مدنيا يحظر عليه أن يصبح حاكما لمجرد أن كان قائداً؟!!!

■ خبير عسكرى واستراتيجى