رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتاوى رأس السنة!


على الرغم من حسم الأزهر موضوع التهنئات، تهنئات المسلمين للمسيحيين بمناسبة الأعياد المسيحية التي تبدأ في العادة مع يناير من السنة الجديدة، ويكون الأمر مسبوقا بالاحتفاء برأس السنة الجديدة وشجرة الكريسماس، وما إلى ذلك، وهو الحسم الطبيعي الإيجابي الذي أقر التهنئات وعدها من القيم الطيبة، بل إن شيخ الأزهر، بجلال قدره، نشر صيغة شخصية، تعبر عن موقفه ومن ثم موقف الأزهر، كلها لطف ومحبة.
على الرغم من ذلك لم تنقطع الفتاوى الشاذة التي تحرم تهنئة المسلمين المسيحيين تحريمًا قطعيًا، وتجرم الاحتفال برأس السنة، أيا كان مظهره، وتصفه باللهو الفاجر، وتؤكد أن شجرة الكريسماس هي المعادل الأرضي لشجرة الزقوم التي أعدها الله تعالى لعذاب الكافرين والفاسقين في جهنم!
هذه الفتاوى تنتشر مع كل وقت يتيح فرصا للناس أن تتقارب على اختلاف العقائد والميول، وهو ما يومئ إلى كونها مقصودة تماما، ومعدة سلفًا لإثارة الفتن والتفريق بين المصريين باستخدام الدين، الدين الذي هو بريء من كل هذا الخبث وكل هذه الحماقة..
في خطب الجمع أيضا انتشر مثل هذا الكلام المتشدد، وقد صادف أن ليلة رأس السنة كانت يوم جمعة، فانبرى خطباء كثيرون يسفهون المناسبة، ويحذرون المسلمين من الالتفات إليها والاعتراف بها، وقد شهدت مثل هذا بنفسي في أحد المساجد.. لكنني قلت لرفيق صلاة يومها: كيف يكون موقف الأوقاف سمحًا ومشايخ الأوقاف متطرفين هكذا؟! لم يعلق الصديق حينها، لكنه مط شفتيه مندهشًا هو الآخر، وأضاف أن الشيخ المتطرف الذي خطبنا الجمعة قد يكون أزهريا؛ فكيف يخالف توجه الأزهر السلس وروح إمامه اللينة؟!
في السوشيال ميديا بدأ الناس، مسلمين ومسيحيين، يتوسعون في نشر هذه الفتاوى المسيئة، من باب السخرية منها والتندر على أصحابها، وكان من ضمنها أن الذي يهنئ "نصرانيًا" بعيده فعليه بالاغتسال وتجديد الإيمان؛ لأنه في مقام تارك الملة!!
الأزهر والأوقاف يجب أن ينهيا هذه المهزلة ويرتبا هذه الفوضى بلا تباطؤ؛
فالقصة تتعلق بالأمن القومي للبلد، ما في ذلك شك، وأولئك المخربون، بأقوالهم المعوجة، لو تركناهم بلا محاسبة؛ فإن تخاريفهم ستصير هي الحقيقة وما عداها الضلال..
إنني حزين لما يجري في الصدد الديني ببلادي؛ فكل من هب ودب صار عالما وصار ذا رأي، ومن عجيب أن بعض هؤلاء الأدعياء يتمسحون بالأزهر أو وزارة الأوقاف، كمن يوهمون الخلق بأن موقفهم العدائي البائس هو الموقف الرسمي الفعلي، وأن ما دونه، مما يتم إعلانه، ليس سوى مداهنة لتهوين الصدمة العنيفة!
المناهج الأزهرية في حاجة إلى نظرة فاحصة دقيقة؛ تخلص الكتب مما لم يعد صالحًا حاليًا، وهو ما سبق ونادى به المنادون بلا جدوى، والأوقاف عليها أن تنتقي خطباءها وتمتحن نفوسهم قبل التوظيف.. والجميل أن الرقابة الشعبية يقظة!