رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الرزاق قرنح: لا أعترف دائمًا بالحد الفاصل بين النثر والشعر

الروائي التنزاني
الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح

في السابع من أكتوبر 2021، تلقى عبد الرزاق قرنح مكالمة من الأمين العام للأكاديمية السويدية قبل 15 دقيقة من الإعلان عن جائزة نوبل للآداب. ظن أنه كان يمزح، ولم يقتنع قرنح إلا بعدما رأى الأخبار تُعلن خبر فوزه بأكثر الجوائز الأدبية المرموقة جراء «اختراقه العنيد والناعم لآثار الاستعمار ومصائر اللاجئين في الفجوة بين الثقافات والقارات».

 وُلِد قرنح في زنجبار، وهي جزيرة قبالة ساحل تنزانيا، في العام 1948، ونشأ وهو ينظر إلى الموانئ من نافذة غرفة نومه، رأى بحارة وتجارًا من غوجارات وعمان واليمن يعملون ويجنون الأموال، يقول: «كان من المستحيل ألا تعرف أنك جزء من عالم أوسع له مركز ثقله الخاص».

بعد الثورة الوحشية عام 1964 في زنجبار التي أدت إلى الإطاحة بالحكومة العربية، أصبحت الموانئ فارغة. وبعد فترة وجيزة، غادر قرنح إلى إنجلترا للدراسة، ولاحقًا للتدريس؛ أستاذ في أدب ما بعد الاستعمار في جامعة كانتربري. اليوم، يعيش قرنح في كانتربري بجواز سفر بريطاني، لكن رواياته تستمر في تسجيل الفارق بين وطن وآخر، مليئة بالشوق إلى مكان يمكن للإنسان أن يشعر فيه بالحرية، حتى لو لم يكن حرًا بالضرورة. في مقابلة أجراها موقع صحيفة «ذاهندو» الهندية، تحدث قرنح عن مسئولية أن يكون كاتبًا لمرحلة ما بعد الاستعمار.

مُتعة الكتابة 

في المحاضرة التي ألقاها قرنح يوم تسلّمه لجائزة نوبل، قال إن رحلته مع الكتابة بدأت منذ طفولته وفي إطار الدراسة، وعلى مدار عقود وجد متعة في التمرين على الكتابة. يقول في حواره إنه في طفولته لم يُفكر في الغرض من الكتابة. كان المعلم يطلب من الطلاب أن يقولوا شيئًا ما، وكان الجميع يجلسون بهدوء لمدة ساعة ليروا ما سيحدث، ودائما، يأتي شيء ما.

ويستطرد: «لكن عندما تكتب رواية، فأنت تبتكر شيئًا ما، مخصصًا لشخص لا تعرفه. أنت تتحدث إلى العالم، إلى جمهور غير محدد، ولذا فإنك تصنع شيئًا تأمل أن يُقرأ إلى الأبد.. عند كتابة الروايات، أنت أكثر وعياً بشأن ما تفعله الكلمات وما تريد منها أن تفعله. المتعة في كتابة الرواية تكمن في امتلاك مقاربة أو فكرة، وتقديمها، ونقلها بصورة جميلة حتى وإن لم ينجح ذلك دائما».

الشعر والنثر

في خطاب تتويجه بجائزة نوبل، اقتبس قرنح من قصيدة للشاعر الإنجليزي د. ه. لورنس، كما أن الشعر يتخلل كتاباته النثرية بشكل ما، وفي هذا يقول إنه لا يعترف دائمًا بالحد الفاصل بين النثر والشعر. ففي بعض الأحيان، يكون الشعر مفيدًا للتداخل بين النصوص، مما يوسع الفكرة التي تريد استكشافها. إنها طريقة للتعبير عن كيفية عمل خيال الشخص.

يشير قرنح إلى أنه في روايته «حيوات أخرى» كتب جُملًا قصيرة، لكنه في أعمال أخرى كتب جُملًا طويلة جدًا، ودومًا يتحدد الاختيار وفق الصوت الذي يحاول التركيز عليه، لا سيّما إن كان صوت الشخصية المحورية، يقول في هذا الصدد: «أفكر في جملتي بالتأكيد، لكنني لا أُحرفها كثيرًا بالضرورة».

قصص مقموعة

ردًا عن سؤال حول العلاقة بين الشهادة والأدب ومتى تصبح الشهادة أدبًا، يوضح قرنح أن رواية القصة هي طريقة للإدلاء بالشهادة، وخاصة تلك القصص المقموعة التي تحتاج للكشف عنها، مضيفًا: «استخدمت هذا النموذج في روايتي ’الهدية الأخيرة’ و’قلب الحصى’، إذ يحاول الأب أن يشرح لابنه معنى بعض الأحداث في الماضي. هنا، لا يُصدِر حُكما. إنها لفتة، وأحياناً هدية، ومحاولة للشرح. هذا له نبرة مختلفة. أنا مهتم بمعرفة كيف تتكتم العائلات على أشياء معينة، عادةً لما يعتقدون أنه أسباب وجيهة. في بعض الأحيان تكون هذه أشياء كبيرة جدًا، وتخلق شيئًا محزنًا بين أفراد الأسرة».

شخصيات الرواية

يجيب قرنح عن سؤاله حول أسباب وجود عديد من الشخصيات ذات الأصول الهندية في رواياته بقوله: الجزء من زنجبار الذي نشأت فيه كان يضم عددًا كبيرًا من الهنود؛ كانوا أصحاب دكاكين وتجار وبناة ومقاولين، لذلك نشأت مع الأولاد الهنود، ولعبت الهوكي والكريكيت معًا، وزرنا منازل بعضنا البعض. لم يكن هذا الاختلاط غريبًا أو استثنائيًا، كانت هناك زيجات في بعض الأحيان، ولكن ليس كثيرًا بسبب الاعتبارات الدينية وغيرها من الاعتبارات التي اعتادت المجتمعات على الانغلاق عليها.

ويضيف: بعد ثورة 1964، ساد الذعر لأنها استهدفت رجال الأعمال والمال. كان هناك نزوح جماعي كبير للهنود. استُهدف كثير ممن لم يغادروا. إذا ذهبت إلى زنجبار الآن فلن تجد سوى عدد قليل من الهنود والشوارع الخالية حيث كانوا يعيشون. ومع ذلك، فإن تأثيرهم لا يزال موجودًا في الهندسة المعمارية وفي الطعام واللغة السواحلية المطوية في العديد من الكلمات الهندية، لكن الناس أنفسهم لم يعودوا موجودين.

العلاقة بالوطن

«تحدثت كثيرًا عن شُح الثقافة الأوروبية تجاه اللاجئين الذين ترفض قبولهم. ومع ذلك، فهذه هي الثقافة التي اخترت العيش فيها، كما أن رواياتك بها هذه العلاقة المضطربة بين الوطن الذي ولدت به والوطن الذي اخترته لنفسك فيما بعد.. هل ورثت شخصياتك منك هذا التوتر؟»

يجيب قرنح عن هذا السؤال قائلًا: «أود أن أقول إنه أحد الموضوعات التي أهتم بها بشدة. ويعود ذلك جزئيًا إلى تجربتي، ولكن ما يجعلها مثيرة للاهتمام هو أنها ظاهرة في عصرنا، حيث يعيش ملايين الأشخاص في نفس الوضع الذي أنا فيه، لا يعيشون في نفس المكان الذي نشأوا فيه. كلا هذين المكانين - الغائب والفعلي - يتمتعان بالحيوية. كموضوع،فهي غنية ومليئة بالإمكانيات. لكن بالطبع،هناك شيء مأساوي أيضًا بسبب ما يخسره الشخص في عملية الانفصال عن الناس أو الذكريات أو مجرد صداقة الناس الذين سيفهمونك بشكل كامل أكثر من أولئك الموجودين في المكان الذي تعيش فيه».

وعن مدى شعوره بالذنب عند الكتابة عن ثقافة لم يعد يسكنها جسديًا، يقول قرنح: «بالطبع هناك شعور بالذنب. الذنب يتعلق بالأشخاص الذين تركتهم وراءك، وكيف يتعاملون مع الأمر، وما إذا كنت تفعل ما يكفي لمساعدتهم. ربما يكون الذنب هو أنك تعيش بين أناس لا يحتاجون إليك. مع مرور الوقت، تتعلم كيف تتعايش مع ذلك».