رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملاكم بدرجة نائب.. هل تؤدي الفوضى السياسية إلى حل مجلس النواب الأردني؟

يتجه رئيس مجلس النواب الأردني، المحامي عبد الكريم الدغمي إلى الجدية والتفاؤل، ساعيا منذ أكثر من 72 ساعة إلى تحقيق مصالحة نيابية، لها وزنها في هذه الدورة الحاسمة سياسيا وتاريخيا.
..من الغريب، أو لنقل  "النادر" في مجالس النواب العربية او الغربية، ان تجد (ملاكم)، بدرجة نائب في ذات الوقت، وهذا ما حصل عند انتشار العراك والمشاجرات والتلفظ  بألفاظ ليست من قاموس العمل البرلماني التشريعي. 
.. أما وقد سربت حالات من "الفوضى السياسية"، التي غلفت جلسات المجلس، وتأزمت بين مناقشات حادة وضرب وتحولت قبة البرلمان، مجلس الأمة، إلى حلبة ملاكمة، وصراخ وتهور في التنابز، واختلطت الأهواء السياسية التي، برزت انها مبيته، ومخطط لها مسبقا، فهذه اول مرة تتطور الازمة، لتمتد بين كتل وجمعات، تدعمها وتركها الحركات السلفية، وبعض الكتل النيابية التي تريد، تعطيل إقرار التعديلات الدستورية، 
.. والسؤال الذي ظهر، مرحليا:
هل تؤدي الفوضى السياسية، وأشكال الضرب والملاكمة، إلى حل أو مجرد التلويح بحل مجلس النواب الاردني.؟
.. يبدو ذلك بعيدا؛ ورؤيتنا تفسر ما حدث، المفترض أن تكون جلسة مجلس النواب الاردني يوم الأحد المقبل، هي الحد الذي يمنع المزيد من التهور والفوضى!


بالعودة إلى   يوم 15 تشرين الثاني  الماضي،  عندما  افتتح  الملك الهاشمي عبدالله الثاني ، الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر، أصر جلالته ان يتضمن خطاب العرش السامي، النطق الملكي الذي يستشرف المستقبل:"أثبتت التجارب من حولنا أن الانتقال ضمن برامج واضحة، هو الطريق الآمن لتحقيق التحديث المطلوب، حفاظا على المكتسبات وحماية للاستقرار، ونحن عازمون على السير في هذا الاتجاه بمسؤولية ودون تردد أو تأخير، لتعزيز مصادر قوة الدولة، مجتمعا ومؤسسات" .
.. وتابع الملك لقاءات وزيارات ومشاورات، عديدة، لتكون لمجلس الأمة، الأعيان والنواب، قوتهم في الأداء السياسي والتشريعي وفق الدستور والقوانين:
" شهدنا جهودا كبيرة لتحديث المنظومة السياسية، وهي جهود مقدرة ومشكورة للجنة التي كلفناها بهذه المهمة".، ولفت الملك:" أمامكم مسؤولية مناقشة وإقرار قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، والتعديلات الدستورية التي قدمتها الحكومة لمجلسكم الكريم، بهدف الوصول إلى بيئة حاضنة للحياة الحزبية، لتشكيل برلمانات المستقبل، بحيث يكون للشباب والمرأة دور بارز فيها".
إلى هنا، تمكن رئيس  مجلس النواب، المحامي عبد الكريم الدغمي، من السيطرة، بحكم الخبرة وإيمان بالواقع الذي يجب تجاوز، نظرا لا مات وتداعيات عربية وعالمية، تركت بصمتها على  الدولة الأردنية، وعقدت عدة جلسات رقابية وتشريعية، تخص التعديلات الدستورية، ومشاريع قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، والموازنة، وبرغم مسار الجلسات، وتدافع النواب لتمرير كلماتهم ومقترحاتهم، إلا أن رؤية الملك والشعب، والقوى السياسية والحكومة، وحتى الأجهزة الأمنية، والإعلام الوطني الأردني، بقوا على ثقة بأن ينخرط النواب، وفق كتلهم ولجانهم، نحو انجاز عديد الملفات والقوانين وموازنة الدولة، وقبل ذلك  مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية،مع الانتباه إلى أن الملك الهاشمي، كفل المقتضى الدستوري، لأي تعديل، أو مقترح، ووفق الرؤية التشريعية. 
.. المراقب للجلسات، يجد مدى "التحمل السياسي والاجتماعي"، الذي اجتهد رئيس مجلس النواب عبد الكريم  الدغمي، على استمرارية وخلق مناخ الثبات والتعاون من رئاسة المجلس ونواب الرئيس والمكتب الدائم، إلا أن، ترصد النواب، ونوايا البعض منهم، ظهرت معالمه-للاسف-، بعد أكثر من جلسة رقابية، كان الهدف منها، افشال دعم الملك، والسلطة التنفيذية والشعب الأردني، لتجربة نوابهم ممن افرزتهم الصناديق. 
العراك والفوضى، والتخريب، والملاكمة والشباب، الذي ظهر يوم الثلاثاء، اول من امس، هز مكانة مجلس النواب، ليس لذاته، بل لوجود شواهد عديدة ان َالحدث، كان مبيتا من كتلة، أو أكثر بعينها، بالتعاون والتنسيق مع نواب الحركة الإسلامية، وبعض النواب  من خارج الكتل او اللجان، وهم بيتوا الفوضى السياسية، واستعرضوا قدرات فشلهم التشريعي، بالمناطحة لتضيع الوقت. 
.

.. ما ظهر من فوضى، مسألة حرجة لكل ذات سياسية، فهولاء ليس لهم مكانة في مجلس الأمة، اذا كانت نواياهم ضد مصالح الشعب والأمة، وضد سيادة الدستور، النظام لحياة الأردن النموذج، الذي لا ولن يسمح لأي جهة ان تلعب بالنار، والمصلحة من يحدث هذا اللعب. 
نجا رئيس مجلس النواب، من الفتنة الكبرى، الميتة، تحمل وحقن وضبط أعصاب عديد الكتل والنواب، مانعا توسع دائرة الشغب والفوضى، متعاون، كاشفا مسار ما حدث، وهو مؤلم اذا علمنا:
*اولا:
الدغمي، سيطر على محاولات لإثارة النعرات  الإقليمية، وتشدد في نزع فتيلها، بالتعاون مع رئيس اللجنة القانونية في المجلس. 
*ثانيا:
ظهور لثلاثة نواب، تبادلوا تأزيم الملاكمات والنواب وحرضوا ضد استكمال عقد الجلسة، بالتدافع والضرب والشتائم. 
ثالثا:
تنامي تيار، غير محايد، لا مع أو ضد الرئيس وطريقتة في إدارة الجلسة، وحاول هذا التيار، تأجيج الفوضى والخلافات، بشتى الطرق، فيما حاول المكتب الدائم منع الفتنة واحتواء الازمة. 
*رابعا:
الفوضى التي تسبب بها نواب بمفردهم، تزامنت مع ظهور لماكنة إعلامية ومواقع ومنصات تواصل إلكتروني محلية وعربية واجنبي، نقلت أحادية الرؤية التي نقلها نواب كت الإصلاح والحركة الإسلامية، وزادت من تشوية الحدث. 
*خامسا:
مصادر متقدمة  ان هناك في النواب ، من  يصلون الليل بالنهار، لحسم الخلافات، ومنع استشراء الفتنة، ويتعاونون مع المكتب الدائم ورئيس المجلس ورؤساء الكتل النيابية واللجان، من أجل مصالحة نيابية وطنية، أساسها، الاتفاق على العودة نحو تسريع الجلسات وإقرار التعديلات الدستورية والقوانين والميزانية، نظرا لما تمليه المصلحة العامة، وتلبية للارادة الملكية ورؤية جلالة الملك الهاشمي.

.. انصافا للحقيقة، وبعيدا عن عشرات التسجيلات والفيديوهات التي انتشرت(برغبات إعلامية معرضة ومقصودة) داخل وخارج المملكة، فما حدث، من فوضى خلال جلسة مجلس النواب المتعلقة بمناقشة التعديلات الدستورية، مؤلم، لكن ممكن الإصلاح والمصلحة وإعادة بهجة المجلس إلى ما كان عليه، بعيدا عن محاكمة او محاسبة من لا يمكن منهم لا إصلاح ولا تجربة برلمانية وإنما سوء تقدير، خطط لك بعض الكبار، ووقع في الفخ، الصغار الاغبياء. 
صعب قول ذلك، لكننا نريد الأردن مملكة قوية، تحميها الإرادة الملكية والرؤية الهاشمية التي تكفل لنا، من شتى الأصول والمنابت، الأمن والأمان وحرية الرأي، والعمل السياسي، وتمكين المرأة الأردنية والشباب، بعيدا عن التطرف والإرهاب.

.. القوى والنخب السياسية والاجتماعية والاعلامية، ثمنت تصريحات شدد عليها عبد الكريم الدغمي، رئيس مجلس النواب،  أعلن  عن   تجاوزه الإساءة بحقه ولن يلتفت إليها، مؤكدا ان حيازة للوطن والملك والعدالة والدستور الأردني، و أن أمام المجلس، في هذا الوقت الحاسم من تاريخ المملكة، استحقاقات وطنية تتطلب وحدة الصف وتماسك أبناء بلدنا والحفاظ على نسيجنا متلاحماً قوياً، رافضا، ضمن مساعيه للمصلحة، اتخاذ أي إجراء يتعلق بحقه، مؤكدا أنه رئيس للجميع ومن واجبه تجاوز أي إساءة. يأتي ذلك في وقت .. دعا رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز إلى وضع استراتيجية إعلامية للدولة الأردنية، وينبثق منها هيئة أو مجلس أعلى للإعلام، بهدف توحيد الخطاب الإعلامي تجاه مختلف القضايا المحلية، ومصالح الوطن العليا، ومواقفنا القومية والعربية المشرفة.
وبين الفايز  أن المواطن بات اليوم فريسة للإعلام الموجه والمشوه، الذي يستهدف أمننا الوطني، بسبب سياسة عدم الانفتاح ووضع المواطن أولًا بأول بصورة المعلومة الحقيقية والدقيقة في الوقت المناسب.
.. ما حدث، يجب أن ينتهي، وعلى نواب الأمة جعل جلسة يوم الأحد المقبل، نموذج للولاء، للملك وللشعب.. و للمصلحة الوطنية الأردنية التي تصوغ فكر العالم، من خلال فكر سيدنا ابا الحسين، ورؤيته الفكرية السياسية الجامعة، التي نادت مجلس الأمة، بالنطق الملكي السامي:

إن عملية التحديث هذه، لا تقتصر على حزمة من القوانين والتشريعات وحسب، بل هي عملية تطور اجتماعي وثقافي في الأساس،وان على القوى السياسية والأحزاب أن تنهض بدورها ومسؤولياتها لتحقيق ذلك، فالتشريعات المقترحة لها أصل دستوري، وهي تشمل ضمانات للعمل الحزبي الذي لن نسمح بإعاقته أو التدخل فيه من أي جهة كانت.

وفي إطار التحديث،ومنعا من اي فوضى سياسية، قال سيدنا في خطاب العرش:علينا أن نحرص على صون مؤسسات الدولة السيادية والدينية والتعليمية والرقابية، من التجاذبات الحزبية، لتبقى درعا للوطن والمواطنين، دون تسييس أو تحزيب، وفي حماية الدستور ونصوصه. 
.. بوركت جهود منع الفتنة والفوضى.. بورك ظل الأمن والأمان،فحماية الأوطان يحتاج إلى التضحية والصبر والقدرة على التشريع دون أهواء مبيتة.