رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدالة التى طال انتظارها

 

الافتتاحات التى قام بها الرئيس السيسى بالأمس فى أسيوط أقرب ما تكون لإنجاز مضاعف.. فإلى جانب قيمتها العادية كإنجازات تم الانتهاء منها بسرعة وكفاءة، فإن لها قيمة سياسية مضافة، وهى أنها ترد حقًا غائبًا للصعيد، وتطبق على الأرض معنى غاب عن مصر فى عقودها الأخيرة وهو معنى «العدالة» لقد بتنا فى السنوات الأخيرة فقط نسمع من الحكومة كلامًا ونرى فعلًا يستهدف تحقيق العدالة بتطبيقاتها المختلفة فمسئولو الثقافة يجتهدون فى تطبيق «العدالة الثقافية» ومسئولو التضامن والتموين وغيرهما يسعون لتنفيذ سياسات «العدالة الاجتماعية» والحكومة كلها تتضافر وتذهب إلى أقاليم مثل الصعيد وسيناء لتحقق معنى «العدالة فى التنمية» وهى تعنى بكل بساطة ألا تستأثر المدن الكبرى والعاصمة بالتنمية ولا تترك للصعيد وغيره غير الفتات، والحقيقة أننا طوال العقود الأربعة الماضية سمعنا كلامًا كثيرًا عن «الاستقرار» و«البنية التحتية» لكننا لم نسمع أبدًا عن العدالة فى التنمية سوى بعد ثورة ٣٠ يونيو وسباقها مع الزمن لإعادة تأسيس الدولة المصرية.. ولأن حجم الظلم الذى تعرض له الصعيد كان كبيرًا جدًا.. كان حجم الاستثمارات التى وضعت لتنميته موازيًا لهذا الحجم حيث وصل حجم الاستثمارات لتريليون جنيه وهو رقم يفوق ما أنفقته الدولة على التنمية فى مصر كلها خلال ثلاثين عامًا.. هذه الاستثمارات تنوعت لتشمل إنشاء مدن جديدة ومناطق صناعية ومحاور للنقل ومزارع لنباتات تصديرية.. ولا أعرف إن كانت اتسعت لتشمل صناعات صغيرة للأهالى أم لا.. إن التنمية فى مصر أقرب ما تكون إلى «معضلة» بمعنى أنها ليست أمرًا سهلًا ولا هينًا لأن عوامل النحر فى الدولة والمجتمع استمرت لسنوات طويلة للغاية.. كانت الدولة فيها منسحبة من أدوارها جميعًا ويدخر مسئولوها جهدهم كله للبقاء فى السلطة والحفاظ على توازنات هشة يحقق فيها الجميع مصالح آنية بغض النظر عن مصلحة البلد.. فكان المصير الذى نعرفه جميعًا.. وهكذا تجد الدولة نفسها الآن مطالبة بتصحيح أخطاء الماضى ومراعاة احتياج الحاضر وحجز مكان فى المستقبل وهى مهمة صعبة وتحتاج إلى روح قتالية ورغبة فدائية فى خدمة الوطن وهى صفات يتمتع بها الرئيس السيسى والمجموعة التى تعمل معه.. لكن ما يضاعف من صعوبة المهمة الظرف الاقتصادى الذى يمر به العالم وموجة التضخم فى الأسعار وأزمة الطاقة وهى مصاعب مرت بها مصر بسلام بفضل الكفاءة فى إدارة ملف الإصلاح وفى إدارة الأمور بشكل عام.. إننى على هامش هذا الإنجاز العظيم أريد أن أسجل ملاحظة استقيتها من حوار مع صديق مثقف من أهالى محافظة قنا.. وهو نموذج للمثقف الملتزم والمؤيد للدولة الوطنية.. لقد طرح هذا الصديق فكرة تقول إن المواطن العادى فى الصعيد يجب أن يشعر بثمار التنمية فورًا.. والفكرة الأساسية مستعارة من نموذج التنمية فى الصين.. فبجانب كل مصنع كبير لإنتاج السيارات مثلًا، توجد قرية يختص أهلها جميعًا فى إنتاج جزء ما من السيارة فى مصانع صغيرة فى بيوتهم، ولنقل إن هذا الجزء هو «طفاية السيارة» مثلًا.. وبالتالى فإلى جانب العمال الذين يعملون فى المصنع، وبجانب المستثمر الكبير الذى يملك المصنع، هناك رأسمالية وسيطة أو صغيرة، تعمل على إنتاج صناعات وسيطة، تضاف للمنتج الرئيسى وتربح من إنتاجها هذا، ويتطور المبدعون فيها ويكبرون هم أيضًا.. هذا النموذج قد يواجه تحديات فى مصر، مثل افتقاد أهلنا فى الصعيد للمهارات الفنية اللازمة أو غياب التفكير فى التكنولوجيا عن المصريين جميعًا، أو غير ذلك من معضلات التنمية المختلفة، لكن الرهان يجب أن يكون على الأجيال الجديدة وعلى تدريبهم وإكسابهم المهارات اللازمة.. والحق أننى رغم انبهارى بكم المشروعات التى تم إنجازها إلا أن أكثر ما أثار إعجابى هو تصريح لمسئول حكومى يكشف فيه سياسة تنمية الصعيد ويؤكد أن كل مواطن فى الصعيد سيكون له فرصة عمل، والحقيقة أن المواطن هو غاية أى إنجاز.. وهى سياسة تدركها الدولة جيدًا وعبر عنها الرئيس السيسى أكثر من مرة كان آخرها ما قاله أمس من أنه لن يكون راضيًًا إلا عندما يرتفع متوسط دخل المواطن المصرى ليكفى معيشة كريمة له ولأسرته.. إن الكثيرين من أهلنا الطيبين لا يدركون أنه لا تنمية بدون بنية أساسية، تمامًا كما أنه لا صلاة بدون وضوء.. إذ يهمس بعضهم فى أذن المواطن بصوت يشبه فحيح الثعابين ويقول له وماذا أخذت أنت من البنية الأساسية؟؟ إن حالك كما هو لم يتغير!! والحقيقة أن أصحاب هذا الفحيح الثعبانى جهلاء ومغرضون أيضًا، فلا استثمارات ولا تنمية ولا صناعات، دون مناطق صناعية، ومحاور للنقل، ولا مواطن قادر على استيعاب الصناعة وثورة المعرفة دون تعليم جيد ورعاية صحية جيدة، ولا مجتمع يمكن أن يستقر سياسيًا دون حياة كريمة للجميع، وهى كلها محاور تعمل عليها الدولة وتسابق الزمن لإنجازها وتمولها وفق طرق التمويل المتبعة فى العالم كله حيث لا سبيل أمامنا سوى ذلك.. فى حين يكتفى البعض بالنواح والبكاء على اللبن المسكوب فى عقله هو فقط والبحث عن مكاسب فردية رخيصة وكأنه لم يكفِ البعض كل المليارات التى حققوها من خيرات البلد.. وهو ما يفتح الباب للحديث عن معنى كنا نتحدث عنه فى الماضى وهو الرأسمالية الوطنية وهو ما سنتحدث عنه فى قادم الأيام.