رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطاب الاتحاد.. لم يأت بجديد


الرئيس الأمريكى قد ساوى تقريبا بين خطر الدكتاتورية من وجهة نظره، ومن الإرهاب. يمكن القول بأن احتمال تدخل الولايات المتحدة عسكريا فى سوريا يتضاءل، ويكاد يصل إلى الصفر، وأن الأزمة فى سوريا أصبحت تحتل رأس قائمة اهتماماتها العسكرية فى الوطن العربي، وبعد الوضع فى أفغانستان عالميا.

عادة ما يلقى الرئيس الأمريكى فى شهر يناير من كل عام خطابا فى الكونجرس يوضح فيه حالة الاتحاد الفيدرالى فى الولايات المتحدة الأمريكية فى أهم النواحى، وكذا الخطوط العامة للسياسة الأمريكية فى العام التالى. لذا فقد كان من المتوقع أن يصدر الرئيس خطابه، ومن الطبيعى أن ينتظر الكثيرون الخطاب فى محاولة لاستكشاف سياسة الولايات المتحدة وما يمكن أن يؤثر فى بلادهم ومصالحهم، كما أن الرئيس الأمريكى ربما استن سنة جديدة، وهى دعوة المواطنين، بل وغير الأمريكيين، لأن يكونوا ضمن من يتابع إلقاء البيان المهم، بل وطلب منهم أن يبلغوه عن أنهم سيكونون ضمن المتتبعين. لا أدعى أنى كنت ضمن المتابعين على الهواء، ولكنى حاولت أن أحصل على النص، وللحق، فإنى وجدت المسودة النهائية للنص، وحاولت أن أجدها على أى صفحة من شبكة المعلومات الدولية العنكبوتية، فلم أجد حتى كتابة هذا المقال.

مبدئيا يمكن للقارئ لمسودة الخطاب، وبالتالى لمستمع أو قارئ أو مشاهد الخطاب أن يلاحظ أن الرئيس الأمريكى قد ركز على السياسة الداخلية وخاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد وآثاره فى الحياة فى الولايات المتحدة، وإذا كان هذا طبيعيا باعتبار أن الهدف هو معيشة المواطنين ومستواها سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمن، أو حتى المستوى الاجتماعى، يلاحظ المراقب لخطاب هذا العام أنه يكاد يكون قد أهمل السياسة الخارجية كما لو كانت الإدارة الأمريكية لا ترى أن عوامل خارجية مؤثرة فى حياة المواطنين الأمريكيين، وفى نفس الوقت يمكن القول إن الخطاب أكد الاتجاهات السابقة لإدارة الرئيس باراك أوباما فى سياستها الخارجية والجانب الدفاعى فيها، رغم أن بعضها لم يأت ذكره لا بالسلب ولا بالإيجاب، وهو ما سبق أن أثار جدلا حادا وخلافا بين الولايات المتحدة وخاصة مع بعض القوى العالمية مثل روسيا والصين فيما يتعلق بالسياسة الدفاعية.

لا يهمنى فى بيان الرئيس الأمريكى فحواه، وإنما ما يمكن أن يؤثر فى الأمن القومى بمفهومه الواسع، أى بمستوى معيشة المصريين ومواجهة التهديدات. وربما ما جاء بمقدمة البيان يوضح بعض النواحى التى يمكن الاستفادة بها فى مواجهة الصعاب التى نواجهها، فقد أراد الرئيس الأمريكى فى المقدمة أن يشعر المواطن الأمريكى بأنه قد حقق له إنجازات مهمة، فهو مثلا يقول بأن الولايات المتحدة الآن لديها أقل معدل بطالة خلال السنوات الخمس الماضية، وأن القطاع الصناعى وفر وظائف، وأن الولايات المتحدة لأول مرة منذ التسعينات تنتج بترولا أكثر مما تستورد منذ عشرين عاماً، وأن العجز فى الموازنة قد انخفض إلى النصف، وأن قادة الأعمال فى العالم لم يعودوا يعتبرون أن الصين هى المكان الأول للاستثمار، وأنه (الرئيس) يعتقد أن هذا العام (عام 2014) هو عام اختراق، وأن الولايات المتحدة ستكون أقرب إلى الاستقلال (الاكتفاء الذاتى) فى مجال الطاقة من عدة عقود. وفى رأيى أننا يجب أن نستفيد من دروس الولايات المتحدة فى هذه المجالات ومحاكاتها فى ما يمكن أن تجرى محاكاته.

فى مجال السياسة الخارجية نجد أنها اتجهت إلى سحب قوات الولايات المتحدة من الخارج ووعد بألا ترسل الولايات المتحدة قواتها إلى الخارج إلا فى حال الضرورة الحقيقية، وأن الرئيس لن يسمح بأن تخوض القوات فى الوحل، وأنها يجب ألا تحارب المعارك التى يفرضها الإرهاب، وإنما تحارب المعارك التى تحتاجها.

هنا يزاوج الرئيس الأمريكى بين السياسة والدبلوماسية والقتال فيقول بأن الدبلوماسية الأمريكية، مدعمة بالتهديد بالقوة، نجحت فى إزالة الأسلحة الكيميائية السورية بالعمل مع المجتع الدولى من أجل مستقبل الشعب السورى الحر من الدكتاتورية ومن الإرهاب والخوف، وهنا نلاحظ أن الرئيس الأمريكى قد ساوى تقريبا بين خطر الدكتاتورية من وجهة نظره، ومن الإرهاب. يمكن القول بأن احتمال تدخل الولايات المتحدة عسكريا فى سوريا يتضاءل، ويكاد يصل إلى الصفر، وأن الأزمة فى سوريا أصبحت تحتل رأس قائمة اهتماماتها العسكرية فى الوطن العربي، وبعد الوضع فى أفغانستان عالميا.

يأتى النزاع بين الفلسطينيين والاحتلال الصهيونى فى القائمة بعد الأوضاع فى سوريا حيث يصفها بأن الدبلوماسية الأمريكية تدعم الإسرائيليين والفلسطينيين حيث يشتبكون فى محادثات صعبة ولكنها ضرورية، وتحقيق الكرامة ودولة مستقلة للفلسطينيين، وسلام دائم وأمن لدولة إسرائيل، وأنها دولة يهودية وتعرف أن أمريكا ستقف دائما إلى جانبها. وإذا كان الموقف ليس بجديد فإن المفارقة واضحة فللفلسطينيين كرامة ودولة مستقلة، بينما للصهاينة دولة يهودية فى سلام دائم وآمن، أى أن ليس من حق الفلسطينيين لا سلام دائم ولا آمن. لعل ما سبق يوضح بعض ما نتوقعه من الولايات المتحدة فى المستقبل القريب ويدفعنا للتفكير فيما سنفعله نحن، أما باقى البيان فموعدنا معه فى فرصة مقبلة.

■ خبير استراتيجى وأمنى