رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دردشة صينية أمريكية عادية

 

الدردشة، التى يجريها شى جين بينج وجو بايدن، رئيسا الصين والولايات المتحدة، مساء اليوم الإثنين، عبر الفيديو كونفرانس، هى الثالثة، بعد مكالمتين تليفونيتين متباعدتين. وبعد إشارات إيجابية حملتها برقيتان أرسلهما الرئيسان إلى «اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصينية»، خلال احتفالها، الثلاثاء الماضى، بالذكرى الخامسة والخمسين لتأسيسها.

برقيه «بايدن»، التى قرأها جاكوب لو، رئيس اللجنة، أكدت على «الأهمية العالمية» للعلاقة بين البلدين فى مواجهة التحديات: «من وباء كورونا إلى التهديد الوجودى لأزمة المناخ». أما برقية «شى»، فقرأها تشين جانج، السفير الصينى لدى الولايات المتحدة، وجاء فيها أن «بكين مستعدة للعمل مع واشنطن لتعزيز التعاون فى كل المجالات»، مع إشارة إلى أن العلاقات الصينية الأمريكية «تمر بمنعطف تاريخى حاسم، وسيستفيد البلدان من التعاون وسيخسران من المواجهة».

اختيار موعد الدردشة الجديدة، التى توصف بأنها «قمة افتراضية»، لم يكن صدفة، على الأرجح، ففى مثل هذا اليوم، سنة ٢٠٠٩، ذهب الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، إلى بكين، وناقش مع الرئيس الصينى السابق هو جين تاو، المخاوف الاقتصادية وتلك المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية، واتفق الطرفان على تطوير العلاقات الأمريكية الصينية، وتعزيز التعاون وزيادة مستويات الصداقة بين البلدين.

العلاقات بين أكبر اقتصادين فى العالم، مرت بوقت عصيب فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذى أشعل فتيل حرب تجارية، وكان أول رئيس أمريكى، بعد جيمى كارتر، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة ١٩٧٩، يجرى اتصالات رسمية مع تايوان. وبينهما كانت الولايات المتحدة قد وافقت على عدم الطعن فى سيادة الصين على الجزيرة، واحترام «قانون مناهضة الانفصال»، الصادر سنة ٢٠٠٥، الذى يتيح للصين اللجوء إلى «الوسائل غير السلمية» إذا أعلنت تايوان استقلالها.

بمجرد دخول بايدن إلى البيت الأبيض، فى فبراير الماضى، أجرى دردشته الأولى مع الرئيس الصينى. لكن، وبرغم دعوته إلى إنهاء سياسة ترامب، التى ارتكزت على مبدأ «أمريكا أولًا»، استمرت الحرب التجارية وتواصلت الاتهامات بشأن مسئولية الصين عن تفشى وباء كورونا المستجد، واشتعلت الخلافات بشأن تايوان وشينج يانج وهونج كونج، و... و... وقامت إدارة بايدن باللعب بكارت حقوق الإنسان، وأقامت تحالفات، عسكرية، أمنية واقتصادية، تهدف إلى محاصرة الصين. 

بعد سبعة أشهر، جرت الدردشة الثانية، ووقتها قال مسئول كبير فى البيت الأبيض لعدد من الصحفيين، إن بايدن أبلغ نظيره الصينى بأن «الولايات المتحدة تريد ألا يتحول التنافس بين البلدين إلى نزاع غير مقصود». وأقر بأن حالة الجمود بين البلدين «لا يمكن أن تستمر»، وحذّر من أن بقاء الحال على ما هو عليه «ينطوى على مخاطر». وعن الدردشة نفسها، قالت الحكومة الصينية، فى بيان مقتضب، إن شى قال لنظيره الأمريكى، إن «مستقبل العالم ومصيره يعتمدان على قدرة الصين والولايات المتحدة على إدارة علاقاتهما بشكل صحيح. هذا هو سؤال القرن الذى يتعين على البلدين الإجابة عنه».

بقليل من التركيز، ستدرك أن إدارة بايدن تتعامل مع الصين بقدر كبير من الارتباك. والمثال الأبرز والأحدث، على ذلك، هو أن تلويح الرئيس الأمريكى بتدخل بلاده عسكريًا إذا هاجمت الصين تايوان، تتبعه عودة سريعة إلى الخط التقليدى، الأكثر حذرًا، وقال أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، إن علاقة بلاده بالصين «من أهم العلاقات وأكثرها تعقيدًا»، وأشاد بالبيان المشترك، الذى صدر الأربعاء، وتعهد فيه البلدان بمواجهة أزمة التغير المناخى. ثم عاد بلينكن وأعرب عن قلقه «إزاء ضغط الصين العسكرى والدبلوماسى والاقتصادى المتواصل ضد تايوان»، فى اتصال تليفونى، أجراه أمس الأول السبت، مع نظيره الصينى وانج يى، الذى طالبه بالكف عن إرسال «إشارات خاطئة» حول وضع تايوان.

.. وأخيرًا، ليس من المتوقع أن يتوصل الرئيسان، خلال الدردشة الجديدة، إلى تفاهمات بشأن القضايا الساخنة، التى أشعلت حربًا باردة، حتى لو رفض الرئيس الأمريكى وصفها بذلك. كما لن تسهم فى تخفيف الاحتكاكات أو المماحكات التجارية، أو نزع فتيل التوترات بشأن تايوان وشينج يانج وهونج كونج وبحر الصين الجنوبى، ولن توقف الولايات المتحدة عن التدخل، أو دس أنفها، فى شئون الصين الداخلية.