رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وطنيتهم ووطنيتنا

"الوطنية هي الملاذ الأخير للندل"، مقولة قديمة أثبتت صحتها مع الزمن، فعندما يضيق الخناق على أحدهم لا يجد مفرًا إلا أن يتصرف بنذالة، فيسارع بادعاء الوطنية والشرف كي ينجو من المأزق الذي وضعته فيه أفعاله.
شاهدنا ذلك كثيرًا في العهد الماضي القريب، زعيم سياسي داهية قديم كي يتقي هجوم الأحزاب عليه في بداية حكمه يسارع بالقول في خطاب مؤثر إنه يسير على طريق الزعيم الذي قبله، ويرفع يديه للسماء متضرعًا ومتوسلًا لله، عز وجل، أن يغفر له ويرحمه.. بينما كل سياساته تقول إن خطواته تسير على خطوات من قبله بممحاة.

رئيس نادٍ كبير سابق حينما يتجاوز حدود اللياقة والأدب بألفاظه السوقية، تجده فجأة يسب ويلعن أعداء الوطن، ويكيل ما لذ وطاب من السباب والاتهامات، ويدعي اكتشافه مؤامرات كونية وتهديدات منهم لشخصه الكريم بالقتل، فيجبر البسطاء الوطنيين على التعاطف معه والتغاضي عن بذاءاته.

 الإخوان على قنواتهم يشتمون ليل نهار الرئيس والحكومة المصرية بأعمدتها الثلاثة "الجيش والشرطة والقضاء"، لكنهم يدّعون دائمًا الوطنية وعشق تراب مصر وتعاطفهم مع الفقراء والمرضي وكل الفئات الكادحة، ويركزون على كل السلبيات ليكسبوا تأييد الفئات المطحونة.

الفئة الأخيرة، التي تأمل في قلب نظام الحكم لتعود وتحكم، درست جيدًا لماذا تقوم الثورات في معظم بلدان العالم فوجدت أن أبرز ما يثير الشعوب ليس شعارات الحرية والديمقراطية والكرامة، لكن الذي يحركهم هو نقطتان مهمتان "الغيرة والعوز"، فقاموا بالتركيز في عصر مبارك على شائعة أن الحاكم ظالم يسرق قوتهم ويعيش في رغد ويمتلك 70 مليار دولار في بنوك سويسرا بينما تعاني الغالبية العظمي من شعبه شظف العيش، ونجحوا في الإطاحة به بسهولة .
لكن الشعب تعلم الدرس جيدًا وفهم نية أعدائه وتعاهد مع رئيسه على التحمل والصبر لرفعة شأن البلاد، فالشعب الذي ثار في عهد السادات على رفع سعر رغيف العيش، وفي عهد مبارك على شائعة التوريث وسرقة مقدرات البلاد وتهريبها.. لم يثُر عندما قرر الرئيس السيسي زيادة أسعار مشتقات البترول والكهرباء عدة مرات، لأن ما يراه من إنجازات مبهرة خفف من معاناته المادية- على الأقل نفسيًا- على أمل أن يرى الجمهورية الجديدة في القريب العاجل مزدهرة وقوية نتيجة تضحياته وصبره.

ولا يزال أعداء الوطن يخططون، ولا يزال الشعب الواعي يزداد إيمانا بقياداته وجيشه.. وليذهب الأنذال للجحيم.