رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوم هادئ فى بغداد!

الهدوء الذى يسبق العاصفة، قد لا يختلف كثيرًا عن ذلك الذى يتبعها. ومع أن بغداد لم تعرف غير ضجيج التظاهرات والاشتباكات، طوال الأسبوعين الماضيين، على الأقل، إلا أنها هدأت، وبات وضعها الأمنى تحت السيطرة، بعد ساعات قليلة من استهداف طائرة «أو طائرات» مسيّرة مفخخة مقر إقامة مصطفى الكاظمى، رئيس الوزراء العراقى، فجر أمس الأحد، بالمنطقة الخضراء شديدة التحصين. 

محاولة دنيئة جديدة، لمنع الشعب العراقى الشقيق من استعادة عافيته وأمنه واستقراره. وبحسب اللواء تحسين الخفاجى، المتحدث الرسمى باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، فإن هناك تحقيقات فنية مشتركة تجريها عدة جهات فى وزارتى الدفاع والداخلية وقوات الدفاع الجوى، بالإضافة إلى السفارة الأمريكية، لمعرفة وتتبع مسار الطائرة المسيّرة، مع الاستعانة بمنظومة الـ«سى- رام» المخصصة لحماية مبنى السفارة بالمنطقة الخضراء فى الكشف عن ملابسات هذه المحاولة الدنيئة. 

محيط المنطقة الخضراء يشهد تظاهرات واعتصامات منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات العراقية، الخامسة منذ الاحتلال الأمريكى، والأهم فى تاريخ العراق منذ سنة ٢٠٠٣. وهى النتائج التى رأيناها «قنبلة عراقية غير موقوتة»، وتحت هذا العنوان حذرنا، منتصف الشهر الماضى، من خطورة قيام «فصائل مسلحة» باستحضار صقورها، وتهديدها باستخدام القوة، لو لم يتم تغيير النتائج. لكن ما قد يطمئن قليلًا هو أن موجة التظاهرات، التى بلغت مرحلة الصدام المباشر مع القوات الأمنية، وأسفرت عن سقوط ضحايا، بدأت تنحسر مع بداية مرحلة التسويات الهادفة إلى ترضية كل الأطراف!.

معارك العراقيين ضد تنظيم «داعش» كانت محتدمة، فى يونيو ٢٠١٦، حين فاجأهم حيدر العبادى، رئيس الوزراء الأسبق، بتعيين مصطفى الكاظمى، الصحفى المعروف داخل البلاد وخارجها، رئيسًا لجهاز المخابرات. غير أن وقع المفاجأة كان أقل حين أنهى التوافق على اختيار الكاظمى رئيسًا للوزراء خمسة أشهر من الارتباك. ومع صباح ٧ مايو ٢٠٢٠، بدأت حكومة الكاظمى العمل على طمأنة العراقيين الذين زادت معاناتهم بعد وباء «كورونا المستجد»، وانخفاض إيرادات النفط. وفى أول خطاب تليفزيونى، بعد رئاسته الحكومة، قال إن أهداف حكومته ستكون محاربة الفساد، ووضع أسس «نظام صحى حديث» و... و... ولمس السلك العريان بتشديده على أن السلاح يجب أن يكون فى أيدى الجيش العراقى وحده. 

مع توافق القوى العراقية، كان هناك أيضًا توافق إقليمى ودولى على الكاظمى، نظرًا لعلاقاته الجيدة بمصر والولايات المتحدة وفرنسا وإيران والسعودية، التى مكنته من إعادة بناء علاقات العراق الخارجية، وإقامة جسور تواصل تساعد على مواجهة التحديات الحالية والمحتملة، وحسم ملفات حساسة عالقة، داخلية وخارجية، ترتبط بأمن العراق واستقراره. وبالفعل، أعاد الكاظمى إلى بغداد بعض ثقلها الإقليمى والدولى، وقطع الطريق، مرارًا، أمام محاولات استخدام بلاده ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية أو الدولية. ومع أنه أبدى عدم رغبته فى الاستمرار، إلا أن بعض السياسيين يرون فى اختياره، أو تكليفه، حلًا مناسبًا، لو تعثّرت المفاوضات بين القوى السياسية.

التعاون مع مصر والأردن منح العراق، أيضًا، عمقًا عربيًا، وأتاح له اتخاذ خطوات جادة نحو الانعتاق من سياسة المحاور. وتأكيدًا على دعم مصر لعودة العراق إلى دوره الفاعل على المستويين العربى والإقليمى، زار الرئيس عبدالفتاح السيسى بغداد، فى أغسطس الماضى، للمشاركة فى قمة أو «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة»، وناقش مع قادة وممثلى ٨ دول، عربية وأجنبية، سبل محاربة الإرهاب وتعزيز مسار الحوار البناء لإقامة تكامل اقتصادى بين العراق ودول الجوار والدول الصديقة. ومثلنا جميعًا، نحن المصريين، تابع الرئيس السيسى، بقلق بالغ، أنباء محاولة الاغتيال الآثمة، وأدانها، داعيًا الله أن يحفظ «الكاظمى»، وأن يتحقق الأمن والاستقرار للعراق وشعبه. كما دعا كافة الأطراف والقوى السياسية بالعراق إلى التهدئة ونبذ العنف والتكاتف من أجل الحفاظ على استقرار الدولة، وتحقيق آمال الشعب العراقى الشقيق.

.. وتبقى الإشارة إلى أن عودة العراق إلى محيطه العربى، كما أوضحنا فى مقال سابق، ستحرره من الكماشة الأمريكية، التركية، الإيرانية. وهو ما نتمنى أن يتم استكماله بتشكيل حكومة وطنية تستمر فى البناء على ما تحقق خلال الفترة الماضية.