رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

4 سيناريوهات تدفع الصين إلى دعوة مواطنيها لتخزين السلع

تخزين السلع في الصين
تخزين السلع في الصين

رسالة كانت من وزارة التجارة الصينية لمواطنيها، لكن أصداءها دوت فى جميع أنحاء العالم، فالكل شعر بالقلق من التحذير الرسمى الذى جاء ضمن الرسالة التى وجهتها الوزارة الصينية للمواطنين تطالبهم فيها بتخزين كميات من السلع الأساسية لتلبية الاحتياجات اليومية وتحسبًا لحالات الطوارئ.

لم توضح الوزارة الصينية أى أسباب وراء مطالبتها مواطنيها بتخزين الأطعمة، بل زاد القلق بعد أن وجهت الوزارة إعلانًا إلى السلطات والحكومات المحلية بضرورة تسهيل ودعم تدفق الإنتاج الزراعى والحيوانى، ورصد حالة المخزون من اللحوم والخضروات، والسيطرة على الأسعار.

طبيعى جدًا أن تنتاب العالم كله حالة قلق شديد فى ظل ما يتردد عن إخفاء الصين معلومات حول انتشار فيروس كورونا، فلا يوجد أى سبب منطقى يدفع بلدًا ما إلى الطلب من مواطنيه شراء الأطعمة وتخزين ما يمكنهم تخزينه، سوى الحرب أو الوباء.. لا ثالث لهما معلن. 

فى الحرب هناك كلام عن تايوان، ومعلومات يتم الترويج لها عن تحركات عسكرية لاستعادة مقاطعة تظن بكين أنها صاحبة الولاية عليها وستعود إليها مهما طال الزمن، فيما ترى تايوان أنها أمة مستقلة ومنفصلة تمامًا، وتعتبر الصين «تايوان» مقاطعة انفصالية تعهدت باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، لكن قادة تايوان يقولون إنه من الواضح أنها أكثر من مجرد مقاطعة، وإنها دولة ذات سيادة. التفسير الثانى كان بخصوص فيروس كورونا أو أحد متحوراته- بعض التكهنات تحدثت عن فيروس مختلف لكنها تظل تكهنات لا تستند إلى دليل علمى- تفسير كورونا استندت إليه صحيفة «Economic Daily»، وهى الصحيفة الاقتصادية الأقرب إلى الحكومة، التى تدخلت فى محاولة لفض الاشتباك وحاولت تقديم مبرر لكلام وزارة التجارة الذى أربك سكان الكرة الأرضية، وقالت إن تفسير الناس بيان وزارة التجارة كان مبالغًا فيه، وإن البيان تم فهمه بصورة خاطئة، فالأمر لا يتعدى كونه تخزينًا لبضعة أيام، لأن التخزين أمر طبيعى فى الحياة أولًا، وثانيًا لأن بعض المناطق قد يشملها حظر التجوال بسبب الجائحة.

هذا الكلام أضاف كثيرًا من الغموض على الأمر.. فالتخزين لبضعة أيام لا يتطلب بيانًا رسميًا ثم شرح البيان الرسمى ومطالبة الجهات الحكومية بضبط الأسعار.

التلويح بالحرب.. تحذير لتايوان بعد تصريح الرئيس الأمريكى بالتدخل 

المعلومات التاريخية تقول إن أول المستوطنين المعروفين فى تايوان هم قبائل أوسترونيزيان، الذين يقال إنهم أتوا من جنوب الصين.

والتاريخ يقول إن تايوان ظلت لفترة مستعمرة هولندية، وتحديدًا من «١٦٢٤- ١٦٦١»، لكن من بعدها، وتحديدًا من ١٦٨٣ إلى ١٨٩٥، كانت تايوان تدار من قبل أسرة تشينغ الصينية.

واستمرت حالة الشد والجذب بين الصين وتايوان حتى ثمانينيات القرن الماضى، وطرحت الصين صيغة تعرف باسم «دولة واحدة ونظامان»، تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين.

هذا النظام الذى تم استخدامه مع هونج كونج كان غرضه إغراء تايوان بالعودة، ورغم أن تايوان رفضت العرض، إلا أنها خففت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار فى الصين، حتى أعلنت فى ١٩٩١ انتهاء الحرب مع الصين فى البر الرئيسى. 

ما زاد الأمور قلقًا فى الفترة الأخيرة كان تصريح الرئيس الأمريكى، جو بايدن، الذى تحدث عن عزم بلاده الدفاع عن تايوان إذا غزتها الصين.. التصريح أثار جدلًا واسعًا وغضبًا فى بكين، العاصمة الاقتصادية الأهم فى العالم والدولة التى تمتلك قدرات عسكرية ضخمة ولا تقبل بالتهديد.

الرئيس الأمريكى أشعل الأمور والتكهنات فى العالم عندما سُئل، فى لقاء لشبكة «سى إن إن»، عما إذا كانت بلاده ستتحرك لحماية تايوان حال تعرضت الأخيرة لاجتياح صينى، فقال الرئيس الأمريكى جو بايدن: «نعم، لدينا التزام بذلك».

أمريكا لن تسمح للصين بالدخول فى حرب مع تايوان، وفى نفس الوقت الصين تعتبر الأمر جزءًا من كرامتها قبل سيادتها، لذا كان رد فعل الصين واضحًا، وقالت وزارة خارجيتها إنها لن تتنازل أو تقبل بأى تسويات فيما يتعلق بقضايا المصالح الرئيسية وسيادة وسلامة أراضيها.

هنا يبدو الكلام عن تحركات عسكرية مقبولًا كسبب لتنبيه السكان بتخزين الاحتياجات، لكن هل تحتاج الحروب إلى إعلانات مسبقة؟

هذا السؤال شغل مراكز الأبحاث العالمية، فليس من المنطقى أن دولة تريد الدخول فى حرب توجه رسالة إلى شعبها لتكشف نواياها وتخسر عنصر المفاجأة، إلا إذا كان فى نيتها التلويح بالحرب لا الدخول فيها، فالعالم لا يتحمل حربًا بين دولة بحجم الصين من ناحية وتايوان ومعها الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى، ولا يمكن للاقتصاد العالمى الذى يترنح بفعل مرحلة التعافى من كورونا وخسائر الحرب الاقتصادية أن يصمد أمام حرب عسكرية. المعطيات تقول إن الحرب لا يمكن لها أن تقع الآن، وإن هدف الصين من إعلان تخزين الأغذية، وفقًا لذلك السيناريو، سيكون التلويح بالحرب لا الدخول فيها. 

تأهب لمواجهة متحورات فيروس كورونا مع انطلاق الموجة الجديدة 

لم يتفق أبى أحمد مع الرئيس الإريترى على دفن الجثث الإثيوبية القديمة إلا ليتشاركا فى قتل غيرها!

تتأهب بكين لاستقبال قادة سياسيين، الأسبوع المقبل، ولإقامة دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية خلال أقل من ١٠٠ يوم، لكن فى نفس الوقت هناك قلق واضح من عودة فيروس كورونا من جديد بعد فترة من السيطرة عليه، لذا تسعى السلطات الصينية إلى حماية العاصمة بكين ضد تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

ونقلت وكالة «بلومبرج» للأنباء عن الشركة الحكومية المسئولة عن تشغيل السكك الحديدية قولها إنه تم وقف بيع تذاكر قطارات قادمة من ١٢٣ محطة فى ٢٣ موقعًا تم فيها تسجيل حالات إصابة بفيروس كورونا، كما حظرت حكومة بكين فى وقت سابق دخول العاصمة على القادمين من مناطق تسجل حالات إصابة بفيروس كورونا. ورغم أن بكين شهدت تفشيًا أكبر لحالات الإصابة بفيروس كورونا فى السابق، يأتى التفشى الأخير قبل أيام من انعقاد قمة رئيسية للحزب الشيوعى الحاكم، وهو ما أثار القلق، حيث تم تعليق العمل فى بعض المتاحف الرئيسية ودور السينما والمتنزهات والمكتبات فى العاصمة، ورغم أن الحكومة لم تغلق الأماكن العامة بشكل رسمى، فإن السلطات دعت المواطنين إلى تجنب الأماكن المزدحمة.

الصين تكافح اليوم وباء فيروس كورونا أكثر من أى وقت مضى منذ ظهور الفيروس المستجد لأول مرة فى مدينة ووهان عام ٢٠١٩، حيث ينتشر متحور «دلتا» من فيروس كورونا فى جميع أنحاء البلاد رغم الإجراءات المشددة والقيود المتزايدة التى اتخذها المسئولون فى محاولة لإحباط انتشار المرض. هذا الانتشار، بالإضافة إلى ما يردده المسئولون الصينيون حول التزامهم بالحفاظ على ما يسمى نهج «صفر كوفيد»، يتطلب إجراءات حاسمة، لأن التفشى الأخير يأتى بشكل أسرع، ويتجاوز العديد من الإجراءات التى كانت تسيطر فى السابق على الفيروس، ما يشير إلى احتمالية أن يكون ذلك سببًا منطقيًا لدعوة وزارة التجارة الصينية المواطنين لتخزين احتياجاتهم، استعدادًا لإجراءات تحاصر المرض.

التعامل مع أزمة اقتصادية حادة بسبب نقص الطاقة وتراجع الإنفاق 

حتى منتصف العام الحالى كانت الصين «الأفضل على الإطلاق» فى السباق العالمى نحو السيطرة على الجائحة ومنع الوباء من الانتشار، لكن فى الشهور القليلة الأخيرة واجهت «بكين» موجات متتالية وعنيفة من متحورات الوباء ضربت مختلف أنحاء البلاد، مما جعلها تعيد العمل بقواعد حظر التجول وقيود السفر والحركة فى بعض المناطق لمنع التفشى. تأثر الاقتصاد الصينى بشكل كبير لأسباب كثيرة تحدث عنها باستفاضة موقع «أرقام»، المتخصص فى متابعة أرقام الاقتصاد وأحدث البيانات فى العالم، وذكر أن الاقتصاد الصينى تأثر لـ٨ أسباب، هى: تراجع إنفاق المستهلكين، وأزمة نقص الطاقة، وتعطل سلاسل الإمداد، ووجود عراقيل تشريعية جديدة، مع تذبذب سوق الائتمان، وانكماش القطاع العقارى، وتوتر بحر الصين الجنوبى، وتفشٍ جديد لمتحورات كورونا. ووفقًا للموقع الاقتصادى، فإن شهر أكتوبر كان سيئًا على الاقتصاد الصينى، حيث تراجعت الصادرات الصينية والتوظيف للشهر الثالث على التوالى، كما تراجعت معدلات المبيعات فى أكتوبر بعد أن ارتفعت فى سبتمبر، أما معدلات تسليم البضائع فى موعدها فقد سجلت فى أكتوبر أسوأ مستوياتها منذ مارس ٢٠٢٠، وكل هذا أثر فى أسعار مدخلات الإنتاج التى سجلت أسرع زيادة منذ ديسمبر ٢٠١٦. الإغلاق لمواجهة كورونا فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة دفع نائب محافظ المدينة السابق «داى رونجلى» إلى القول إنه يجب، وبشكل عاجل، استئناف الأعمال وحركة الاقتصاد، وعلى الحكومة أن تتعلم كيف توازن بين أرزاق الناس والسيطرة على تفشى الوباء.

الاستعداد للشتاء والخوف من فشل دورة الألعاب الشتوية

تحرص السلطات الصينية بكل ما لديها من قدرات وإمكانات على عدم السماح لأى ظروف بأن تعكر صفو أجواء تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية المنتظر أن تنطلق فى بكين فى الفترة بين ٤ و٢٠ فبراير المقبل.

وتأمل الصين أن تكون الدورة بحضور جماهيرى كامل، كما كان الوضع فى أى مسابقة قبل جائحة كورونا، ومن المنتظر أن تسهم المسابقة الدولية فى دعم النمو والاستهلاك بفضل الأعداد الوافدة من السياح والجماهير، وهذا يعنى أن أى تهديد يحوم حول نجاح تنظيم أوليمبياد الشتاء قد يكون سببًا فى ذعر السلطات الصينية التى تراهن على البطولة فى إنعاش الاقتصاد الصينى الذى يستعد للانطلاق مجددًا ويريد السيطرة على العالم الذى لم يستفق بعد من تبعات كورونا. 

الصين تريد أن يمر الشتاء الذى تتحور فيه الفيروسات بهدوء حتى يعبر اقتصادها دورة الألعاب الشتوية، وهذا الأمر قد يكون الأقرب إلى المنطق فى أسباب دعوة المواطنين لشراء الأطعمة وتخزينها، فالصين تريد تحقيق سيطرة تامة على الوباء ومتحوراته بشكل صارم، عبر اتباع سياسة وصفها موقع «أرقام» بأنها «صفر تهاون وصفر تسامح».