رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل اقترب تحرير إثيوبيا؟

عام يمر اليوم، الرابع من نوفمبر، على عدوان قوات الحكومة الاتحادية الإثيوبية على إقليم تيجراى، الذى أسفر عن مقتل آلاف وتشريد ملايين وأغرق الشمال الإثيوبى فى أزمة إنسانية خطيرة، لم توقفها إدانات أممية وأوروبية شفهية، أو عقوبات أمريكية شكلية، لم تكن رادعة، بقدر ما كشفت عن ارتباك الدول، التى تُحرّك حكومة أبى أحمد، أو تستعملها.

كلمة «تحرير» تدل، عادة، على إنهاء احتلال شعب، من الاستعمار أو الاضطهاد أو انتزاع حقوقه المسلوبة، وتوصف القوات التى تسعى إلى تحقيق ذلك، بأنها «جيش تحرير وطنى»، ولا يليق، مهنيًا أو أخلاقيًا، وصفها بـ«قوات المتمردين»، كما فعلت وسائل إعلام، غربية وعربية، مع «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، أو «جيش تحرير أورومو»، اللذين تحالفا، لتحرير إثيوبيا من قبضة الحكومة الحالية، التى تضم مختلين عقليًا، بُلهاء أو عملاء، باتت الإطاحة بهم، شرطًا أساسيًا، لاستقرار تلك الدولة، وسلامة منطقة القرن الإفريقى والقارة السمراء بأكملها.

فى مثل هذا اليوم أرسل رئيس الوزراء الإثيوبى، الحاصل على «جائزة نوبل للسلام»، قواته للإطاحة بـ«الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، الحزب الحاكم إقليميًا، الذى كان يهيمن على الحياة السياسية فى إثيوبيا، لثلاثة عقود، وتعقّد الصراع بمشاركة إريتريا المجاورة. لكن فى ٢٨ يونيو الماضى تمكنت قوات «الجبهة الشعبية» من استعادة سيطرتها على مدينة ميكيلى عاصمة الإقليم، ما دفع أبى أحمد إلى سحب قواته، والإدارة المؤقتة، التى عينها. ثم اتسعت المواجهات لتشمل أقاليم أمهرة وعفر وأورومو و... و... وتوالت هزائم القوات الإثيوبية والإريترية، وصولًا لإعلان أبى أحمد، أمس الأول الثلاثاء، حالة الطوارئ، لمواجهة تقدم «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى» نحو أديس أبابا، بعد يومين من مطالبته المواطنين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم!.

بعد فترة قصيرة من اختياره رئيسًا للوزراء، فى أبريل ٢٠١٨، قام أبى أحمد بحلّ الجبهة الديمقراطية الثورية -الائتلاف الحاكم السابق- وتأسيس حزب مركزى جديد، ما أدى إلى توترات سياسية واضطرابات عرقية، هدّدت وحدة الدولة الإثيوبية. ومبكرًا، أشار تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنترست»، إلى أن «سذاجته السياسية الواضحة» تسببت فى دفع إثيوبيا إلى حرب أهلية عرقية، وأكد أن النزعات الانفصالية والتعامل على أسس عرقية طغيا على أسلوب حكمه.

الاتصالات لا تزال مقطوعة فى تيجراى وغالبية الأقاليم الإثيوبية، والقيود المشددة المفروضة على الصحفيين مستمرة، ما يجعل التحقق من مجريات الأحداث شديد الصعوبة. لكن أودا تربى، المتحدث باسم «جيش تحرير أورومو»، أكد، لـ«وكالة الأنباء الفرنسية»، أمس الأربعاء، أن قواته حققت مكاسب ميدانية فى إقليمىّ أمهرة وأوروميا، اللذين يحيطان بأديس أبابا، وشدد على أن الإطاحة بحكومة أبى أحمد بات «أمرًا محتومًا»، مؤكدًا أنها «مسألة أشهر إن لم تكن أسابيع». وتصادف أن تكشف المفوضية «السامية» لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فى اليوم نفسه، عن نتائج تحقيق خلص إلى «احتمال وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها كل الأطراف». والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الحكومة الإثيوبية قامت منذ أسابيع بطرد عدد من كبار موظفى الأمم المتحدة، واتهمتهم بالتدخل فى شئونها الداخلية.

من جانبه، أو كعادته، أعرب أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، على قلقه العميق «إزاء تصاعد العنف فى إثيوبيا وإعلان حالة الطوارئ»، وقال، فى بيان، إن «استقرار إثيوبيا والمنطقة الأوسع على المحك»، وكرر دعوته إلى «الوقف الفورى للأعمال العدائية، ووصول المساعدات الإنسانية دون قيود، وإجراء حوار وطنى شامل لحل الأزمة». ومساء الثلاثاء، دعت السفارة الأمريكية فى أديس أبابا رعاياها إلى «الاستعداد لمغادرة البلاد». وقبلها، حذر الأستاذ جيفرى فيلتمان، المبعوث الأمريكى الخاص إلى القرن الإفريقى، «الجبهة» من التقدم نحو أديس أبابا أو محاصرتها، وحضها على إجراء محادثات بدلًا من ذلك!.

.. وتبقى الإشارة إلى أن جيتاتشيو رضا، المتحدث باسم «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى»، أكد أن إسقاط الحكومة الإثيوبية سيتبعه مباشرة تشكيل «حكومة مؤقتة» وإجراء «حوار وطنى، لن يُدعى إليه أبى أحمد ووزراؤه»، بل ستتم محاكمتهم