رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عين حمراء من الأرض الخضراء!

رؤساء وحكومات دول العالم، غادروا مدينة جلاسكو البريطانية، وعادوا إلى بلادهم، بعد مشاركتهم فى أعمال الدورة السادسة والعشرين لقمة الأمم المتحدة لتغير المناخ، COP٢٦، بينما تقترب الطبقة الجليدية فى «جرينلاند»، أكبر جزيرة فى العالم، من الوصول إلى نقطة اللاعودة، مع استمرار ذوبانها المتسارع، الذى قد يؤدى إلى اختفاء كثير من المدن الساحلية، أو تعريضها، على الأقل، لمزيد من الفيضانات. وفى الحالتين، سيتضرر ملايين البشر.

جزيرة «جرينلاند»، Greenland، أو «الأرض الخضراء»، تتمتع بالحكم الذاتى، فى إطار مملكة الدنمارك، وتبلع مساحتها ٢ مليون كيلومتر مربع، تغطى أكثر من نصفها طبقة جليدية، تحتوى على مياه تكفى، حال ذوبانها، لرفع مستوى سطح محيطات وبحار العالم بحوالى ستة أو سبعة أمتار. ومع أنها من أكثر أماكن الأرض، التى خضعت لدراسات وأبحاث علماء المناخ، إلا أن الدراسة، التى نشرت نتائجها مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز»، Nature Communications، أمس الأول الإثنين، هى الأولى، التى تستخدم بيانات الأقمار الصناعية للكشف عن معدلات ذوبان الجليد فى تلك الجزيرة. 

يعمل توماس سلاتر، المشرف على الدراسة، فى مركز المراقبة القطبية والنمذجة التابع لجامعة ليدز البريطانية، ويتوقع أن تتعرض جرينلاند، وأجزاء أخرى من العالم، لزيادة الظواهر الجوية المتطرفة، فى ظل الاحترار المناخى المطرد، من المنطقى أن يؤدى إلى ذوبان شديد للجليد فى كثير من الأحيان. والكلام نفسه، تقريبًا، أكدته دراسة أجراها علماء «وورلد ويذر أتريبيوشن»، وهى مبادرة تجمع خبراء من معاهد بحثية دولية مختلفة، سبق أن ربطت التغير المناخى بظاهرة «القبّة الحرارية» التى ألهبت كندا والغرب الأمريكى أواخر يونيو الماضى.

بيانات الأقمار الصناعية، التى قدمتها «وكالة الفضاء الأوروبية» سمحت للباحثين بتقدير كمية الجليد التى فقدتها جرينلاند بدقة، وربطها بمعدلات ارتفاع مستوى سطح البحر. وقال أمبر ليسون، أستاذ علوم البيانات البيئية بجامعة لانكستر البريطانية، المشارك فى الدراسة، إن «التقديرات تشير إلى أن الغطاء الجليدى فى جرينلاند سيسهم فى ارتفاع مستوى سطح المحيطات والبحار بما يتراوح بين ٣ سنتيمترات و٢٣ سنتيمترًا بحلول سنة ٢١٠٠». وطبيعى، أن تختلف التقديرات، باختلاف انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، وارتفاع درجات الحرارة. 

موجات الحر شكّلت بصورة متزايدة سببًا رئيسيًا لذوبان الجليد. وفى أغسطس الماضى، ارتفعت درجات الحرارة فى تلك الجزيرة فوق مستوى التجمد، للمرة الرابعة فى التاريخ، والثالثة منذ سنة ٢٠١٢، كما أدى هطول ٧ مليارات متر مكعب من مياه الأمطار، إلى ذوبان كميات من الجليد، فى منتصف أغسطس، تزيد بسبعة أضعاف على متوسط الفقد المعتاد. وفى الدراسة الأحدث، أظهرت بيانات «وكالة الفضاء الأوروبية» أن الغطاء الجليدى فقد ٣.٥ تريليون «ألف مليار» طن من الجليد منذ سنة ٢٠١١، وأن موجات الحر الشديدة خلال فصلى صيف ٢٠١٢ و٢٠١٩، كانت مسئولة عن ثلثها.

مع موجات الحر، وسقوط الأمطار الدافئة، ظهرت توقعات، تصورات أو تهديدات، بإمكانية إذابة الجليد بفعل فاعل. ونشرت مجلة «كوريير للصناعة العسكرية» الروسية، فى ديسمبر ٢٠١٨، مقالًا عنوانه «واشنطن فى مرمى تسونامى.. تدمير أمريكا ممكن» أكد فيه الخبير العسكرى تشورو توكيمبايف قدرة روسيا على إغراق شواطئ أمريكا، عبر استهداف أحد البراكين الأيسلندية: بركان «سنايفيلسيوكيودل» المتجمد، بصاروخ نووى، موضحًا أن تفجير الجيب النافذ للبركان، سيخلق ضغطًا مائيًا كبيرًا فى حوض بحر إيرمنجر، الذى يفصل بين جرينلاند وأيسلندا، وسيؤدى إلى حدوث كوارث ضخمة، قد تصل إلى إغراق العاصمة الأمريكية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن تسارع ذوبان الجليد فى النصف الجنوبى من الكرة الأرضية: القارة القطبية الجنوبية أو أنتاركتيكا، يمثل، هو الآخر، خطرًا حقيقيًا، بعد أن أظهرت دراسات عديدة أن معدلات الذوبان تضاعفت ثلاث مرات، خلال العقد الجارى، مقارنة بالعقدين الماضيين. وحيال ذلك، وحيال كل ما سبق، ليس أمامنا، وأمام العالم، غير انتظار ما ستنتهى إليه اجتماعات المفاوضين والوفود رفيعة المستوى، فى جلاسكو، المستمرة حتى ١٢ نوفمبر الجارى.