رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكونجرس.. والكلاب!

نواب فى الكونجرس الأمريكى طالبوا باستجواب أنتونى فاوتشى، كبير المستشارين الطبيين فى البيت الأبيض، مدير المعهد الوطنى للحساسية والأمراض المعدية، بشأن تمويل «تجارب وحشية» على الكلاب، أجراها «معهد باستور» التونسى، بعد أن كشفت منظمة «مخلّفات المعطف الأبيض»، «White Coat Waste»، عن وثائق تثبت أن المعهد دفع جزءًا من منحة قيمتها ٣٧٥ ألف دولار، خلال عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩، لإجراء تلك التجارب.

استخدام الحيوانات فى التجارب العلمية أمر شائع، خاصة فى التعليم والبحوث الطبية الحيوية، لكن منذ أواخر تسعينيات القرن الماضى وبداية القرن الجارى، بدأت تظهر قرارات، فى بعض الدول، تنظم هذا الأمر وتمنع إجراء التجارب على الحيوانات إلا فى حالات محددة، وبقيود وضوابط تفرض تقليل عدد الحيوانات المستخدمة وتخفيف الألم المحتمل أو تقليله. 

المهم، هو أن النواب الأمريكيين وجّهوا عددًا من الأسئلة إلى فاوتشى، ينتظرون الإجابة عنها قبل ١٩ نوفمبر المقبل، بشأن عدد الاختبارات التى أجريت، وسبب إجرائها، برغم أن إجراءات إدارة الغذاء والدواء «FDA» لا تتطلب اختبار العقاقير الجديدة على الكلاب. ولجريدة «ذا هيل»، The Hill، قالت منظمة «White Coat Waste» إن ٤٤ كلبًا تتراوح أعمارها بين ستة وثمانية أشهر، أزيلت أحبالها الصوتية لمنعها من النباح، قبل وضع رءوسها فى أقفاص شبكية مليئة بذباب الرمل الجائع حتى تأكلها حية، وصولًا إلى قتلها وتشريحها لمعرفة تأثير الدواء عليها.

فى المقابل، نفى هاشمى الوزير، مدير عام معهد باستور، قيام المعهد بإجراء أى تجارب على الدواء فى إطار هذا البرنامج الذى يتعاون فيه فريق بحثى من المعهد، منذ سنة ٢٠١٨، مع فرق بحثية أمريكية وبريطانية، لتطوير لقاح يوفر الحماية للكلاب من مرض اللشمانيا، الذى ينتقل إلى الإنسان. وفى تصريحات نقلتها «وكالة تونس إفريقيا» للأنباء، الخميس الماضى، أكد مدير المعهد أن الأبحاث حصلت على التراخيص اللازمة، ولم تلحق أى ضرر بصحة الكلاب، وأشار إلى أن «تصفية الحسابات بين أطراف أجنبية» قد تكون سببًا فى إطلاق هذه المزاعم!

اللشمانيا، Leishmania، من الأمراض الجلدية الطفيلية، التى يصاب بها الإنسان عن طريق لدغة ذبابة تُعرف بالحشرة الرملية، وتظهر الأعراض على المصابين، خلال فترة تتراوح بين شهرين وستة أشهر من حدوث العدوى: فقدان الوزن، بعض الالتهابات، الشعور بالوهن والضعف، تضخم الكبد أو الطحال، تورم الغدد الليمفاوية، و... و... وحمى قد تستمر لعدة أسابيع أو شهور. 

بهذا المرض، أصيب حوالى ثلاثة آلاف جندى أمريكى، شاركوا فى حرب الخليج، ما دفع معهد «والتر ريد» التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، إلى البحث عن علاج له. وفى مارس ٢٠١٦، تم توجيه أصابع الاتهام إلى المعهد التونسى نفسه: معهد باستور، الذى يضم مستشفى ومركز أبحاث طبية، باستغلال ٣٧٥ طفلًا تونسيًا، بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠١٤، ليكونوا «فئران تجارب» لعلاج إسرائيلى أنتجته شركة «تيفا» للصناعات الدوائية.

لاحقًا، ظهر فيلم وثائقى عنوانه «هل يصنع القتلة الدواء؟»، للمخرجة التونسية إيمان بن حسين، اتهم معهد باستور ووزارة الصحة وبعض المؤسسات الحكومية التونسية بأنها تعاونت مع وزارة الدفاع الأمريكية، فى إجراء تجارب لدواء إسرائيلى على أطفال من سيدى بوزيد وقفصة والقيروان. وتضمن الفيلم شهادات لمسئولين، سابقين وحاليين، من بينهم عفيف بن صالح، رئيس مخبر الوبائيات الطبية بمعهد باستور، وسمير بوبكر، رئيس لجنة الأخلاقيات الطبية، وعدد من وزراء الصحة، خلال الفترة، التى أجريت فيها تلك التجارب.

.. وتبقى الإشارة إلى أن نواب الكونجرس الأمريكى، الذين انتفضوا ضد تمويل «تجارب وحشية» على الكلاب، لم يلتفتوا إلى الاتهامات، التى وجهها الفيلم الوثائقى التونسى إلى «البنتاجون»، كما لم يلتفتوا إلى آلاف الوثائق ومئات التحقيقات والأفلام الوثائقية، التى كشفت عن تجارب أكثر وحشية، ولا أخلاقية، وغير قانونية، أجرتها شركات دواء أمريكية، بريطانية، إسرائيلية، و... و... ومتعددة الجنسيات، لاختبار عقاقير تجريبية، على شعوب دول العالم الثالث.