رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علي جمعة: يجب أن تكون العلاقة بينك وبين مخلوقات الله هي الرحمة والعمران

على جمعة
على جمعة

قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، “ترك لنا سيدنا رسول الله ﷺ حديثًا هو من جوامع الكلم، اختاره الْمُحَدِّثون لأن يحدثوا به في مجالسهم أول حديث، وكأنهم عرفوا منه أنه مفتاح لكل الإسلام، ولحياة المسلم، وقال رسول الله ﷺ في هذا الحديث -الذي سماه العلماء بحديث الأولية؛ لأنه أول ما يذكره الْمُحَدِّث، وهو ينقل عن سيد الخلق ﷺ لِمَنْ بعده من الطلاب والناس-: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا مَنْ في الأرض يرحمْكم مَنْ في السماء»،وفي رواية: «يرحمُكم مَنْ في السماء»، بضم الميم، سكونها يعني: أنك إذا ما امتثلت فرحمت مَنْ في الأرض، فإن الله سوف يرحمك، وإن لم تفعل، فليس لك عند الله عهد. ويقول رسول الله ﷺ: «مَنْ لا يَرْحم، لا يُرْحم»، والتي بالضم: «يرحمُكم مَنْ في السماء»، وكأنه ﷺ وهو منا مثل الوالد للولد، يدعو لنا بالرحمة على كل حال، في حال الفعل، وفي حال التقصير؛ حتى تكون عندنا الهمة، لأن نستحي من الله سبحانه وتعالى، وأن نرحم أنفسنا، وأن نرحم مَنْ في الأرض”.

وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية “فيس بوك”: “وفي قوله ﷺ: «ارحموا مَنْ في الأرض» حديث  عموم يشمل: المسلم، وغير المسلم، الفاسق، والعاصي، والفاجر، قبل التقي، ويشمل كل شيء، والنبي ﷺ يصف نفسه، ويقول: «إنما أنا رحمة مهداة»، فهدى الله هذه الرحمة للعالمين إلى يوم الدين؛ بل من لدن آدم إلى يوم الدين في الدنيا والآخرة، وكان ﷺ قد علمنا الرحمة بالجماد، وعلمنا الرحمة بالنبات، وعلمنا الرحمة بالحيوان، وعلمنا الرحمة بالإنسان، وهو في قمة الكائنات: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}”.

وأضاف: “علمنا أن هذا الكون يسبح، ويعبد ربه، ويسجد له، ويبكي ويفرح، وَيُحِب وَيُحَب، علمنا أن هذه الكائنات، وهذه الجمادات، فيها تفاعل، ويجب عليك أن تتفاعل معها، وأن تكون العلاقة بينك وبينها هي الرحمة والعمران، والتعمير لا التدمير، وكان رسول الله ﷺ يسبح الحصى في يديه، فتسمع الصحابة ذلك على سبيل المعجزة والآية. هو لا يبني خطابه للناس على هذا، ولكن كان في هذا تثبيتٌ لقلوب بعضهم، أن يستمعوا إلى الحصى وهو يسبح، {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. نعم؛ لأنه سبحانه وتعالى حليم بنا، ورءوف بنا، ستر عنا تسبيح الكائنات، وأخبرنا أنها تسبح، {وَلِلهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}. نعم، إنهم يسجدون، ويعبدون، ويسبحون، وكل ما في الأرض؛ من جن وإنس، من حجر ومدر، فارحم نفسك ولا تعارض الكون بما فيه؛ فقد سلم الكون أمره لله، فسلم أمرك لله، وسلم الكون عبادته لرب الخلق أجمعين، فافعل كذلك حتى تكون في نفس الاتجاه، وفي نفس التيار، وإلا كنت تسبح ضد هذا الكون في تسبيحه، وسجوده لرب العالمين، فلا ترحم نفسك، وكان ﷺ يخطب -فيما أخرجه البخاري- على جذع نخلة، فلما آتاه المنبر، حَنَّ هذا الجذع، وَأَنَّ أنينًا، حتى إنه أشفق عليه، فنزل من منبره الشريف في وقت خطبة الجمعة، وضمه إلى صدره، فسكن”.

وأوضح: يعلمنا بذلك أن هذا الكون ينبغي علينا أن نرحمه، وإن كنا لا نفقه تسبيحهم، أن هذا الكون يجب علينا أن نعمره {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي طلب منكم عمرها، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، وعلمنا أن نُعَمِّر وأن لا ندمر هذا الكون؛ ولذلك أمرنا بالنظافة، أمرنا بالطهارة، أمرنا بالوضوء، وبالاغتسال، وبتنظيف الأفنية، والإناء، فما الذي يحدث عندما نلقي بالقمامة في الطرقات؟ إننا نغضب الله سبحانه وتعالى، وفيما أخرجه الترمذي، عن سيد الخلق ﷺ: «إن الله نظيف يحب النظافة». يعني تخلقوا بأخلاق الله، واعبدوه بهذا التخلق، وارحموا الكائنات، وارحموا أنفسكم، وارحموا الكل، والنبي ﷺ فيما أخرجه البخاري، يقول: «أيما مسلم غرس غرسًا، فما من طائر، ولا بهيمة، ولا إنسان، يأكل منه، إِلَّا كُتِبَ له به أجرًا». عَمَّرَ الدنيا، ويقول: «إذا كان بيد أحدكم فسيلة، وجاءته الساعة فليزرعها». لأن في زراعتها، معنًى كبيرًا، ينبغي أن نلتفت إليه، وهو أننا نفعل هذا لوجه الله تعالى.