رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر في «شبابيك» منير

جريدة الدستور

هذه أغنية لكل من حاول سرقة عمره من أحزانه وفشل.. لكل من بحث عن مكانه «ورا الشبابيك» فأيقن أنه يطارد خيط دخان.. مجرد ظمآن سعى وراء «سراب بقيعة» يحسبه ماءً، فلما جاءه لم يجده شيئاً.
هذه أغنيةُ كلِ من باعَ عُمرَه، ثم خسره في انتظار «الربيع».. كان يعتقد أن الصبر ذو فائدة، لكنه أدرك في نهاية القصة أنه كلما صبر نفدت السنين، فلا «ربيع» نال ولا عمراً عاش، وكل من انتظرهم كفروا بالصبر وازدادوا كفراً.
سواء كان صحيحاً أن الشاعر الكبير مجدي نجيب كتب كلمات هذه الأغنية في المعتقل، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، أم لا يعدو الأمر خيالَ شاعرِ، المؤكد أنها تحولت إلى ما يشبه «الصندوق الأسود» لذكريات المصريين..
هذا طبيب كان يسمعها وهو يذاكر للثانوية العامة.
هذا مهندس هانت عليه صعوبات الغربة بفضلها.
وذاك بقال كلما سمع «منير» يشدو بها تذكر جاره في التجارة، الذي كان «يستفتح» يومه معه كل يوم برش المياه أمام محليهما، وفي الخلفية تنساب أغنية «شبابيك» من «المسجل البانوسونيك»..
أغلق البقال محله.. ومات الجار وباع أولاده المحل المجاور.. وتعطل «المسجل».. لكن كل تلك الذكريات بقيت ويحكيها من عاشوها.. هؤلاء الذين جعلوا من «شبابيك» أغنية تجسد «سيرةَ» وأعمارَ المصريين وأشقائَهم العرب.
شبابيك الدنيا كلها شبابيك
والسهر والحكاية والحواديت
كلها دايرة عليك


بهجة العيد

 في إحدى ليالي شتاء بداية الألفية الجديدة، توجه محمود الشريف إلى «مقهى إنترنت» يعمل به صديقه الأقرب، في منطقة المطرية بالقاهرة.... في خلفية المشهد كانت تنساب نغمات أغنية: «يا ليلة العيد... آنستينا»... فالليلة هي وقفة عيد الأضحى.
«فاكر الليلة دي زي ما تكون النهارده.. الدنيا وقتها كانت برد جداً.. ومن ساعتها و(شبابيك) هي أغنيتي المفضلة».. يتذكر «الشريف» في حديثه مع «الدستور» هذه الليلة.
ويضيف : «كان لي صديق في منطقتي نتشارك سوياً حُب منير وتحليل أغنياته. ذهبت إليه في هذه الليلة، داخل مقهي الإنترنت الذي يعمل به، وهناك جلسنا نتحدث وجاءت سيرة  منير كالعادة»:
سمعت أغنية «شبابيك»؟
لا... شغلهالي.
يصف «الشريف» ما حدث له عند سماع «شبابيك» للمرة الأولى: «فضلت أشغل الأغنية وأعيدها.. كل ما تخلص أعيدها تاني، وأنا لا أصدق أن هذه الرائعة كانت متوارية عني، وأني أسمعها للمرة الأولي وأنا (المنيري المتمرس)!».
ويتابع: «شعرت كأنما (شبابيك) هي بهجة العيد والعيدية، وقعت في غرام لحنها الرشيق البديع التفاؤلي أولاً، ثم كلماتها المعبرة المليئة بالأمل على الرغم مما فيها من حزن !».
والكلام كم كان عليك
واللي كان خايف عليك انتهى من بين إيديك
دي عينيك شبابيك.. والدنيا كلها شبابيك


Die Fenster


من المطرية إلى أحد أحياء العاصمة الألمانية برلين، حيث يعيش آدم إبراهيم رفقة عائلته «المصرية- الألمانية»، بعد أن غادر مصر إلى المدينة العريقة في 2003.
المزاج الغنائي لـ«آدم» لم تُشبعه فرقة «Rosenstolz»، ولا قوة صوت «Peter Maffay» و«Peter Schilling»، وغيرهم الكثير، بل وجد ضالته ونافذته إلى الغناء والوطن في أغنية «شبابيك».
يقول المصري الألماني متذكراً فضل «شبابيك» عليه في الغربة، خاصة خلال أيامه الأولى التي ذاق فيها مرارة العيش حتى شبع: «محمد منير بأغنيته دي هو اللي هون عليا أيام الغربة الصعبة. الأغنيه دي أنا سمعتها أكتر من 100 مليون مرة في حياتي!».
ابن محافظة القاهرة كانت له طريقة خاصة في استخدام أغنية «منير» هذه لتخفيف أوجاع الغربة «كان عندي مشغل أسطوانات بشغل عليه أغنية (شبابيك) قبل ما أنام. بوطيها خالص وبعدين أنام. كمان كنت بخليها تعيد تشغيل نفسها، بحيث لما أقلق في الليل اسمعها شغالة في الخلفية».
ويضيف: «فضلت أعمل كده سنين كتيرة ورا بعض. مرت الأيام وتحسن وضعي هنا في ألمانيا حتى تزوجت وكونت عائلة، وطوال هذه المدة كانت (شبابيك) بتسهل عليا آلام الغربة، ومعايا في وقت الفرح والحزن،.. أقدر أقول بكل بساطة: الأغنيه دي فعلا هي خلفية حياتي».
«آدم» يعتبر «شبابيك» من «أعظم الأغاني التي سمعها طوال عمره»، ويفسر كل هذا الحب والافتتان بقوله: «كلماتها سحرية ولحنها عظيم، إلى جانب أداء الكينج محمد منير، الذي اعتبره ثاني أفضل مطرب مصري في التاريخ بعد عبد الحليم حافظ».
لذا لم يكن من الغريب أن يورث كل هذا الحب لابنته، على الرغم من عدم معرفتها بأي كلمة في اللغة العربية: «بنتي الصغيرة مابتعرفش تتكلم عربي، بس هي بتعرف أغنية (شبابيك) وبتعرف تغنيها كمان، مع أنها مش فاهمة حاجة من كلماتها. لما بتسمعها شغالة بتلاقيها بتقول تلقائي (Die Fenster).. التي تعني (شباك) أو (شبابيك) بالألمانية».
ويتذكر «آدم» تفاصيل لقاء جمعه بـ «الكينج» محمد منير، عندما كان يعمل «ويتر» في أحد الفنادق الشهيرة بالقاهرة، خلال فترة دراسته الجامعية،: «فجأة ألاقي منير قاعد علي الترابيزة قدامي.. قلتله: (تحب حضرتك تشرب إيه يا كنج؟).. وبكل تواضع طلب اللي هو عايزه، ومكنش بيقولي إلا (حبيبي)».
بعدها سأل «آدم» صوت مصر: «يا كنج أنا عندي سؤال بس بجد!.. هيا فعلا الدنيا كلها شبابيك؟؟»، فرد «منير»: «الدنيا كلها شبابيك. بس أما شباك بيتقفل بيتفتح بعديها شباك تاني. هي دي الدنيا»، ثم ضحك ونظر إليه وقال: «امشي شوف شغللك وخليني اشتغل أنا كمان !».
سرقت عمرى من أحزاني
سرقته لكن ماجانى
ولا حد شاف فين مكانى 
ورا الشبابيك


إسكندرية- لندن


«إسكندرية- لندن» وليست «نيويورك» هذه المرة.
بين هاتين المدينتين كُتبت قصة الدكتور أحمد عبد الهادي مع أغنية «شبابيك». وعلى الرغم مما بينهما من تباين كبير، ففي الغربية يسكن الضباب، بينما تسكن الحياة في ماريتنا الساحرة، لم يختلف تأثر «عبد الهادي» بتلك الأغنية.
فسواء في شوارع سموحة أو على «جسر لندن»، لا تحلو «التمشية» إلا على أنغام أغنية «شبابيك»، وفق «عبد الهادي»، الذي يعمل جراح تجميل بإحدى المستشفيات الواقعة في وسط لندن.
يقول جراح التجميل السكندري: « الأغنية دي بحبها عشان بتفكرني بالإسكندرية، ولما سافرت لندن واشتغلت بره بسمعها برضه، لأنها بتفكرني بالوقت اللي كنت  بسمعها فيه هناك. كل الحاجات الحلوة والوحشة بتعدي عليا وأنا بسمعها، خاصة مع كلامها المميز جداً، واللي كل مرة بتسمعه وتستقبله بطريقة مختلفة على حسب الحالة اللي أنت فيها».
ويضيف ضاحكاً عن الذكرى التي تنتابه فور سماع «شبابيك»، خلال وجوده حالياً في لندن: «أول حاجة بفتكرها هو التمشية في سموحة بلا هدف»، مشيراً إلى أن تعلقه بهذه الأغنية لم يختلف في لندن عما كان في الإسكندرية، على الرغم من كل هذه المسافة والاختلافات بين «عروس الأبيض المتوسط» حيث لا ينام أحد، و«مدينة الضباب» حيث يوجد شعب «المعاملة الإنجليزي»، خاصة مع وجود مكان يشبه الإسكندرية قريب من «جسر لندن».
غيرت ياما كتير أحوالي
وأنا كنت عاشق وكان يحلالي
أحب بس يكون حلالي
ورا الشبابيك


عندما يأتي المساء


لم تفتن تلك الأغنية - التي أوتت شطر الحزن - المصريين فحسب، بل تفاعل معها كل أبناء العرب، خاصة الذين تركت أجسادهم أوطانهم وبقيت قلوبهم هناك.
من بين هؤلاء العراقي سنان جون، الذي غادر «بلاد الرافدين» بتذكرة ذهاب بلا عودة، منذ عام 1984، متوجهاً إلى السويد حيث يقيم حتى الآن، وعندما بلغ السادسة من عمره استمع إلى «شبابيك»، فلم ينسها منذ هذه اللحظة إلى وقتنا الحالي.
يقول «سنان» الذي يعمل «شيف» في مطعم فرنسي: «استمعت إلى أغنية شبابيك في بداية الثمانينات، وكان عمري وقتها 6 سنوات. اليوم عمري 46 سنة وما زلت أسمعها، لأنها تعطيك أملاً في كل شيء، وتذكرك بكل حاجة حلوة مرقت (مرت) بحياتك».
ويكشف عن أول مرة استمع فيها إلى «شبابيك» فيقول إنها كانت في برنامج «عندما يأتي المساء»، من تقديم حكمت وهبي، مضيفًا: «البرنامج دة بالذات كان محبباً للكل، وكان يُذاع في بلدي العراق، وفي يوم من الأيام استضافوا محمد منير، فبدأ في أداء بعض الأغاني ومنها (شبابيك)». 
ويضيف: «منذ هذه اللحظة أصبحت من أجمل الأغاني التي سمعتها وأثرها بقى في ذهني. السنين مرت الواحدة تلو الأخر وبقت هذه الأغنية عالقة برأسي، رغم خروجي من العراق منذ 1984 وعدم عودتي إليه مرة أخرى، ونشأتي في أحضان الغربة».
ويشير إلى أن «شبابيك» تُذكره تحديداً بأيام الصيف، تحديداً النزول إلى «المسبح» في الأيام الحارة، كما أنها تذكره بأصدقاء الطفولة، وأهم من كل ذلك تُذكره بالأمل، متابعاً: «تحس نفسك مرتاح نفسياً أنت وبتسمعها، لأنها بتذكرك بالأيام الحلوة».
أنا بعت الدموع والعمر
طرحت جناينى فى الربيع الصبر
وقولت أنا عاشق سقونى كتير المر
ورا الشبابيك