رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الحبة القاتلة».. تحفظ المحاصيل من التسوس وينتحر بها الشباب

حبوب الغلال القاتلة
حبوب الغلال القاتلة

 

أقدم يوسف جمال على الانتحار بعد مروره بأزمة نفسية حادة، لم يقوى على تجاوزها، فلم يجد أمامه من الحلول سوى التخلص من حياته بحبوب الغلال،  التي تستخدم في حفظ المحاصيل الزراعية والتي سبق وصدرت تحذيرات كثيرة بشأنها.

 

واجه "يوسف" عوائق كثيرة في حياته العملية والشخصية، بحسب ما يروى أحمد علي، صديقه،  كان يعاني من ضغوط مديريه، إضافة إلى بعض المشاكل في حياته الشخصية لبضيق حالته الاقتصادية وغيرها المشاكل التي تواجه فئة كبيرة حاليًا.

 

وحسب رواية الصديق، لم يتحمل "يوسف" كل تلك التراكمات، ووقف عاجزًا أمامها ويائسًا لمواجهة الحياة، انتهى به الحال وهو منتحرًا باستخدام حبوب الغلة.

 

ما هي حبة الغلة؟

 

حبوب الغلال تبدو على هيئة أقراص وتُستخدم كمبيد حشري، من أجل حفظ الغلال من التسوس، وهي شديدة الخطورة على الإنسان عند لمسها أو استنشاقها أو تناولها.

 

مُدون على عبوة حبوب الغلال أنها من مادة عالية السمية، كما أنها موجودة في 18 منتجًا بأسماء تجارية مختلفة، إلا أن تركيبها واستخدامها واحد في حفظ الغلال والحبوب.

 

تحتوي  حبة الغلة على نسبة كبيرة من مادة "زينك فوسفيد"، مسجلة بـ 3 أسماء تجارية لها نفس تركيب حبة الغلة، وهي يكوفيوم %100 غاز تبخير ومسجل تحت رقم 1463، مبيد فوسفيد زنك النصر ومسجل تحت رقم 102، مبيد راتول ومسجل تحت رقم 1456.

 

تنهي حياة طفلة هروبا من "الديون"

 

بعد ساعات قليلة من أذان المغرب، استقبل مستشفى حكومي في إحدى قرى المنوفية، في الرابع من مايو الجاري فتاة تدعى"إ.ن.م"، تبلغ من العمر 15 عشر عاما، برقة زويها في محاولة لإنقاذها بعد أن قررت التخلص من حياتها بتناول حبة غلة.

 

دقت الساعة السادسة والنصف، وأذنت المساجد لصلاة المغرب، في كافة أنحاء القرية التابعة لمحافظة المنوفية، معلنة إنتهاء ساعات الصيام، لتكسر الفتاة الصغيرة صيامها على حبة تخزين الغلة التي تدسها الأسرة بعيدًا عن متناول الصغار، لما تحتويه من سم قاتل.

 

كانت "إ.ن.م"، قد شاركت عدد من صديقتها بالمدرسة في "جمعية" قامت هي بالإشراف عليها وجمع أموالها، وقبل اليوم المشهود بأسبوع اختفى المبلغ الذي هو بحسب أحد جيرانها أربعة ألاف جنيه، وهو رقم كبير بالنسبة لمن هم في سنها وقريتها، أمهلتها صديقتها مدة أسبوع لإعادة المبلغ أو إخبار أهلها، فماكان منها عندما انتهت المدة إلا أن تناولت الحبة للتخلص من هذا الحمل الثقيل.

 

تقول شاهدة عيان أن الأم لم تستطيع تحديد ماإذا كانت الفتاة تريد الموت على وجه التحديد أم أنها أردات الحصول على بعض مظاهر الإعياء أثناء الاعتراف بضياع المبلغ منها تجنبًا لعقاب سأهلها، ما يرجح حقيقة ذلك أنها ما إن وجدت نفسها في حالة إعياء شديدة اعترفت لوالدتها التي اصطحبها إلى المستشفى على الفور ولكن دون جدوى، فقد فارقت "إ.ن.م" الحياة.

 

فتاة تنتحر بحبوب الغلة

 

ومن المنوفية إلى أسيوط وبالتحديد قرية الوعاضلة التابعة لمركز صدفا، تواصلت "الدستور"، مع "محمود.ب"، شاب في منتصف العشرينات يسكن بالقرب من منزل "ي.أ.س"، الفتاة التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر سنة، كان لتوه وصل من القاهرة إلى قريته في أول إبريل الماضي؛ ليسمع بنبأ وفاة الفتاة الصغيرة التي تتجاوز مرحلة الإعداية بعد.

 

الغموض المحيط بهذا الحادث دفع محمود للسؤال، لماذا تنتحر طفلة في هذا العمر، وماهي الوسيلة التي اختارتها لإنهاء حياتها.

 

المعلومات حول الفتاة أخذت تنتشر كالنار في الهشيم لفجاجة الحادثة وقربها من الجميع، فهم ليسوا من أبناء المدن الذين تنتهي بين جدران منزلهم الحدث في لحظته، لكن وجودهم في القرية جعل من السهل على الشباب العشريني، أن يعرف أن هذه ليست المرة الأولى التي حاولت فيها الفتاة الصغيرة الانتحار، وإنما هي الثالثة، ولكن اختلفت الوسيلة، ففي المرتين السابقتين استخدمت أقراص لوالدتها لم تبلغ بهم الموت فكانوا ينقظونها في كل مرة عن طريق غسيل المعدة.

 

وفي المرة الأخيرة تناولت حبات الغلة التي وصلت إلى منزلهم للتو، استعداد لموسم الغلة وللتخلص من الحشرات السامة، فما كان من الفتاة التي تمر بأزمة نفسية بحسب رواية الشاب، أن تناولت حبة من تلك الحبوب المخصصة للغلة وفارقت الحياة على الفور.

 

أعلن مركز علاج التسمم والإدمان بمستشفيات جامعة المنوفية في بيان رسمي أنه استقبل 24 حالة تسمم بتناول حبة الغلة السامة خلال شهر فبراير (13 إناثاً و11 ذكوراً) من مراكز المحافظة. وطبقاً للمركز، فإن 116 حالة توفوا خلال العام 2019 بسبب حبة الغلة التي تحتوي على 3 أضعاف الجرعة المميتة من فوسفيد الألمنيوم.

 

نقيب الفلاحين: تقنين بيع المبيدات الحشرية

 

حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، أوضح أن حبوب الغلال الاسم العلمي لها "الألومنيوم فوسفيد"، والهدف من استخدام تلك الحبوب ما هو إلا لحفظ المحاصيل الزراعية من التلف والتسوس لاسيما  القمح، فهي تحتوى على مواد كيميائية منها الـ "فوسفيد زنك" التي تستخدم لحفظ أطنان من المحاصيل الزراعية.

 

وأكد "أبو صدام" أن تلك الحبوب تعمل عل المبيد الحشري وهي بالفعل مسجلة في وزارة الزراعة كأحد أنواع المبيدات الحشرية، وغير محظور استخدامها في مصر لحفظ الغلال والمحاصيل.

 

وطالب نقيب الفلاحين بتقنين بيع المبيدات الحشرية التي تستخدم في الزراعة لكونها تحتوي على مواد سامة، مشيرًا إلى أنه من الأفضل أن عدم الاعتاد على المبيدات الحشرية في حفظ الغلال ويرجح استخدام الطرق الأخرى غير الضارة مثل التبخير، أما في حال استخدام المبيدات فلابد من توافر الأمصال المضادة لأي مبيد سام يجري استخدامه.

 

استشاري علاج السموم: شديدة السُمية ويجب حظر بيعها

 

قال طارق عبدالفتاح، استشاري علاج السموم، إن هذه الحبوب تستخدم لحفظ القمح من التسوس أثناء تخزينه، وأصبح وسيلة الانتحار السهله والمفضلة تحديدًا بالريف المصرى ويرجع ذلك لتوفره في معظم البيوت الرفية، بالإضافة إلى معرفة المنتحر المسبقه بجدواها وسرعتها في الإنتحار من خلال المحيط الخاص به.

 

وأضاف عبدالفتاح، لـ"الدستور" أن قرص الغلة يتكون كيميائياً من فوسفيد الألمونيوم، وتعزى سمية فوسفيد الألمونيوم إلى تحرير غاز الفوسفين الذى ينطلق عندما يتفاعل فوسفيد الألمونيوم مع الماء فى الجسم الذى يسبب تآكلاً مباشراً للأنسجة ويثبط الإنزيمات الخلوية، عادة ما تظهر أعراض التسمم فى غضون دقائق، كما أن النجاة منه أمر شبه مستحيل، فحالات قليلة جدًا التي استطاع أصحابها العودة إلى الحياة مرة أخرى بعد تناولها.

 

 وأكد استشاري علاج السموم، أن السبب الرئيسى فى الوفاة هو انهيار الدورة الدموية والتى تؤدى إلى التأثيرات المباشرة على عضلة القلب بالإضافة إلى فقدان السوائل، تلف الغدة الكظرية، وحموضة الدم مما يتسبب فى حدوث صدمة شديدة والتهاب عضلة القلب، ومتلازمة الاختلال العضوى المتعدد.

 

وشدد، على ضرورة قيام الدولة بحظر بيع هذه الحبوب التي تؤدي إلى فقدان عدد كبير من الشباب والفتيات والأطفال في لحظات ضعف أو قلة خبرة لمن تناولها عن طريق الخطأ، وأن تقدم الدولة حلولًا أخرى للحفاظ على الغلة من التسوس خاصة وأن هذه الحبوب غير مستخدمة في أي من دول العالم إلا في مصر، ويستخدمون وسائل أخرى يمكن أن نستعين بها، تكون بديلًا للحبوب القاتلة.

 

الزراعة: دورات تدريبية للتوعية 

 

الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، أوضح أن خطر المبيدات الحشرية يكمن في الاستخدام الخاطئ له من قبل الأشخاص، فالأمر ليس مقتصرًا فقط على حبوب الغلال القاتلة وإنما جميع المبيدات الحشرية التي تستخدم لحفظ الغلات والمحاصيل الزراعية لابد من توخي الحذر اثناء استخدامها حتى لا يقع اي ضرر على الأشخاص.

 

وتنظم مديريات الزراعة ندوات ودورات تدريبية حول الاستخدام الأمثل وطرق التعامل مع المبيدات الحشرية، عن حلول الوزارة في مواجهة استخدام حبة الغلة في الانتحار، بالإضافة إلى التوعية بشأن خطورة تلك المبيدات وكيفية استخدامها لحفظ الغلال فقط.