رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«معايرة تفضي إلى الموت».. كلمات أسرية «قتلت» طلاب الثانوية

طلاب الثانوية العامة
طلاب الثانوية العامة

"انت فاشل.. شوف صاحبك جايب كام-  هانودي وشنا من الناس فين- ياخسارة تعبنا"، كلمات وعلى شاكلاتها تعد "طلقات رصاص" يوجهها آهالي طلاب الثانوية العامة لأبنائهم بعد ظهور نتيجتهم في حال حصلواعلى درجات متواضعة ومنخفضة لا ترضيهم، ليصاب هؤلاء الأبناء بـ"القتل المعنوي" من خلال دخولهم في حالات اكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، أو قد يصل الأمر إلى القتل الحقيقي لهم عندما تدفعهم إلى التخلص من حياتهم بالانتحار نتيجة شعورهم بالذنب وجلد الذات الذي أوصلهم إياه ذويهم بسبب عدم حصولهم على مجموع مرتفع.

من المعتاد أنه بهذا اليوم إما أن ينعم الأبناء برضا الآباء والأقارب والجيران وتسمع كلمات الفخر بأبنائهم مع "الزغاريد" مع حصولهم على الدرجات النهائية التي تؤهلهم لدخول كليات القمة، وإما أن يصب عليهم غضب كبير إذا حصّلوا درجات متواضعة أو حتى أقل من النهائية، بسبب الثقافة السائدة حول كليات القمة التي تصنع ممن حصّلوا الدرجات النهائية أبطالًا عظماء وممن حصلوا درجات متواضعة "وصمة" يتجاهلها الجميع لأنها تشعرهم بالخزي.

أصبح مجموع الثانوية العامة الضئيل هو القاتل الحقيقي لصاحبه خاصة بعد التعرض للوم و"عبارات الخزي القاتلة" من أهله ومن حوله، أو آخر تخلى عنه ذويه وتركوه دون دعم أو مساندة في تلك اللحظات الصعبة، فجالت خواطر الفشل الأبدي والخذلان بذهنه ما دفعه للانتحار.

"سميرة" من مدينة سرس الليان بالمنوفية، طالبة بالصف الثالث الثانوي، ألقت بنفسها من الطابق السادس بعد حصولها على مجموع منخفض في الثانوية العامة، وتوفيت فى الحال.

كما أقدمت (دينا .و.ع) من قرية كفر الخضرة بمركز الباجور بالمنوفية أيضا على الانتحار، بتناول كمية من الأدوية، أسفر عن إصابتها بحالة تسمم، وتم نقلها فى الحال لمستشفى سرس الليان لتلقي العلاج، وجار نقلها لمركز السموم بمستشفى الجامعة.

وأيضًا شنق طالب في المرحلة الثانوية بمركز أبوتشت شمالي محافظة قنا نفسه منتحرًا، بعد ساعات قليلة من ظهور نتيجة الثانوية العامة، وتبين انتحار "عبد الله. ع. ع، 18 عاما"، طالب في الثانوية العامة، شنقًا في سقف المنزل.

طبيب نفسي: التوبيخ وعبارات اللوم تدفع إلى اليأس وهو ثاني أسباب الانتحار 

الدكتور هشام ماجد، استشاري علم النفس، يوضح لـ"الدستور" أن ما يفعله بعض الآباء من جلد لأبنائهم عقب ظهور أي نتيجة لامتحانات الدراسة وخاصة نتيجة امتحانات الثانوية العامة، يعد أمرًا خطيرًا للغاية ويؤثر على الطلبة تأثيرًا سلبيًا للغاية قد يجعل معه آبائهم أنفسهم يدفعون ثمنًا غاليًا ندمًا على ما ألحقوه بأبنائهم من ضرر نتيجة تلك الدرجات المفقودة، فهو يدخل الأبناء في حالة اكتئاب شديد وجلد للذات ويأسً من المستقبل إلى الدرجة التي قد يصلوا فيها الأبناء إلى الانتحار، موضحًا أن اليأس هو ثاني دوافع الانتحار بعد إدمان المخدرات.

وتابع هشام، أنه يجب في البداية أن يدرك الآباء أن النجاح والفشل هو أمرٍ في الغالب ليس انفراديًا أي أنهم قد شركاء أساسيين في تلك النتيجة المنخفضة التي حصل عليها ابنهم، فنتيجة الطالب ومستواه مرتبط بعدة عوامل منها الظروف الأسرية المحيطة به والعوامل النفسية وكذلك الصحية، مشيرًا إلى ما يعيشه العالم من أوقات في ظل جائحة كورونا وتأثيرها السلبي على الجميع، ويؤكد أن كل هذه العوامل لابد من وضعها في الاعتبار والبدء في البحث وراء الأسباب التي أدت لانخفاض مستوى الطالب التعليمي ومراجعة الحسابات دون إلقاء اللوم على الطالب وإشعارهم بالخزي.

وفي الوقت نفسه، نصح الخبير النفسي الآهالي بضرورة البحث في أبنائهم عن ذكاء في أشياء أخرى وليس على المستوى الدراسي والتحصيل العلمي فقط، موضحًا أن هناك الكثير من أنواع الذكاء الفني من خلال المواهب المتعددة سواء في الغناء أو التمثيل أو الرسم وغيرها، وكذلك هناك الذكاء الرياضي الذي قد ينتج عنه يومًا من الأيام إنتاج رياضيين محترفين يشرفون اسم أوطانهم بالعالم، وهنا ضرب المثل بأسطورة كرة القدم الكابتن محمد صلاح، وهنا أكد الخبير النفسي على ضرورة اهتمام الدولة بتعليم الفنون المختلفة، وكذلك التعليم الحرفي للتأكيد على أن دخول الكليات وكذلك القمة منها ليس أبدًا هو الغاية، وبالتالي عدمه هو ليس بانتهاء للحياة.

الشيخ عبد الحميد الأطرش: لابد من الإيمان بالقضاء والقدر وليس المجموع المرتفع

 
كذلك أكد الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بدار الإفتاء لـ"الدستور"، أنه ينبغي على الآهالي أن يدركوا تمامًا أن حدوث كل شيء يدخل تحت إطار "القضاء والقدر" حتى ولو كان له بعض الأسباب، كما عليهم كذلك أن يعلموا أن الناس يختلفون في قدراتهم الاستيعابية، وهذا أمر لا يعيبهم على الإطلاق، موضحًا أن قد يكون حصول الطالب على مجموع منخفض يمثل حكمة لتأهيلة لشيئ أخر قد يكون أكثر خيرًا له مما كان يحلم في حال حصل على مجموع كبير. 

وأضاف الأطرش أنه هنا لا يشجع الطلبة والأهالي على الاستهانة بالدراسة ونتائجها، ولكن هو يوضح فقط أن على الأبناء والآباء اتباع الأسباب لنيل التفوق الدراسي، ثم الرضا بقضاء الله وقدره بعد ذلك أيًا كانت النتيجة حتى لا يتسبب غير ذلك في غضب الآهالي وضغطهم على الأبناء وكذلك حتى لا يسبب ذلك الأمر للأبناء، في حدوث حالات اكتئاب وجلد للذات مؤكدًا أن الله رحيم بعباده وأن التفوق الدراسي ليس هو من بين علامات الرضا والقبول.

أولياء الأمور: العيلة كلها "دكاترة" ومش عايزين نتحرج

تواصلت"الدستور"مع بعض أولياء أمور طلبة الثانوية العامة لتفسير الضغط على الطلبة للمذاكرة في الثانوية ثم إلقاء اللوم وسيل التوبيخ عليهم في حال ظهرت النتيجة غير مرضية، وقالت منى أحمد، والدة طالب، إن العائلة جميعها متفوقة دراسيًا وأغلبهم قد التحقوا بكليات للقمة مثل الطب والهندسة، لذا هي تسعى أن يلتحق أبنائها الاثنين بكليات القمة هم أيضًا، لكي لا يُحرجون يومًا من أقربائهم ويشعرون أنهم أقل منهم مكانة.

كذلك قالت أميرة عبد المقصود، إنها  تشجع حفيدها دائمًا على دخوله كلية الطب ليصبح امتدادًا لمشوار والده الطبيب الذي سعيت له كذلك يومًا أن يكون من أبناء كليات القمة وقد كان. ‏

‏ويروى أحمد عبد الله 50 عامًا، أنه كان يملك طموحًا لدخول كليات القمة، لكن ظروف عائلته الاقتصادية لم تكن جيدة واضطر حينها للعمل في سن مبكر ورزقه الله من فضله فأنفق على نجله الوحيد ووفر له كل مقتضيات التعليم ليصبح طبيبًا، على أمل أن يصبح طبيب ليعوض خذلانه في تحقيق رغبته من سنوات.