رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مقبرة الإمبراطوريات».. 3 قوى عظمى سقطت فى «الفخ الأفغانى»

انسحاب القوات الأمريكية
انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان

"مقبرة الإمبراطوريات".. لقب ارتبط بشكل مباشر بـ"أفغانستان" التي شهد تاريخها فشل كبرى الإمبراطوريات في العالم في فرض السيطرة الكاملة عليها، فلا يمر عقد أو عقدين إلا وتختار الدول العظمى الهروب من الفخ الأفغاني، منذ أكثر من قرنين يشهد الأفغانيون على دخول مفاجئ وعنيف لكبرى الإمبراطوريات والقوى العظمى، ومن ثم يخرجون بعد خسائر هائلة في الأموال والأرواح دون جدوى أو تغيير حقيقي وهو ما ظهر واضحًا في سرعة استعادة تنظيم "طالبان" الأراضي الأفغانية حتى قبل أن تخرج القوات الغربية بالكامل.

 

بريطانيا.. أولى الخاسرين 

بداية رواية أفغانستان مع القوى العظمى كانت في عام 1839، بعد الاحتلال البريطاني لذلك البلد العنيد، بريطانيا كانت - وقتها - القوى العظمى الأبرز في العام واستحقت عن جدارة لقبها "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، فكانت أفغانستان البوابة المناسبة لبريطانيا العظمى لفرد سيطرتها على الهند، وكما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية، شرع المحتل البريطاني في تجهيز قرابة الـ 60 ألف جندي ومئات الآلاف من الأطنان من الذخيرة والمؤن والمعدات لتمهد الطريق في أفغانستان لتعبر إلى الهند.

بريطانيا كانت تعتقد أن وضع قدمها في أفغانستان أمرًا بسيطًا ولن تستغرق إلا بضعة شهور لفرض سيطرتها، إلا أنها لم تقدر القبائل الأفغانية حق قدرها، فالقبائل انتفضت ضد الاحتلال وأجبرت القوى البريطانية العظمى على الانسحاب بشكل مهين خلال 3 أعوام فقط، ففي عام 1842 والذي سمي بـ"الشتاء المٌهين" انسحبت بريطانيا من أفغانستان.

ويتجمع فلول الجيش البريطاني وأعوانهم من الجنود الأوروبيين والهنود في كابول ويحاولون الفرار، وفي الوقت نفسه كانت القبائل الأفغانية تذبح من سقط في يدها من جنود الاحتلال داخل متاهات الجبال المميتة.

 

السوفيت.. 10 سنوات من النزيف المستمر

بعد خروج المحتل البريطاني، أتضح لكثير من القوى أهمية الموقع الجغرافي لأفغانستان، أبرز القوى كان الاتحاد السوفيتي الذي تعلم من الدرس القاسي الذي تلقته القوات البريطانية، فبدأ أطماعه بالسيطرة على القوة الحاكمة في أفغانستان وسعى لتثبيت حكم الملك أمان الله خان.

ومرت سنوات عديدة فرض فيها الاتحاد السوفيتي سيطرته على الأراضي الأفغانية دون الدخول في صدام مباشر، إلا أن الهجمات المتتالية التي تعرض لها النظام الشيوعي الحاكم في كابول دفعت الاتحاد السوفيتي للتدخل في أواخر السبعينيات لرعاية حليفه.

ونجحت القوات السوفيتية الهائلة في الدخول للأراضي الأفغانية وفرضت سيطرتها الكاملة في البدايات فقط، ليستمر الاحتلال السوفيتي 10 سنوات ذاق فيها الأمرين، فالمعارضين للتواجد الشيوعي لم يتوقفوا عن الهجوم على القوات السوفيتية وإلحاق الخسائر بها، وتحت مسمى الجهاد الأفغاني وبدعم من عديد من الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية زادت خسائر الاتحاد السوفيتي.

وعانى الشعب الأفغاني من الاحتلال السوفيتي أشد المعاناة حيث استخدم السوفيت العنف الشديد لمحاولة وأد المقاومة الأفغانية متسببًا في سقوط مليون ونصف المليون مواطن أفغاني، إلا أن الضربات لم تتوقف وسقط خلالها أكثر من 15 ألف جندي سوفيتي ليمر عقد شديد الصعوبة والاضطراب على الطرفين انتهى بفوز المجاهدين وانسحاب الجيش السوفيتي وهو ما تم الاتفاق عليه عام 1988 بتوقيع اتفاقيات جنيف على مرحلتين، انشغال السوفييت بالانهيار الداخلي دفعهم لسحب الـ 100 ألف جندي سوفيتي حسب مخطط وضع سريعًا فكانت النتائج كارثية على الدولة الشيوعية حيث انتفضت المقاومة الأفغانية أثناء مغادرة الجيش السوفيتي لأراضيهم وتسبب في خسارة السوفييت لآلاف الجنود بين قتلى ومفقودين.

ولم يكن خروج السوفيت من أفغانستان إلا بداية للفوضى التي ضربت أركان البلاد التي عاشت صراع فصائل "المجاهدين" وتحوله إلى حرب أهلية، انتهت بوصول طالبان إلى الحكم 1996.

 

الانتقام المتسرع أسقط «الولايات المتحدة» في «الفخ الأفغاني»

منذ وقوع حادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإعلان تنظيم القاعدة مسئوليته عن العملية الإرهابية، اعتبرت حكومة الولايات المتحدة آنذاك أن ذلك مبررًا كافيًا لملاحقة قادة التنظيم الإرهابي وإسقاط حكومة طالبان.

وبالفعل استعدت الولايات المتحدة لغزو أفغانستان، ونجح العملاق الأمريكي في إسقاط حكم طالبان في زمن قياسي لم يتجاوز الشهرين، وعلى الفور قررت الولايات المتحدة نشر قوات الأمن في المدن الأفغانية رغم مقاومة القبائل الموالية لحركة طالبان من جهة وفلول تنظيم القاعدة من جهة أخرى، ونصبت القوات الأمريكية حكومة جديدة في كابول.

الضربة الأمريكية كانت شديدة العنف، إلا أن الحركة المتمردة نجحت في امتصاص الصدمة ونظمت صفوفها من جديد لتفرض سيطرتها على جنوب البلاد وشرقها مستغلة الطبيعة شديدة القسوة لتضاريس أفغانستان، الأمر الذي دفع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لطلب المساعدة رسميًا من قوات حلف شمال الأطلسي للتصدي لهجمات قوات طالبان في عام 2008 خاصة مع الاعتراضات الشعبية الأمريكية على إرسال مزيد من الجنود حيث كان الجيش الأمريكي يواجه وقتها المقاومة العراقية.

الهجمات الأفغانية لم تتوقف، ونزيف الخسائر في الأرواح والمعدات والأموال مستمر طوال العقدين اللذان قضتهما الولايات المتحدة في الأراضي الأفغانية، وعلى الرغم من نجاح القوات الأمريكية في القضاء على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة عام 2011 إلا أن الهجمات لم تتوقف.

اليأس أصاب القوات الأمريكية وحلفاءها في حلف الأطلسي، فأمام هجمات طالبان المستمرة اتخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها قرارًا بالانسحاب بعد جولات عديدة من التفاوض مع حركة طالبان، وبالفعل نفذت الولايات المتحدة انسحابها في عهد الرئيس جو بايدن، بعد أن صدر القرار من سلفه دونالد ترامب، لكن المفاجأة كانت زحف طالبان على المدن الأفغانية منذ مايو الماضي، حتى قبل اكتمال سحب القوات الغربية.

خلال أسبوع تفاجأ العالم بسيطرة الحركة على الولايات الأفغانية بسهولة شديدة ووصلت بشكل سريع ومفاجئ داخل القصر الرئاسي بكابول، بعد أن فر الرئيس أشرف غني، وسط ذهول وهلع بين الأفغانيّين، وحيرة في البعثات الدبلوماسية الغربية، التي تناشد لتأمين إجلاء دبلوماسيّيها، من البلد الذي عاد لحكم طالبان، بعد 20 سنة من سقوطها.

ولم يخرج التحالف العسكري بين الولايات المتحدة والحلف الأطلسي إلا بعد أن سقط الآلاف، وإنفاق مليارات الدولارات على الحرب الطويلة، فعلى حد تعبير وكالة "أسوشييتد برس"، فإن الولايات المتحدة كانت تقترض الأموال لتغطية تكاليف تلك الحرب، ما يشير إلى أن أجيالا من الأمريكيين سيُثقل كاهلها لسداد تكلفتها.

وبحلول 2050، من المتوقع أن تصل تقديرات فوائد قروض الولايات المتحدة من أجل الحرب إلى 6.5 تريليون دولار، حيث أنفقت الولايات المتحدة وحدها أكثر من 140 مليار دولار على شكل مساعدات لأفغانستان منذ عام 2002 حسب الكونجرس، وقدر "البنتاجون" كلفة العمليات القتالية الأمريكية بما في ذلك دعم القوات الأفغانية بما يزيد عن 820 مليار دولار في المدة الزمنية نفسها.

أما الخسائر البشرية، فعلى مدى قرابة 20 عاما، وصل عدد قتلى الجيش الأمريكي في أفغانستان 2448 جنديا، حتى أبريل 2021، كما قُتل خلال ذات الفترة نحو 3846 من المتعاقدين الأمريكيين.

وقدرت خسائر الجيش الأفغاني والشرطة بنحو 66 ألف قتيل، وبلغت الخسائر البشرية من عناصر الدول الحليفة وحلف الناتو 1144 قتيلا.

كما تسببت الحرب بمقتل أكثر من 47 ألف مدني أفغاني، و51191 قتيلا من المسلحين، كما شهدت الحرب مقتل 444 فردا من عمال الإغاثة، و72 من الصحفيين، ومن أصل 775 ألف جندي أمريكي أصيب نحو 20 ألف منهم، لتنضم الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى قائمة الخاسرين أمام "الفخ الأفغاني".