رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباحث حامد أنور: ممارس الطقوس داخل الأضرحة يعتقد في وجود قوى غيبية

صورة الغلاف
صورة الغلاف

صدر حديثا هن الهيئة المصرية العامة للكتاب "الولي في المعتقد الشعبي"، تأليف الباحث حامد أنور، عن سلسلة الثقافة الشعبية، الدستور التقت أنور وكان هذا الحوار.

 

ماذا عن كتاب "الولي في المعتقد الشعبي"؟

 

انشغل الباحثون برصد عالم الأضرحة وما يكتنفه من خفايا تبدو في ظاهرها طقوسًا وممارسات عادية قد يتفق أو يختلف معها العامة والخاصة من أهل الثقافة والعلم، لكنها تكتنز بداخلها دلالات ورموز ومعتقدات تحتاج إلى دراسة وبحث لتحليل وتفسير هذه الظاهرة الضاربة في عمق الذات الإنسانية في المجتمع العربي بعامة، وفي دولة الجزائر على وجه الخصوص؛ حيث  شكّلت زيارة الأضرحة، في تقدير بعض الأنثربولوجيين، متنفسًا وخروجًا عن العالم المادي إلى العالم الروحي، ممثلاً في رمز الولي الصالح، واعتبرت محاولة للهروب من الحياة الدنيوية إلى الخيال المقدس، كمـا أن هذه الظاهرة مثّلت تواصلاً بين الماضي (الجميل) والحاضر (المفزع) عند استذكار فضائل وكرامات أصحاب الأضرحة، وفي ذلك أيضــًا استحضار لذكرى الأجداد والأولين واستلهام لبطولاتهم وأمجادهم بشكل غير مباشر، وكل ذلك من شأنه إضفاء بعض الإشراق والفرح على الواقع المر، وشحن الناس بالطاقات الايجابية ومواجهة مشاكل الحياة العصيبة.

 

وتمتلئ الطقوس التي تمارس داخل وفي محيط الأضرحة بدلالات رمزية سيميولوجية بالنسبة لدارس الظاهرة لكنها بالنسبة للممارس ذات دلالة واقعية وتنتج عنها آثار واقعية, لأن الممارس يعتقد في وجود قوة غيبية حاضرة وفاعلة في عناصر الطبيعة وخصوصا تلك المتواجدة في محيط وداخل الضريح لأنه يعتقد أن الولي المدفون في ذلك الضريح مازال حيا وحاضرا كقوة مؤثرة في حياة الناس"، هذه القوة التي يسميها الناس البركة، ويغلفونها بغلاف ديني هي امتداد وتجسيد للإحيائية التي اعتقد فيها الإنسان منذ فجر التاريخ، لذا يحاول الباحث أن يتعرف على الدلالات الرمزية للضريح عقيدة وممارسة من خلال رؤية الممارسين أنفسهم واستشعارهم به، ومحاولة الوصول لعمق ما يشعرون به وما يعتقدون به.

 

جاء ذكر الجزائر في الكتاب، كيف ترى علاقتها بالأولياء؟

 

في دولة الجزائر تتركز معظم مقامات الصالحين والأضرحة التي تحظى بزيارات عديدة ومكثفة في مناطق القبائل، فلكل قرية أو بلدة أو مدينة ولِيها، يقام على ضريحه مقام أو قبة يزوره الناس، وتختلف شهرة هذه المقامات وهؤلاء الأولياء وتتفاوت بقدر الأساطير التي نسجت حولها، وتبعا لذلك ذاع صيت بعضها وتجاوز حدود القرية أو الجهة التي ينتمي إليها، حتى أصبح رمزا معروفا في كل البلاد كما هو الشأن بالنسبة لـسيدي عبد الرحمن الثعالبي، موضوع هذه الدراسة.

 

ويعد مسجد وضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي من أهم المعالم الدينية والروحانية في مدينة الجزائر العاصمة، تأتيه الوفود والمريدين من داخل الجزائر وخارجها، كل حسب تصوراته ومعتقداته ودوافعه وحاجاته، فهو العالم والفقيه والولي الصالح فخر أئمة علماء الجزائر وصلحائها الأتقياء الورعين الأبرار، الإمام المجتهد الحجة، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجعفري، نسبة إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، واحد من أهم الشخصيات وأبرزها في تاريخ منطقة المغرب العربي، ظلّ ذائع الصيت وملأ صيته المعمورة لما اشتهر به من علم ونضال، وقد وُلد الثعالبي سنة 786هـ/1385ميلادية بناحية وادي يسر على نحو ست وثمانين كيلومترا بالجنوب الشرقي من عاصمة الجزائر، وهو موطن آبائه وأجداده الثعالبة، أبناء ثعلب بن علي، من عرب المعقل.

 

إلام تهدف مثل هذه الدراسة؟

 

تهدف الدراسة إلى فهم تصورات المريدين عن الولي، وهل تتشابه مع التصورات الشعبية الأخرى في أي مجتمع عن الأولياء؟ بالإضافة إلى فهم الأسباب النفسية والروحية والاجتماعية والثقافية لزيارة الضريح وإجراء الطقوس والممارسات، ومدى اقتراب أو ابتعاد هذه الممارسات والمعتقدات عن السياق الديني العام، وبذلك يتركز البحث حول عبد الرحمن الثعالبي كنموذج على الاعتقاد الشعبي في الولي حول محورين رئيسيين:

 

الأول: هو رؤية المريدين للولي ومحاولة فهم الصورة المتجسدة والراسخة لذلك الولي في الوجدان الشعبي الجزائري (أفكارهم الباطنية) التي يستدل عليها بالمقابلات والحوار.

 

الثاني: الممارسات الظاهرة التي تؤكد وتدل على المعتقد، والتي يلاحظها الباحث أثناء الاحتكاك المباشر بمجتمع البحث.

 

أما الفصل الثاني فقد تناول مجتمع البحث "منطقة القصبة بالجزائر العاصمة" من حيث: الخصائص الإيكولوجية لمنطقة الدراسة، والتركيبة السكانية في المنطقة، والنشاط الاقتصادي، ونمط الإقامة فيها، والملامح الثقافية العامة لها، والمناسبات الدينية في المنطقة، والولي محل الدراسة (خلفية تاريخية)، ووصف إثنوجرافي لموقع الولي وسط منطقة السكن، ووصف الضريح وطريقة بنائه والرسوم والنقوش الموجودة به.

 

ناقشت أيضًا زيارة الضريح.. كيف تراها؟

 

في الفصل الثالث "الممارسات الشعبية المرتبطة بضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي بالجزائر" عنوانا له فقد قسمته إلى: الزيارة لضريح الولي - الهبات والنذور للولي

 

أولاً: الزيارة لضريح الولي، وتتضمن: الزائرين من حيث: مواعيد الزيارة وارتباطها بأوقات محددة خاصة بمولد الولي، والزيارات الجماعية، والزيارات الفردية، وزيارات الرجال والنساء والأطفال، والزيارات الداخلية (من داخل الجزائر)، والزيارات الخارجية (الوفود من خارج الجزائر)، وزيارات من غير المسلمين، وخلفيات الزائرين الثقافية والاجتماعية، كما يتناول الفصل طقوس الزيارة: من حيث ارتداء زي معين، والدخول على المقام وما يرتبط به من سلوكيات، وما يقال عند الزيارة، والأدعية والأذكار التي تقال، ومدة الزيارة، وأحوال الزائرين عند تواجدهم في فضاء المقام.

 

أسباب الزيارة: هل هي أسباب علاجية، أو أسباب نفسية، أو أسباب روحية، أو أسباب اجتماعية، وارتباط الزيارة بشعائر دورة الحياة (زواج- ختان – ميلاد – وفاة)، أسباب دينية.

ثانيًا: الهبات والنذور للولي؛ من حيث أشكال الهبات، والنذور، والأطعمة.

ثالثاً: الحضرات؛ من حيث مواعيد الحضرة، وما يتم أثناء الحضرة.

 

ماذا عن رؤية المريدين للولي.؟

 

"رؤية المريدين للولي (المعتقد)"، تناولت الجانب الميداني للدراسة من حيث: أفكار المريدين حول الولي؛ من حيث شكله وهيئته، وأفكار المريدين حول كراماته، وصور تقديس الولي، وصور الارتباط الروحي بين الولي والمريد ومكانة الولي وقيمته الدينية، والاعتقاد في قدراته في الشفاء والعلاج، والتداخل بين الاعتقاد في الولي والمعتقد الإسلامي، وآراء علماء الدين في الاعتقاد في الولي والممارسات بمجتمع البحث. وختمت برصد الأساطير التي ارتبطت بالولي الصالح عبد الرحمن الثعالبي في الأسطورة الجزائرية.