رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكم نهائى ينتصر للمرأة ويسمح لها بإجازة رعاية طفلها حتى 6 سنوات

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب

قضت المحكمة الإدارية العليا فحص بمجلس الدولة، بإجماع الآراء، برفض الطعن المقام من وكيل وزارة الصحة بكفرالشيخ ضد الطبيبة (ھ .ف.ا)، طبيبة الأطفال بوزارة الصحة بأحد مستشفيات الوزارة، وتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بكفرالشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بوقف تنفيذ قرار وكيل وزارة الصحة بإنهاء خدمة الطبيبة (ھ .ف.ا) بحجة غيابها عن العمل بسبب اتفاقها مع زوجها على تنظيم النسل بتأخير الإنجاب بعد أن رزقها الله بطفل وحيد، وبعد رفض الإدارة طلبها للحصول على إجازة رعاية طفلها مرة أخرى لذات الطفل، وبطلان شرط إنجاب طفل لكل إجازة، وما يترتب على ذلك من آثار باعتبارها قائمة بإجازة وجوبية لرعاية طفلها الوحيد لثلاث مرات وبحدها الأقصى 6 سنوات، وتمكين الطبيبة من استلام عملها بالمستشفى، وألزمت وكيل وزارة الصحة بالمصروفات.

وأكدت محكمة القضاء الإدارى بكفرالشيخ فى حكمها الذى أصبح نهائيا وباتا أنه لا يجوز للإدارة أن تتخذ من اتفاق الزوجين على تنظيم النسل سببا لحرمان الأم من حقها في إجازة رعاية طفلها الوحيد فى حدها الأقصى 6 سنوات، واتفاق الزوجين على تنظيم النسل لا يجيز للإدارة حرمان المرأة من حقها فى إجازة رعاية طفلها الوحيد للحد الأقصى 6 سنوات، وقررت 6 مبادئ لحيثيات الحكم الذى انتصر للمرأة:

1- حق الأم فى إجازة لرعاية طفلها ليست منحة من الإدارة إن شاءت منحتها وإن رغبت منعتها، بل حق تستمده من القانون مباشرة.

2- اشتراط الإدارة إنجاب طفل لكل إجازة لرعايته مخالف للقانون، ولا يجوز أن تفرض على الأمهات إنجاب الأطفال لتمنحهن الإجازة غير المقيدة بالتعداد.

3- وقت اختيار إجازة رعاية الطفل تحدده الأم وحدها، وهو شأن أسرى لا دخل للإدارة فيه وإلا انقلب دورها من تقدير مصلحة العمل إلى التعسف ضد الأمهات فى الشئون الأسرية.

4- تنظيم النسل جعل المرأة تنخرط في الحياة العامة وشاركت الرجل الذى ظل لعقود طويلة يحتكر بعض الوظائف بسبب نعتها بحملها المتكرر.

5- منح النساء فرص وجودية مكنتها من الصمود فى وجه التحولات المجتمعية الحديثة رسخت من استقلاليتهن الذاتية.

6- الفقه الإسلامى الراجح جعل تنظيم الأسرة أو النسل جائزا شرعاً لأسباب يقدرها الزوجان ولا ينال من حق المرأة فى رعاية طفلها الوحيد.

وتعود وقائع قصة الزوجة الطبيبة إلى أنها تشغل وظيفة طبيب مقيم تخصص "أطفال" بأحد مستشفيات كفرالشيخ، واتفقت مع زوجها على تنظيم النسل بالعمل على تأخير الحمل بعد مولودها الأول مدة تستجم فيها وتسترد نشاطها، وحتى يستطيعان تربيته أحسن تربية، فتقدمت لوزارة الصحة للحصول على إجازة لرعاية طفلها وحصلت عليها مرة واحدة لمدة سنتين، وحينما أرادت الحصول لطفلها ذاته على إجازة مرة ثانية لرعاية هذا الطفل اشترطت عليها إدارة الشئون الصحية أن تنجب طفلا آخر إذا أرادت الحصول على المرة الثانية لإجازة رعاية الطفل، وطفلا ثالثا إذا أرادت الحصول على المرة الثالثة، بحجة أن تنظيم النسل مسألة شخصية لهما ولا يجوز لها الحصول على إجازة رعاية الطفل إلا بعدد الأطفال، فتركت الطلب إلى الإدارة الصحية وتفرغت لطفلها لحاجته إليها، وحينما لجأت للإدارة الصحية للحصول على إجازة لذات الطفل للمرة الثالثة وجدت الإدارة فصلتها من العمل فى المرة الثانية بحجة غيابها دون إذن.

وقالت المحكمة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، إن الجهات الإدارية ملزمة بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة، وإن المرأة الموظفة تستحق إجازة دون أجر لرعاية طفلها لمدة عامين على الأكثر في المرة الواحدة، ولثلاث مرات طوال حياتها الوظيفية وبحد أقصى ستة أعوام طوال مدة عملها، وهذه الإجازة لا تعد منحة من الجهة الإدارية إن شاءت منحتها وإن رغبت منعتها بمحض سلطتها التقديرية، وإنما تعد هذه الإجازة حقاً للأم العاملة تستمده من القانون مباشرة متى توافرت شرائطها أخذاً بالاتجاهات الحديثة التى كشف عنها التطبيق الفعلى واقتضاءً لتنفيذ أحكام الدستور فى شأن رعاية الأسرة ورعاية الأم العاملة لأطفالها، ومن ثم يتوجب على الجهة الإدارية أن تقبل على سبيل الإلزام لا التخيير الطلب الذى تقدمه المرأة العاملة للحصول على إجازة لرعاية طفلها.

وأضافت المحكمة أن حق الأم العاملة فى الحصول على إجازة لرعاية طفلها غير مقيد بعدد الأطفال وليس من بين شروطه، فهو لا يرتبط بتعداد الأطفال، ولا يجوز للجهات الإدارية أن تفرض على الأمهات إنجاب الأطفال حتى تمنحهن تلك الإجازة بعدد مراتها الثلاث بحد أقصى ست سنوات، ويحق للأم العاملة التى اتفقت مع زوجها على تحديد النسل بطفل وحيد أن تحصل له على مدة أقصاها سنتان، ومدتين أخريين وبحد أقصى ست سنوات لكامل تلك الإجازة طوال مدة خدمتها، باعتبار أن حق إجازة رعاية الطفل جاء عاماً دون تخصيص بعدد الأطفال أو قيد تعداد الطلبات حسب عددهم، ومن ثم يحق لها الحصول على إجازة رعاية الطفل للحد الأقصى، وهو ست سنوات ولو لطفل فريد وحيد إنجاباً بقدر الله أو اتفاقا مع زوجها على تحديد النسل بهذا الطفل الوحيد.

وأشارت المحكمة إلى أن وقت اختيار إجازة رعاية الطفل تحدده الأم العاملة وحدها باعتبارها القائمة على تربية الطفل وتقرير حاجته الفعلية وهو شأن أسرى لا دخل للإدارة فيه وليس لها أدنى اختصاص لها به، وإلا  انقلب دور الجهات الإدارية من تقدير مصلحة العمل إلى التعسف ضد بعض الأمهات العاملات فى الشئون الأسرية وهو ما يؤثر سلباً على الأسلوب التربوى للطفل، ومن ثم فإن الأم العاملة تستقل باختيار وقت الحصول على إجازة رعاية طفلها فى أية مرحلة سنية يمر بها الطفل حتى قبل ثمانية عشر عاما فى ضوء ظروفها وحالة طفلها النفسية والاجتماعية والصحية ومدى حاجته إليها، وبهذه المثابة فإن أمر تقدير إجازة رعاية الطفل يرجع فقط للأم العاملة دون سواها تقديره بكامل سلطانها بحسبانها الأقدر على تحديد احتياجات الطفل وهى أقرب ما تكون إليه.

وأوضحت المحكمة أن تنظيم النسل شأن أسرى يخضع لتقدير الزوجين لما له من آثار إيجابية على وضع المرأة داخل الأسرة والمجتمع، أهمها انخراط المرأة في الحياة العامة، سواء منها الشق السياسي أو المدني والمجتمعي العام، وما كان لها أن يتحقق ذلك إلا لقدرة بعض النساء على تنظيم الأسرة والحد من عدد الولادات، مما سمح لها بالانفتاح على مجالات مستجدة شاركت فيها الرجل الذى ظل لعقود طويلة يحتكر بعض الوظائف بسبب نعتها بحملها المتكرر، وهو ما أدى إلى التخلى عن الدور التقليدى العتيق لشغل الوظائف ومنح النساء فرص وجودية مكنتها من الصمود فى وجه التحولات المجتمعية الحديثة، ورسخت من استقلاليتهن الذاتية،  فهو يهدف إلى المحافظة على صحة الأم من الولادة المتكررة التى تجهدها فتحتاج لراحة بين ولادة وأخرى لفترة من الزمن حسب حالتها الجسدية، وأيضاً المحافظة على الأبناء من أن تسوء صحتهم بسبب الحمل المتوالى دون راحة فتكون نشأة الطفل بما يمكّن الأم من إرضاع وليدها إرضاعا كاملا نقيا، ومن ثم فإن تنظيم النسل يعد حقاً شخصيا للزوجين يقررانه بإرادتهما المنفردة طبقا لما تقتضيه مصلحتهما، ما دامت هذه المصلحة أمرا يقره الشرع ويرضى عنه الدين ولا يجوز للإدارة أن تتخذ من اتفاق الزوجين على تنظيم النسل سبباً لحرمانها من إجازة رعاية الطفل الوحيد. 

وذكرت المحكمة أن الفقه الإسلامى الراجح انتهى إلى أن تنظيم الأسرة أو النسل جائز شرعا وعقلا متى كانت هناك أسباب تدعو إليه، وهذه الأسباب يقدرها الزوجان حسب ظروفهما، وأن الإسلام يرفض تحديد النسل بإرغام كل أسرة على ألا يزيد الإنجاب فيها عن طفل واحد كما تذهب بعض الدول، كما يرفض التعقيم بمنع الإنجاب مطلقا كما تأخذ دول أخرى، ولكن الإسلام دین الاعتدال يجيز تنظيم النسل عن طريق تباعد فترات الحمل، ليأخذ كل طفل حقه الكامل من الرضاعة الطبيعية والرعاية الأسرية حرصا على مصلحة الأسرة والمجتمع. 

واختتمت المحكمة أن المدعية طبيبة بوزارة الصحة بأحد مستشفياتها بكفرالشيخ، وقد اتفقت مع زوجها على تحديد النسل بطفل واحد وحصلت على إجازة لرعاية طفلها مدتها سنتان، ثم تقدمت بطلب آخر للحصول على إجازة لرعاية ذات الطفل مدتها أيضا سنتان، وعند انتهاء السنتين تقدمت بطلب ثالث للحصول على إجازة ثالثة مدتها سنتان لذات الطفل، إلا أنها فوجئت بأن الإدارة قررت إنهاء خدمتها بحجة انقطاعها عن العمل فى المدة الثانية، وهو قرار يعد مخالفاً لصحيح حكم القانون بحسبان المدعية قائمة بإجازة وجوبية لا سلطان للإدارة بتقديرها بالرفض.