رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«العمامة المستنيرة».. كتاب يكشف خطوات عبد المتعال الصعيدي لتجديد أصول الفقه

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

يذهب الدكتور أحمد محمد سالم أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة طنطا، في كتابه "العمامة المستنيرة.. تجديد الفكر الديني عند عبد المتعال الصعيدي"، والصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، إلى أن عبد المتعال الصعيدي سعى إلى تجديد علم أصول الفقه مركزاً على أهمية الاجتهاد ورعاية مصلحة البشر فإنه في تجديد الفقه سعى إلى الاجتهاد الفعلي في القضايا التي طرحت على الاجتماع المسلم في عصره راغباً في أن يساير الفقه تطور حالة المجتمع، ويراعي المستجدات المعاصرة ولا ينعزل عن حاجات المجتمع بإعادة إنتاج الفقه القديم مرة ثانية؛ لأن هذا الفقه مشروط بالشرط التاريخي والاجتماعي الذي أنتجه، وهذا الشرط قد تغير الآن، وليس أمامنا سوى تجديد النظر في الفقه، وفي الأحكام القديمة.

دخول مصر عصر الحداثة
وحين دخلت مصر عصر الحداثة على يد محمد علي، واحتكت مصر بمنتجات الحداثة وأفكارها، وحدث توتر شديد لحالة الاجتماع بين التقليدي والحديث، لأن هذا الاجتماع كان يعيش في حالة موات وجمود، ويسيطر عليه الفقه التقليدي الكلاسيكي، ونتيجة لتطور هذا الاجتماع وحدوث مستجدات جديدة فقد طرحت الحداثة علي الفقه التقليدي أسئلة جديدة حول مشروعية التعامل مع أهل الذمة برؤية عصرية جديدة، وأهمية إلغاء الرق، وضرورة تطوير وضعية المرأة التاريخية، وأهمية تقييد تعدد الزوجات وتقييد الطلاق، وأهمية الاجتهاد في قضايا التصوير والنحت، وأموال البنوك وغيرها من القضايا العديدة التي لم يسع الجامدون أن يمسوا هذه القضايا من خلال اجتهادات جديدة.

في حين رأى المغامرون من المجددين أنه من الضروري تقديم قراءة جديدة في أحكام الفقه تصل الدين بتطور حركة الاجتماع، وتجتهد في رؤية الجديد في حركة الاجتماع حتى يقدمّوا الفتاوي الجديدة التي تتوافق مع هذا التطور، وتكشف عن مقدرة الإسلام على التجدد والحراك المتطور مع حركة الواقع، وإلغاء التشوه الذي أحدثه الجامدون بمواقفهم المتصلبة من عبادة الفقه القديم ، وتكريس حضور السلف بفتاويه لتقييد تطور حركة الاجتماع المتطور، ومنحهم حياة جديدة لم يحلم بها السلف أنفسهم بوجودها.

ويوضح "سالم":"هنا كانت مدرسة التجديد الديني - وعلى رأسها الأفغاني ومحمد عبده وأمين الخولي، وعبد المتعال الصعيدي - راغبة في استمرار دور الدين في حركة الاجتماع، والتأثير فيها، وقد كان تجديد النظر في الفقه وخاصة فقه المعاملات محل نظر واجتهاد لديهم لأنه يرتبط بمعاملات الإنسان مع الإنسان في حركة الاجتماع الجديدة، وهنا تأتي اجتهادات الصعيدي في مجال الفقه ليقدم رؤاه لتجديد علم أصول الفقه، وتطبيقها في إنتاج الأحكام الجديدة التي تمثل روح جديدة في الفقه الإسلامي عملت الحركة الإصلاحية بأعلامها على بثها بديلاً عن استعادة الفقه القديم التاريخي، والذي لم يعد يساير مسيرة تقدم الاجتماع".

وطرحت الحداثة موضوعتها على الفقه التقليدي فظهرت فنون التمثيل والنحت، وأصبحت لها دوراً بارزاً في حياة المجتمع، وفي الارتقاء بالروح الإنسانية، وتصوير معاناة البشر، وقد أفتى محمد عبده بجواز التصوير والنحت من أجل أغراض تعليمية، وأفتى عبد المتعال الصعيدي بأنه من الجائز تمثيل الأنبياء مؤكداً على ما صورة التوراة والقرآن في قصة يوسف وأخوته، وقال أنه لا شيء يمنع من وضع تمثيلية تصيغ هذه الأحداث وأكد الصعيدي على أن التمثيليات التي تضع فيها قصص الأنبياء عليهم السلام سيراعي فيها ما لهم من كريم المنزلة، وما لهم من قداسة في قصصهم، وما كان لهم من مقاصد نبيلة في رسالاتهم، ولا شيء على هذا يخل بقداستهم"٬ لأن التمثيل من وجهة نظر الصعيدي سيقدم المعاني النبيلة للناس في صور مجسده، وهو ما يكون له من أثر طيب على توجيه وعي الناس على مختلف مستويات وعيهم.

حيثيات عبد المتعال الصعيدي في تبرير مشروعية النحت
ويحاول الصعيدي أن يقدم تبريراً على مشروعية التمثيل، بما جاء في قصة سليمان والجن فيقول:" ومما يدل أيضاً على جواز تمثيل الأنبياء ما جاء في القرآن عن سليمان عليه السلام من أن الجن كانت تنحت له تماثيل الأنبياء الصالحين من بني إسرائيل، فيضعها في بيت القدس الذي كان لليهود مثل الكعبة للعرب، وقد ذكر هذا على سبيل الامتنان والتنويه بشأنه، ومنه أخذ بعض علمائنا دليلاً على جواز نحت التماثيل، لأنه لو كان حراماً لما ذكر في القرآن على سبيل الامتنان والتنويه، وآخر جاز تمثيل الأنبياء في تماثيل جامدة منحوتة، فليجز تمثيلهم أيضاً فيما يوضع من تمثيليات لبعض قصصهم لأن هذا مثل ذاك ولا فرق بينهم".

ولا شك أن فن التمثيل يسهل على خيال الإنسان الراغب في التشخيص تمثيل هذه الشخصيات ليس من أجل نزع القداسة عنها، بل من أجل إنطاقها بالفضائل والمعاني والقيم التي يمكن أن تغير في وعي الإنسان، ولقد قامت الدراما الإيرانية منذ فترة قليلة بعمل مسلسل عن قصة يوسف عليه السلام، وحين أذيع كان له تأثيراً كبيراً في وعي الناس وتعلقهم بكل القيم التي جاء بها يوسف، ودور يوسف عليه السلام في تاريخ مصر القديم ولا شك أن فتوى الصعيدي هنا تبيح استخدام فن التمثيل في تقديم المعاني والقيم الدينية عبر الدراما، وهو ما يوسع دائرة تأثير القيم الدينية عبر الدراما وهذا أمر إيجابي يؤثر في حياة المجتمع تأثيراً إيجابياً لصالح القيم والمعاني الدينية ونشرها.