رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحثو «المصرى للفكر»: أبى أحمد يُصدِّر صراعًا مع مصر والسودان للتغطية على مذابحه

 مذابح اثيوبيا
مذابح اثيوبيا

يشهد القرن الإفريقى حاليًا حالة من التوتر الشديد نتيجة مُضى الدولة الإثيوبية فى عمليات ملء وتشغيل سد النهضة، بشكل أحادى، مما يؤثر على المصالح المائية لدولتى المصب مصر والسودان، خاصة بعد إخطارهما رسميًا بعملية الملء الثانى للسد، فى تحدٍ واضح لكل القوانين والاتفاقات الدولية، وخرق اتفاق المبادئ، دون انتظار قرارات مجلس الأمن الدولى، بعد عرض الملف بالكامل أمامه من جانب دولتى المصب.

وقال محمود سلامة، الباحث بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن إدارة رئيس الوزراء الإثيوبى، أبى أحمد ما زالت تستخدم ورقة سد النهضة للفت الانتباه عن انقسامات الداخل الإثيوبى وجرائم الحرب التى ارتكبتها القوات الإثيوبية الإريترية فى إقليم تيجراى.

وأضاف «سلامة» أنه لم يمضِ أسبوع واحد على جلسة مجلس الأمن التى عُقدت بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة الأوضاع الإنسانية الكارثية فى إقليم تيجراى، إلا وخرجت علينا الإدارة الإثيوبية بخطاب رسمى يخطرنا ببدء الملء الثانى لخزان السد، الذى لن يتجاوز أربعة مليارات متر مكعب زيادة على مخزون العام الماضى، متسائلًا: «لماذا أقدمت إثيوبيا على هذه الخطوة بالرغم من إعلان مجلس الأمن انعقاد جلسة طارئة حول السد الإثيوبى اليوم الخميس استجابة لطلب مصر والسودان؟».

وذكر أنه يبدو أن سيطرة جبهة تحرير تيجراى على الإقليم من جديد، وقتل وأسر الآلاف من جنود الجيش الإثيوبى أربكت حسابات أبى أحمد، وبعد أن تصور أنه أمسك بزمام الأمور وقضى على أقوى جبهات معارضيه وجد نفسه فى موقف صعب بعد عودتهم من جديد وهروب الإدارة التى عينها لإدارة الإقليم.

وأكمل أن الأمر قد لا يتوقف عند فقدان السيطرة على تيجراى، ولكن يمكن أن يمتد إلى حرب جديدة مع جارتها إريتريا، التى لم يمر على اتفاق السلام معها أكثر من عامين، أو إلى صراع دموى بين قوميتى الأمهرة وتيجراى، حيث أكد قائد جبهة تحرير تيجراى نيته الذهاب إلى أمهرة وإريتريا إذا تطلب الأمر للحفاظ على أمن إقليمه.

وأضاف «سلامة» أنه فى ظل تلك التطورات الداخلية، وضغط الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة لإلقاء مزيد من الضوء على ما ارتكبه رئيس الوزراء وحكومته من انتهاكات بحق مواطنى تيجراى وموظفى الإغاثة الدوليين، لم يجد أبى أحمد مفرًا سوى لفت الانتباه لقضية أكبر وذات بُعد دولى، وهى قضية سد النهضة، التى أقنع شعبه من خلالها بأن مصر هى العدو الذى يقف عائقًا أمام التنمية التى ينشدونها، وبالتالى يمكن أن يحافظ على تماسك هذه العرقيات المتصارعة بعد ظهور دعوات للانفصال عن إثيوبيا بسبب تردى الأوضاع والسماح للإريتريين بالدخول إلى أراضيهم واحتلالها.

وذكر أن أبى أحمد يدرك أن الصراع مع مصر والسودان سيحظى بأهمية أكبر عند الدول الكبرى ومجلس الأمن بما يضمن عدم محاسبته على ما ارتُكب من جرائم فى تيجراى، وهو ما لجأ إليه سابقًا عندما اجتاحت التظاهرات إقليم أوروميا وقُتل المئات، حيث اتهم مصر بأنها المدبر لهذه الاحتجاجات، ونجح وقتها فى شن حملة اعتقالات موسعة ضد معارضيه سمحت له بخوض الانتخابات الأخيرة دون معارضة تقريبًا.

من جانبها، قالت شيماء البكش، الباحثة بالمركز، إن الداخل الإثيوبى يشهد تحولات دراماتيكية على نحو غير مسبوق وتحولات فى خريطة التفاعلات الداخلية والإقليمية على السواء، على نحو يطرح المزيد من التحديات أمام حكم أبى أحمد وكذلك الدولة الإثيوبية، الذى أصبح تماسكها على المحك، وكذلك يفاقم من التحديات الإقليمية، التى تتسبب فيها طريقة التفاعلات الإثيوبية مع محيطها الإقليمى، خاصة مصر والسودان، وكذلك امتداد تداعيات الداخل الإثيوبى على محيطه الإقليمى.

وأضافت أنه على المستوى الداخلى تسارعت التفاعلات بشدة، خلال الأسابيع الماضية، بعدما اتجه أبى أحمد إلى إجراء الانتخابات المختلف عليها مع المعارضة، ورغم التحفظات الدولية الشديدة على حكومته، وكذلك التحولات الدراماتيكية، التى يشهدها مسار النزاع فى تيجراى، أعلن فوزه فى الانتخابات، التى قاطعها الكثير من المعارضة، وفى وقت شهدت فيه قواته الفيدرالية هزيمة مدوية على أيدى قوات تيجراى، التى أبت الهزيمة، لما لها من تاريخ مشهود فى حرب العصابات، اتبعته كتكتيك للرد على الهزائم الأمنية والتحديات الإنسانية التى ألحقها أبى أحمد بالإقليم منذ فبراير الماضى. 

وتابعت «البكش» أن أبى أحمد أعلن للمجتمع الدولى عن أنه أحكم قبضته على الإقليم، وحققت عمليته العسكرية أغراضها، كما أعلن عن انسحاب القوات الإريترية والفيدرالية، ومن ثم الانصياع للمواقف الدولية بالإيقاف المؤقت لإطلاق النيران من جانب واحد، لكن جاءت هزيمة جنوده على أيدى قوات تيجراى وتعرضهم للأسر، لتدحض مزاعمه التى راح يروجها عن نفسه.

وأكدت أن كل هذا يجرى فى ظل أوضاع إنسانية مأساوية يعانى منها إقليم تيجراى، جراء الفظائع التى ارتكبت هناك، واستمرار التحديات الأمنية فى أغلب الأقاليم الإثيوبية، على نحو يهدد تماسك الدولة الفيدرالية، بما يزعزع بالتبعية الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى ومن ثم تهديد المصالح الاستراتيجية للدول الإقليمية والدولية فى المنطقة. 

وذكرت أن أديس أبابا تواصل الممارسات الخارجية المعادية للدول الإقليمية المجاورة، خاصة السودان، الذى ما زالت الأزمات الحدودية بينهما تلقى بظلالها على العلاقات بين البلدين، وكذلك الأمن الإقليمى، علاوة على بقاء أزمة السد الإثيوبى على السطح بين الدول الثلاث، كأكثر الأزمات المهددة لاستقرار المنطقة، مع استمرار التعنت الإثيوبى، وإمعانه فى انتهاك مبادئ القانون الدولى والمماطلة فى المفاوضات، وصولًا على إعلانه على الملء الثانى، بشكل أحادى، دون موافقة مصر والسودان. 

واختتمت أنه لا يزال البلدان يتبعان كل السبل القانونية للحفاظ على حقوقهما فى مياه النيل، دون مصادرة على حقوق شعوب النيل فى التنمية، وما يؤكد استمرار البلدين فى هذا النهج المسالم، ذهابهما إلى مجلس الأمن، اليوم الخميس، لعرض الأزمة أمام المجتمع الدولى، وإبراز التعنت الإثيوبى وانتهاكه القواعد الدولية الحاكمة فى هذا الصدد.