رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب: أكثر من 10 ملايين نسمة سيقطنون 34 مدينة ذكية حول العالم بحلول 2025

كتابالمدن الذكية
كتاب"المدن الذكية" للدكتور إيهاب خليفة

صدر حديثاً للدكتور إيهاب خليفة كتاب جديد يناقش فيه ظاهرة المدن الذكية، بعنوان "المُدُن الذَّكيَّة: الخصائص والنماذج والفرص والتحديات"، عن دار المكتب العربي للمعارف.

 

ويدرس فيه المؤلف المقصود بالمدينة الذكية من حيث أهم خصائصها وسماتها والتكنولوجيات القائمة عليها ونمط حياة السكان فيها، بالإضافة إلى النماذج المختلفة التي يمكن تبنيها عند قيام الحكومات بتبني هذا النمط من المدن، ويناقش باستفاضة التهديدات والتحديات التي تواجه نموذج المدن الذكية، ويأخذ دولة سنغافورة كحالة دراسة تطبيقية.

 

وتأتي أهمية هذا الكتاب من أن ما يقدر بنسبة 70% من سكان العالم سيعيشون في المدن بحلول 2050، وبحلول عام 2025 سيكون عدد المدن التي يعيش بها أكثر من 10 ملايين نسمة في العالم 34 مدينة، فأصبحت المدن الذكية التي تتميز بالاستدامة أولوية رئيسية في السياسة العامة لكثير من الدول في جميع أنحاء العالم.

 

المدينة الذَّكيَّة ليست تلك المدينة التي تُصوِّرها أفلام الخيال العلمي، حيث تسبح عشرات الدرونز في السماء، ومئات الروبوتات في الأرض، وتنتشر السيارات ذاتية القيادة في كل مكان، بل هي نمط وأسلوب حياة كامل، قائم على الاستفادة من الثورات التكنولوجية غير المسبوقة، من نُظُم الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات العملاقة، ويهدف إلى تعظيم الاستفادة من الموارد المُتاحة، وتقليل الاستهلاك والهدر في الطاقة، وتهيئة مناخ مناسب للابتكار والإبداع، وتوفير آليات ووسائل تجعل حياة الإنسان أيسر، وأقل تكلفة، وأكثر أمانًا، بما يؤدي في النهاية إلى تحسين جودة الحياة بمعناها الدائم الشامل.

 

كما أعلن عديد من الدول الاتجاه نحو إنشاء مُدُن ذكيَّة، فمُقارنةً بـ21 مدينة ذكيَّة عام 2013، من المتوقع أن يصل عدد المُدُن الذَّكيَّة حول العالم عام 2025 إلى 88 مدينة ذكيَّة، منها 32 مدينة في منطقة آسيا والباسيفيك، و31 مدينة في أوروبا، و25 مدينة في القارة الأمريكية، وذلك حسب تعريف شركة (IHS) لمفهوم المدينة الذَّكيَّة. 

 

حيث تتعدَّد الأسباب التي تدفع الدول إلى تبنِّي نماذج المُدُن الذَّكيَّة وفقاً للكتاب، والتي منها زيادة عدد السكان بمُعَدَّلات غير مسبوقة، وتضخُّم المُدُن الحالية، واستفحال مشاكلها التقليدية، والرغبة في الاستفادة من مُكتسبات الثورة الصناعية الرابعة والتقنيات الذَّكيَّة في التغلب على هذه المشكلات، يُضاف إلى ذلك أسباب أخرى متعلقة بالرغبة في زيادة مُعَدَّلات التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة البشرية ومواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية.

 

فضلاً عن ذلك، هناك بعض مظاهر الحياة الذكية التي باتت منتشرة داخل كافة المجتمعات، المتطورة وغير المتطورة، بصورة تجعل عملية التحول المتكامل نحو مفهوم المدينة الذكية أمراً ليس معقداً، حيث باتت شبكات الانترنت سواء السلكية أو اللاسلكية وبسرعات عالية الجودة في مناطق كثيرة حول العالم، مع انخفاض تكلفة شراء الهواتف الذكية، وجود عدد من المشروعات التي تسعى إلى تقديم الانترنت من الفضاء الخارجي مثل مشروع شركة ستارلينك (Starlink) الذي يسعى لتقديم الانترنت لجميع المستخدمين حول العالم عبر أقمار صناعية صغيرة تدور حول الأرض، وبسرعات فائقة.

 

يضاف إلى ذلك انتشار نظم جمع المعلومات وتحليل المعلومات الذكية سواء من خلال أجهزة الاستشعار  Sensorsالتي تستقبل البيانات وفق خوارزميات محددة وتقوم بتحليلها، أو من خلال برامج تحليل المصار العلنية المعروفة باسم OSINT  والتي تشير اختصاراً إلى Open Source Intelligence، هذا فضلاً عن الانتشار المتزايد لانترنت الأشياء Internet of Things وتزايد عدد القطع المتصلة بالانترنت، حيث وصلت عام 2020 إلى أكثر من 20 مليار قطعة، وتبلور مفهوم المنازل الذكية التي يتم إدارتها من خلال الهواتف الذكية.

 

ومن النماذج المتعددة للمدن الذكية مشروع "المدن الذكية الأوروبية" الذي تم إطلاقه عام 2007 في أوروبا لإنشاء 70 مدينة ذكية، وذلك في إطار مشروع أوروبا 2020 الذي يستهدف تحسين الخدمات وزيادة فرص العمل، وفي يوليو 2014 أعلن رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي نيته بناء 100 "مدينة ذكية" مجهزة بأحدث القدرات التقنية في مختلف أرجاء الهند من إجمالي 4000 مدينة هندية قديمة سيتم تحويلها إلى مدن حديثة يمكنها التنافس مع أي من كبريات المدن حول العالم، ميزانية 15 مليار دولار.

 

وفي المنطقة العربية تتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة نماذج لمدن ذكية، حيث تمثل دبي أحد أهم المدن الذكية الأسرع نمواً في العالم، حيث قامت بإطلاق مبادرة "دبي مدينة ذكية" في أكتوبر 2013، وهي المبادرة التي تتضمن 500 خدمة ذكية، وتم في إطارها تدشين مشروع "سيليكون بارك" على امتداد 150 ألف متر مربع وبتكلفة تُقدر بـ300 مليون دولار، ودشنت أيضا دولة الإمارات مدينة "مصدر" في أبوظبي، التي تم تصميمها لتكون مدينة ذكية وصديقة للبيئة والتنمية المستدامة.

 

كما شهدت دول الشمال الإفريقي مبادرات على الصعيد ذاته، حيث أعلنت المملكة المغربية تحويل ست مدن رئيسية (تشمل: الدار البيضاء، والرباط، وطنجة، وفاس، وإفران، ومراكش) إلى مدن ذكية بحلول عام 2026، مع إنشاء عدة مدن ذكية مستدامة تعتمد على طاقة الشمس والرياح، كما أعلنت مصر هذا العام عن إطلاق الجيل الرابع من المدن المصرية الذي يقوم على فكر المدن الذكية، وتعتزم تطبيقه في العاصمة الإدارية الجديدة ومدينتي العلمين الجديدة وشرق بورسعيد.

 

ولا تتحوَّل المُدُن إلى ذكيَّة بضغطة زر كمبيوتر، ولكن تبدأ بمراحل، تشمل وجود بنية تحتية قائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومن ثم نشر أجهزة استشعارات وجمع معلومات في جميع أرجاء المدينة، ثم إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وإنشاء منصَّات وشبكات تربط هذه التقنيات وأجهزة جمع المعلومات مع بعضها البعض، ويتحكم في ذلك مركز إدارة مركزي يتولَّى عملية جمع ومشاركة وتحليل المعلومات، بما يؤدي إلى تحسين عملية اتخاذ القرار داخل المدينة.

 

حتى نصل في النهاية إلى مدينة تتَّسم بارتفاع مُعدَّل الأمان بداخلها، وقادرة على إعادة تدوير نفسها، فتحصل على الطاقة من أكوام القمامة، وتُعيد استخدام المياه في الري والزراعة، وتتميز بالاستدامة من حيث الحفاظ على الموارد بداخلها لأجيال قادمة، لا يضطر فيها الأفراد للتحرك لكل الأشياء، فقد يمكنهم إنجاز أعمالهم من المنزل، والحصول على خدماتهم الحكومية عبر الهاتف الذكي، وعند الحاجة إلى التحرك، فالمواصلات محافظة على البيئة، مثل السيارات الكهربائية، وتنتشر فيها تقنيات النقل ذاتي القيادة.

 

ولكن الأمر ليس مثاليًّا، أو بهذه السهولة، حيث تُواجه تحديات كُبرى، سواء في عملية الإنشاء، أو التشغيل، وتستهلك كثيرًا من الجُهد والوقت والأموال، فهي أحد المشروعات العملاقة متعددة الأبعاد؛ سياسية، واقتصادية، وأمنية، واجتماعية، قبل أن تكون تكنولوجية، ولها تداعيات وتهديدات أيضًا ناجمة عن النظام التكنو اجتماعي الجديد الذي تم إنشاؤه بداخلها، ولكن هذه التهديدات والتحديات لا تمثل عائقًا حقيقيًّا نحو إنشاء المدينة، كما أن المكاسب والمميزات التي سيتم الحصول عليها جرَّاء تبنِّي هذا النموذج، تفوق التهديدات الناجمة عنه.

 

ويتكوَّن هذا الكتاب من خمسة فصول رئيسية، يناقش الفصل الأول تعريف المُدُن الذَّكيَّة، ويناقش الفصل الثاني أهم نماذج إنشاء المدن الذكية، ويهتم الفصل الثالث بالقوى التكنولوجية المحركة التي تدفع في اتجاه إنشاء المُدُن الذَّكيَّة، ويدرس الفصل الرابع الفرص التي تقدمها المدن الذكية والتهديدات التي تطرحها، في حين يناقش الفصل الخامس حالة دراسية كنموذج للمدن الذكية وهي سنغافورة.