رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم عبد المجيد: الأجيال الجديدة مثيرة ورائعة.. وهذا سر ميلي لتقدير المرأة (حوار)

الروائي ابراهيم عبد
الروائي ابراهيم عبد المجيد

عن الفقد والدهشة وتلك السهام المضروبة بموهبة عفية  في مراحل الطفولة والصبا وشباب الأحلام في عهد عبد الناصر ومن بعده  وقبله، من فترات ومراحل اجتماعية عاش فيها، أقترب ورأى ففرح وحزن وانفعل بالأحداث فعشق المكان والبشر فكانت المرأة والسفر والغربة التي أدت إلى سرد الغرابة والتغريب.

 في متون قصصه ورواياته التي فاقت أربعة وثلاثون عملا مابين الرواية والقصة وترجمات تحمل عناوين مغايرة تخص الوجود كله من بعد ذائقته.  في الإسكندرية كاانت بدايات اشتباك الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد مع كل مفردات عوالم " الكوزموبوليتان، عن المدينة والمدنية ورفقاء مسيرة الحياة والفن والأدب وتلك "الأيام الحلوة فقط" " الذي صدر منذ أيام وبات العمل الذي يحمل رقم 39 في مسيرة المبدع الكبير.

عبد المجيد" الحاصل على جوائز عديدة عالمية وعربية مصرية كجائزة "نجيب محفوظ" عن رواية " البلدة الاخرى" ومن قبلها جائزة، أهم روايات القرن العشرين، من أهم المواقع الأدبية الأمريكية عن رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية"، وجائزة الدولة للتفوق فالتقديرية، وجائزة "ساويرس" عن روايته "كل اسبوع يوم جمعة"، كما فاز بجائزة الشيخ زايد.

 الكاتب إبراهيم عبد المجيد التي ترجمت أعماله للغات شتى منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والروسية والألمانية وحولت رواياته وقصصه لأعمال درامية سينمائية لاقت الكثير واللافت من النجاح.

 وحول كل ما سبق وغيره التقت "الدستور" الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد، وكان معه هذا الحوار..

-بعد صدور عنوانك السابع والثلاثون " أيامي الحلوة فقط "، والذي جئت فيه بالكثير من تناقضات وعصف وتسلط الكاتب في موقع السلطوي المستبد على المبدع ماهو موقفك أو رؤيتك للواقع الثقافي المصري في الآني والمستقبلي ؟

 الحقيقة هذا جزء لا يساوي 2000 كلمة في الكتاب الذي يصل إلي أكثر من 55000 كلمة ورغم أني كتبت في نهاية الكتاب أرجو أن لا يشغل هذا الصحفيين عما في الكتاب من ضحك وأيام حلوة لكن يبدو أني ساواجه كثيرا من الاسئلة حوله.

 وعلى أي حال نحن في دولة مركزية منذ 1952 بمعني أن كل شيئ أصبح رهن الحكم . وزارة الثقافة أقيمت لتكون هي مركز الثقافة والمجتمع الأهلي تواري كثيرا جدا. ورغم أن الصادارت الثقافية ليس ضروريا أن يغلب عليها السياسة إلا أن البعض وجد أنه كي يتصدر المشهد فليكن قريبا من صناع القرار.

ومثل هؤلاء لايتركون مساحة كبيرة لغيرهم من الموهوبين بسهولة، ورغم أن العالم واسع للنشر داخل وخارج البلاد لكن تظل القنوات الرسمية للثقافة مجلات أو صحف مهمة جدا، وخاصة للكاتب في سنواته الأولي لذلك كانت الحروب بشعة وإن لم أدخل في تفاصيلها.

والموضوع الآن اختلف فالعالم صار أكثر اتساعا بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الثقافية المختلفة بل ويستطيع الكاتب إذا أراد أن يصنع له موقعا وصفحة لأعماله وهكذا فالأمر أفضل كثيرا، وسيصبح أفضل فيما بعد بالطبع .

-كان لكل من الشاعر محمد كشيك والقاص سعيد الكفراوي مكانة متفردة في سرودك عن "الأيام الحلوة" فكيف تراهما يمثلان من قيمة ابداعية بعيدًا عما ذكرت في مؤلفك العميق؟ 

سعيد الكفراوي ككاتب للقصة القصيرة محور هام بين كتاب القصة القصيرة المصرية، وهو ممن أطلق عليهم جيل السبعينات في عملية قصد بها أن يظل جيل الستينات داخل السور وحده، بينما الحقيقة أن كل كتاب السبعينات سعيد الكفرواي وعبده جبير ومحمد المنسي قنديل ومحمو الورداني ومحمد المخزنجي.

 وأنا وغيرنا ابناء هزيمة 1967 وكلنا بدأنا بالقصة القصيرة لأنها كانت هي المتصدرة للمشهد في الستينات ونهايتها. كل منهم أخذ طريقه في القصة القصيرة بشكل مختلف في موضوعاته، وكل منهم وهذا هو المهم جدا كان يبني أبنية جديدة في الصياغة واللغة وهو نفس ماقاله الستينيون عن أنفسهم. وسعيد غاص فيما وراء الحياة العادية من موت وميلاد وشخوص عابرة تترك وراءها فراغا مذهلا رغم أنها شخوص عادية وفي قصصه الغرائب التي تحدثوا عنها أنها واقعية سحرية قبل أن يعرفها أحد في مصر. 

بعضنا انتقل إلي الرواية ليس لأنه زمن الرواية لكن المجتمع انتقل نقلة كبيرة إلى الحكي مع التغيرات الكبري في الحياة بعد حرب اكتوبر. أنا مثلا والمنسي قنديل وعبده جبير ومحمود الورداني بينما ظل سعيد مخلصا لمعماره في القصة القصيرة تماما كما فعل محمد المخزنجي. لذلك سعيد قيمة فنية كبيرة.

 الأمر نفسه بالنسبة إلي محمد كشيك، هو شاعر عامية لكن موهبته رقيقة جدا فكتب شعرا رائعا للأطفال كما أنه كتب نقدا ودراسات هامة لكتاب وشعراء كبار. 

ومحمد كشيك نموذج للكاتب متعدد المواهب وهذا نمط سائد في العالم لكن عندنا يحبون أن يربطوا بين الكاتب وفن واحد لكن عادة في الدنيا كلها تتجلي الموهبة في أكثر من مجال، لكن لتعدد تجليات موهبة كشيك لم يجد من يستطيع أن يبحث المشترك بين هذه التجليات للموهبة، فضلا عن أنه أيضا رغم توليه مناصب ثقافية هامة فلم يستغلها لنفسه أبدا بل فتحها للجميع من كل الأجيال، أي أنه أراد للثقافة بمعناها الواسع أن تتجلي فيما يتوليه من عمل، سواء في إدارة النشر بالثقافة الجماهيرية أو برئاسته تحرير مجلة الثقافة الجديدة بالثقافة الجماهيرية أيضا وهذا أمر نادر يدل علي روح صافية جميلة .

 -عن مساويء التربص والتهميش والنفي الآت من بعض اسماء جيل الستينيات في الكتابة وهؤلاء التي تعمدت ألا تذكرهم في كتابك، لماذا كان التعمد في عدم ذكر تفاصيل ما تسببوا فيه من مواقف وحوادث كنت تقابلها بسخرية بل بالعمل.؟

كما كتبت في الكتاب، في الإسكندرية في سنوات الشباب الأولي كانت البراءة حولي في كل من قابلت، كنا جميعا؛ مصطفي نصر وسعيد سالم ورجب سعد السيد وغيرنا نبحث عن منفذ في القاهرة العاصمة المركزية التي لا تبالي بمن هو خارجها.

 وحين أتيت القاهرة دخلت وسط المعمعة . وجدت صراعا خفيا وظاهرا بين الكتاب أسوأه هو حين يمارسه كاتب متنفذ في مكان ثقافي ما فوجدت أن من يتوقف عند ذلك سيضيع عمره هباء ورفعت لنفسي شاعر العالم واسع فسيح الأرجاء رغم أنه لم يكن واسعا كما هو الآن، لكن القاهرة أعطتني فرصة النشر في الخارج بسهولة وكانت ممقهي ريش مكانا يفد عليه كتاب عرب يديرون صحفا ومجلات ويتابعوننا وهكذا صرت لا اعاتب أحدا علي ما يفعله ابدا فالكتابة هي الباقية. 

وربما أعاتبه علي موقف منه إزاء غيري أما أنا فلا، وكما كتبت يوما علي الفيسبوك كنت أعود آخذ "دش" في الحمام ومع الماء الساقط من فوق جسدي يسقط كل ما رأيته وسمعته في المجاري. وحددت حياتي ببيت نظيف حسن الإضاء كما قال هيمنجواي وموسيقي اسمعها طول الليل وقراءة وكتابة.

ومع التقدم في الوضع الأدبي أسند إليّ اكثر من منصب ثقافي لكني سرعان ماتركتها لغيري حتي لا تضيع انفرادي بجمال الإبداع، صار عملي الرئيس هو أن أكتب قصة أو وراية وطبعا اقرأ كتبا عربية وأجنبية.

 وأشاهد المسرح والسينما ومعارض الفنون التشكيلية ليتسع العالم وتتسع الكتابة وقدراتي علي التعبير. واكتفيت بمتعة الكتابة عن أي متعة دنيوية وساعد عليها؛ لأني لم أسعي لجلب بالمال فالقليل جدا يكفيني ويكفي بيتي المهم الستر لا الثروة. 

وهكذا أعطيت وقتي للإبداع حتي أني رغم عمري الآن مندهش أن كتبي وصلت إلى 37 كتابا بينها 20 رواية وست مجموعات قصصية والبقية بين دراسات ومقالات وترجمة وطبعا لو نشرت بقية المقالات التي نشرتها وهي بالمئات لصارت ستين كتابا أو سبعين.

-كيف ترى الأجيال الجديدة ابداعيا وإنساني خاصة وأنت قاريء نهم لكافة المطروح أو المنشور أدبياً؟

الأجيال الجديد  مثيرة ورائعة. صحيح أن الكثيرين تحولوا إلى الرواية بحيث بدا الأمر مربكا، لكن بينهم أسماء هامة جدا في الرواية والقصة وستتقدم أكثر ورأينا بعضهم يفوز بجوائز مثل البوكر أو الشيخ زايد او كتارا أو جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية أو جزائز الدولة أو جائزة ساويرس وتعرف اعمالهم الطريق الي الترجمة مثلا. هذا طبيعي جدا وعلي أي كاتب عاقل أن يعرف انه وجيله ليسوا آخر الأجيال.

 والمهم أنني ادعو منذ وقت مبكر النقاد أن تجمع بينهم في دراسات عن المشترك بينهم في التجديد الأدبي وهذا حتي الآن لم يحدث بشكل يميزهم رغم أنهم متميزون عن غيرهم . معظم المقالات وهذا أيضا جميل عن أعمال منفردة . أتمني من النقاد وبالذات في الدراسات الجامعية أن يفعلوا ذلك . أقصد دراسة البناء في العمل الفني أكثر من المضمون . ما يميز الكتًّاب هو كيف يكتبون أكثر من ماذا يكتبون . 

 بعد أكثر من أربعة عقود في الواقع الثقافي والإبداعي.. ماذا يتبقى للكاتب بعد إبداعه ؟ 

أعجبتني من زمان مقولة لصنع الله ابراهيم حين سأله أحد عما يتوقعه بعد وفاته أطال الله في عمره فقال أنا لا يهمني إلا ماحديث في حياتي . وطبعا يقصد متعة الكتابة ووجود القراء وهذا ما أقوله . 

 عن الوجود والملاذ والخلاص والنشوة في متن عناوينك الروائية ، ماذا يتبقى من سلوى تعين الكاتب او المبدع على التفاؤل والإستمرار في تطويير ادواته في التجلي بمفاهيم الجمال والفن او العدل والحرية ؟

كما قلت لك متعة الكتابة تسري معي خاصة وأنا في كل رواية أغامر في موضوع جديد وأبني بناء مختلفا هو ابن مكان وزمان الرواية وطبيعة شخصياتها ولغاتهم ومشاعرهم . فالصدق الفني هو أن تكتب الرواية بلغات متعددة توافق تعدد شخصياتها . تجعلهم يظهرون في مواقف أكثر مما تحكي عنهم. لا تقدم لهم مقدمات طويلة تبرر أو تفسر أعمالهم لكن تأتي بعمل لهم يفسر آرائهم ومشاعرهم . هذه هي السلوي العملية وبعدها يأتي القراء الأحباء أكثر من أي شيئ ، والحمد لله لا يزالون ويزدادون. لي روايات طبعت طبعات كثيرة جدا ورغم أني ضد تزوير الكتب لكنها تزور بشكل واسع للاسف كما نشرت أعمالا منها عند أكثر من ناشر والكل يبيع منها ولا يشعر بالضيق لنشرها في مكان آخر .هذا هو الجمال . أما العدل والحرية فستظل مهما تقدم العالم ناقصة ومن ثم يبني الكاتب عوالمَ جديدة . أفلاطون حين كتب المدينة الفاضلة او جمهوريته منع دخول الشعراء اليها ولم يكن وقتها قصة قصيرة ولا رواية . كانت الملاحم والمسرحيات تكتب شعرا . لماذا منعهم أفلاطون ؟ لأنهم لن تعجبهم المدينة الفاضلة وسيتشوقون لمدينة أفضل .

 

عن الإسكندرية التليدة والمفجعة والحلم والهوى والطفولة والتي شكلت غالبية هواجسك في دوافع الكتابة عن الحب والموت والحياة، ماذا تببقى من سكندرية الكاتب ابراهيم عبد المجيد ؟

 كل سنة وانت طيب . لم يتبقِ إلا الذكريات. حتى الأصدقاء رحل الكثيرون منهم . لم يتبقي منها لي غير شخصيات رواياتي . لا المكان ظل علي حاله ولا الناس . ولا تقلب علي المواجع ياجميل .

 

المتابع بدقة لعلاقتك بالمدن، وحتى بعيد عن الإسكندرية يفزعه مسائل التوديع لكل الأمكنة وسيولة الزمن فيما يخخص ترحالاتك وموقفك حتى الوجودى من مفهوم المدينة فهل هناك المدينة الحلم التي لم تستوعب طموحات وجنوحات الكاتب عبد المجيد، أم أن حلمك يمثل يوتوبيا ليس لها هناك وجودا في الواقع، حدثنا فيي هذا الإطار؟ 

 جانب أكبر هو البحث عن يوتيوبيا . حتي رواية قصيرة مثل "قناديل البحر" تري فيها البطل وقد زار أكثر من مدينة في الشرق والغرب تقلبت ولم تعد تمثل حلما مستمرا، الحقيقة أن التشوهات التي تحدث للمدن معماريا وثقافيا هي سبب البحث عن يوتوبيا. في "الإسكندرية في غيمة" مثلا حين تضيع قصة حب "نادر" مع "يارا" وهو يري المدينة تتغير معالمها كل يوم إلي الأسواء يقول في الفصل الأخير الذي جعلته شعرا منثورا له فهو شاعر في الرواية، يقول أكثر من مقطع يوضح ذلك في صور شعرية حزينة منها مثلا " قال لي لماذا لا تترك الشاطئ ، لقد حل المساء ؟ قلت له هذه السفن البعيدة لا تكف عن الرحيل " أو مثلا " قال لي يرحل الناس وتبقي المدن . قلت له ماذا يبقي للناس إذا رحلت المدن ؟" وهكذا . المدن المفتوحة علي الفضاء التي ينعم أهلها بالحرية تحملك إلي الفضاء بينما العكس توقظ فيك المآساة . هناك اسطورة ظريفة تقول أنه حين قرر الإسكندر الأكبر بناء الاسكندرية طلب من المهندس دينوقراطيس الذي كان مشهورا بلقب البارع في الهندسة أن يرسم له المدينة علي الأرض بالحجر الجيري. 

ولم يجدوا حجرا جيريا قريبا منهم فرسمها له دينوقراطيس بالحبوب فاقبلت الطيور من السماء أكلتها . تشاءم الإسكندر لكن قيل له لا تحزن يامولاي هذه المدينة ستكون لكل البشر من العالم . ولقد حدث . عصر كامل امتد ستة او سبعة قرون كان يسمي العصر السكندري امتزجت فيه الثقافة اليونانية والرومانية فيما بعد بثقافة الاسكندرية التي كانت بها المكتبة والعلماء والجامعة التي كانت تسمي بالموسيون علي اسم الموسيات ربات الفنون.

و لكن بعد ذلك ومنذ الخمسينات بدأ خروج الاجانب ورفع شعار القومية العربية فتمت معاداتهم بلا تمييز ثم حدث التأميم وفي السبعينات هبط عليها الجراد في شكل الأفكار الوهابية والسلفية مع الفساد في التخطيط والعمران فامتلأت بالعشوائيات ألخ ما هو معروف، المدينة التي كانت ثقافتها وازياؤها وسلوك اهلها من البحر المتوسط وحضارته قائمة علي الحرية والاختلاف صارت ثقافتها من الصحراء .والمضحك أن أهل الصحراء في الجزيرة العربية الآن يتخلصون من ثقافة الصحراء وعينهم علي أوربا بينما نحن محلك سر .

 

-في غالبية رؤاك الكتابية وفي أعمالك الابداعية هناك تعظييم من علاقثة السينما والموسيقى بفن الكتابة فماذا مثلت لك تلك الثقافة البصرية والسمعية مع مشوارك مع الإبداع ؟ 

أنا من الجيل الذي يؤمن بوحدة الفنون . الكتابة الأدبية حقا لغة لكنها تنزع إلي تقديم صورة أكثر منها حديثا مباشرة . والصورة تجدها في السينما وتتابع أو تناقض المشاهد كما تجدها في لوحة صغيرة لكنها تعبر عن الكثير جدا بمادة رسمها وطريقة الفنان في استخدامها  وعمق المشهد سواء كان وجها – بورتريه – أو جسدا كاملا أو حتي خطوطا تجريدية وألوانا متوازية أو متصارعة أو مقبلة في مودة علي بعضها . كذلك المسرح في حركة الشخوص ودراما المشاهد وهكذا . السينما والفن التشكيلي هما أكثر ما أثر عليّ والموسيقي حققت لي الرغبة أن أبني بناء سحريا للرواية اختلف فيه عن غيري . أما الشعر وهو حبي الكبير أيضا فتعلمت منه أن شعرية الرواية تأتي من بنائها وليس من البلاغة التقليدية في اللغة . طموحي للقارئ أن يري كما يسمع .

-بعد سبعة وثلاثون عملا ابداعي مابين الرواية والقصة والترجمة والدراسات والمقالات كيف ترى الرحلة والوجود من حولك وماذا تقول للأجيال الجديدة في الكتابة ؟ 

 راضي بالرحلة فلقد استمتعت بما يكفي العالم حتي بالألم في الكتابة . اما الأجيال الجديدة فأقول لهم العالم واسع فسيح الأرجاء ولا شيئ جيد يضيع في الفضاء واسوأ شيئ للكاتب هو تعجل الشهرة . الشهرة تأتي من الأعمال وفيها تداخلات كثيرة علي رأسها الحركة النقدية ولا تثقوا كثيرا بالميديا فتنشرون اجزاء من أعمالكم تطلبون رأي القراء فيها . العمل أشبه بالتعبد في المحراب لا يشارك الكاتب فيه أحد . ما أراه من هذا النوع اشبه بتسليع الأدب فيخلو من روح كاتبه . العمل يصبح سلعة حقا بعد انتهاء كتابته في المعبد الخاص ونشره . بعد انتهاء الصلاة إذا جاز التعبير .

 بعد انتشار فيرس كورونا..  ليتك تحدثنا عن مؤثرات الأوبئة على فكر وعوالم واشكال الكتابة خاصة وانك قد استشرفت هذه الوقائع في روايتيك السايكلوب والعابرة؟

 الوباء ليس ضروريا ان يكون فيروسا . الوباء هو مايحل بالعالم من تغيرات تقتل ساكنيه في حروب لا معني لها أو سجون أو معتقلات أو فوضي وعشوائية في السلوك والبنيان . لذلك تجد في كثير من رواياتي رؤي أحزن لتحققها هي في الأصل خوف مما يأتي . يعتبرها الكتاب نبوءات ويفرحون وأنا لن احكي لك عما قلته في أكثر من رواية حتي قبل العابرة والسايكلوب ودائما أقول أنه ابن الاحساس بالغموض القادم أو المحيط بالأبطال . هذه نقطة . الثانية أري الكثيرين يتحدثون عن كتابات عن الكورونا يكتبونها . جميل لكن ماذا لو كتب كاتب عن شيئ آخر ولم يبالي بالكورونا ؟ هل يكون خارج السياق ؟ طبعا لا . الموضوعات تأتي إليك فلاتذهب إليها مسرعا لأنها ستكون متكلفة في الغالب . يمكن أن تعرف بإصابة الكثيرين بالكورونا ولا تكتب ويمكن للصدفة أن تضعك أمام شخص واحد فتجده مادة أدبية عظيمة . المسألة نسبية . والحمد لله أنها لم تصل في بلادنا إلي حد الوباء الذي يموت فيه الناس في الطرقات . يمكن لشخص لا يغادر البيت ويجلس في الشرفة يعزف لا يسمعه أحد أن يكون قصة جميلة . مثلا . للعزلة تجليات كثيرة كما للوباء .

 -عن يارا بطلتك الأثيرة في الاسكندرية في غيمة" ليتك تحدثنا عن مكانة المرأة في حياتك وإلى أى مدى كان تأثير الحب والفقد فيك؟ 

أنا ابن حي كرموز في الإسكندرية وهو حي كان فيه كثير من الفقراء أو البسطاء، وعشت وترعرعت كما يقولون في أحياء شعبية كنت أري فيها أكثر الفتيات والنساء مقهورات من الرجال، تري ذلك مجسدا جدا في رواية مثل "طيور العنبر" .

 من هنا بدا ميلي إلى تقدير المرأة. من ناحية أخري  الحب حياة والفقد إيقاظ  للحب الضائع . حتي لو كان في الفقد غُبنا وظلما لي فعند الكتابة الفن لايعرف الانتقا، فهو الفن غفران. فمابالك حين يكون الفقد بعد حب حقيقي أو حياة حقيقة ورفقة عظيمة.

 وهنا يتجسد الحب في كل سطور الرواية رغم حزن الفقد . كما أن روايات مثل "أنا كارنينا" أو "مدام بوفاري " أضافت لي حبا للمرأة كبيرا جدا أو ثلاثية نجيب محفوظ التي جعل فيها عائشة التي مات زوجها واولادها تجسيدا للعذاب الأبدي  . وافلام  مثل " صانعة الدانتيلا" لإيزابيل أوبير ، و" روعة علي العشب " لنتالي وود ووارن بيتي او حتي ذهب مع الريح  وغيرها جعلت للمراة مكانة روحية عظيمة عندي . الذي يكتب الحب في رأيي أفضل هو من عرفه وضاع منه.