رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة جديدة للمستشار محمد خفاجي توثق عدوان إثيوبيا على قواعد الأنهار (1- 7)

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى

طرح المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى  نائب رئيس مجلس الدولة المصرى، أحدث دراساته بعنوان: "مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل والاستقرار القضائى لمحكمة العدل الدولية توثيق لعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار".

وتأتي الدراسة التحليلية فى ضوء تدخل الأمم المتحدة فى النزاعات المائية النظيرة حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها، والمبادئ التى استنتها محكمة العدل الدولية فى وحدة المصالح للمجارى المائية لبيان عدوان إثيوبيا على  مياه نهر النيل، وهو الموضوع الذى توليه مصر موضع الأهمية القصوى ويشغل بال المجتمع الدولى ويؤثر على استقرار المنطقة بأكملها. ونظرا لما تعرضه إثيوبيا من مغالطات وجب تنوير الرأى العام العربى والعالمى بها وفقا لقواعد العلم والإنصاف، وسوف نعرض للجزء الأول من  هذه الدراسة فيما يلى: 

أولاً: الملء الثانى لسد النهضة الإثيوبى دون اتفاق أو تفاوض إحدى تحديات الساحة الدولية لمدى علو قواعد القانون الدولى ومدى فاعلية أجهزة الأمم المتحدة:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن الأنزعة المتعلقة بمياه الأنهار الدولية  من القضايا التى شغلت بال المجتمع الدولى فى مختلف قارات الدنيا، وتترتب عليها  فى العصر الحديث  إعادة توزيع خريطة القوى السياسية في مناطق الأحواض النهرية بل لا نبالغ فى القول بأن المياه أصبحت من وسائل الامتيازات السياسية فى الدول المتشاطئة. 

ويضيف أن أزمة سد النهضة الإثيوبى بالملء الثانى للسد دون اتفاق أو تفاوض مع الدول المتشاطئة والإضرار بالحقوق المكتسبة لمصر فى مياه نهر النيل يمثل أحد التحديات على الساحة الدولية تبين مدى علو قواعد القانون الدولى فيما يتعلق بحقوق الدول المتشاطئة فى النهر الدولى، وفى ذات الوقت بيان مدى فاعلية أجهزة الأمم المتحدة فى مسألة سد النهضة الإثيوبى رغم مواجهتها على مدار تاريخها لأزمات وقضايا مشابهة فى التصرفات الأحادية، وتم إرساء قيم المساواة لدول المنبع والمصب معا دون انفراد الأولى بأية إجراءات إحادية دون تفاوض أو اتفاق.

ثانيًا : أحكام محكمة العدل الدولية تساوى دولة المنبع مع دولة المصب فكلتاهما شريكتان فى ملكية النهر ولا يجوز لإحداهما أن تنفرد بتصرف أحادى الجانب دون تفاوض أو اتفاق

يقول خفاجى إن محكمة العدل الدولية لعبت دورًا رئيسيًا في تقرير العديد من المبادئ القانونية التى حمت تهديد الأمن والسلم الدوليين بحلول عادلة منصفة بين الدول أهمها ضرورة تحلي دول المجرى المائي بحسن النية وأن دولة المنبع تتساوى مع دولة المصب، فكلتاهما شريكتان فى ملكية النهر بما لا يجوز معه على إحداهما أن تنفرد بتصرف أحادى الجانب دون تفاوض أو اتفاق حول كل المشروعات التى تمس النهر الدولى، وبروح التعاون وصولا للمصالح المشتركة بينهم بحسبان أن المجرى المائي كل لا يتجزأ ووحدة واحدة لا تقبل الإضرار أو الإنقاص، وأن النظرة السليمة تقتضى تحقق مصالح دول الحوض  بتحقيق وحدته، ومن ثم تختفى التوترات والمنازعات، مع إعلاء شأن أسس التنمية المستدامة والإدارة الواعية  المتكاملة للمجرى المائى التى تستلزم خضوع الدول وانصياعها لمبدأ عدم الإضرار بالغير.

ثالثًا: الأمم المتحدة واجهت أزمات مشابهة لسد النهضة الإثيوبى فرضت فيها قواعد الإنصاف للحياة المشتركة للدول المتشاطئة دون إضرار أو إنقاص:

يذكر الدكتور محمد خفاجى أنه بدافع وطنى مخلص تعرض لتصرفات منظمة الأمم المتحدة تجاه الأزمات المشابهة لسد النهضة الإثيوبى، ولم تكن فيها حقوق تاريخية مكتسبة منذ آلاف السنين كمصر، فرضت فيها المنظمة الدولية قواعد الإنصاف للحياة المشتركة للدول المتشاطئة دون إضرار أو إنقاص، وبتتبع أحكام محكمة العدل الدولية سواء فى ظل عصبة الأمم أو فى ظل هيئة الأمم المتحدة، وسواء فى ظل التحكيم الدولى أم فى ظل أحكام المحكمة الدولية التى استنت فيها عدة مبادئ قانونية دولية ساهمت فى تطور القواعد المنظمة للأنهار الدولية ليبين فى النهاية مدى عدوان الجانب الإثيوبى على نهر النيل وحقوق مصر التاريخية المكتسبة وأيضا حقوق السودان الشقيق. 

رابعًا: المواثيق الدولية تناولت مبدأ الاستخدام المنصف و المعقول بعدم المساس بالحصص المائية 

يقول خفاجى إن مبدأ الاستخدام العادل؛ يأتى على القمة من المبادئ الأصيلة في القانون الدولي للأنهار الدولية، وطبقته العديد من الاتفاقيات بين الدول من أهمها الاتفاقية المبرمة بين الهند وباكستان بشأن نهر الهندوس عام 1960 والتي بموجبها تم  تقسيم الحصص المائية بين الدولتين، وأن الدول المتشاطئة  تهدف إلى الاستخدام الأقصى للمجرى المائي الدولي للانتفاع به بتقسيم الحصص المائية، وهو ما يقترن بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول ولكل منهما مدلوله الخاص رغم ارتباطهما ببعضهما البعض ارتباطا وثيقا لا يقبل التجزئة. فالاستعمال المعقول يعنى الاستخدام الرشيد الذي يؤمن للدول المتشاطئة  تجنب فقد المياه أو الانتقاص منها، أما  مفهوم الإنصاف فيعنى الاقتسام المتساوى لحق استخدام المياه تحقيقا للأغراض النافعة .

 ويضيف أنه للدلالة على أهمية  مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول تناولته العديد من المواثيق الدولية من خلال  اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المياه في غير الأغراض الملاحية لعام 1997  وقواعد هلسنكى لعام 1966 وقواعد برلين لعام 2004 فضلا عن  اتفاقية هلسنكي لحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية لعام 1992، التى اعتمدتها الدول الأعضاء في اللجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة وتتعلق باستخدام المياه العابرة للحدود السطحية والجوفية بشكل معقول ومنصف، وأن تكفل الإدارة المستدامة لهذه المياه. 

خامسًا: مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول لمياه الأنهار العابرة للحدود يمس الحاجات الحياتية للشعوب ويحفظ النظم الإيكولوجية للمياه:

يوضح الدكتور محمد خفاجى أن البلدان المشاطئة تلتزم للمياه ذاتها العابرة للحدود بالتعاون فيما بينها وحفظ النظم الإيكولوجية للمياه العذبة والبلدان المجاورة، وعلى هذا النحو فإن مفهوم الاستخدام العادل والمعقول لا يعنى إهدار مصلحة باقى الدول المتشاطئة، وهو ما يتضح من لفظ التنمية المستدامة  التى حرصت القواعد الدولية على إضافتها بما يضمن مراعاة حقوق كافة الأجيال فى  الحاضر والمستقبل.

ويضيف: يرى جانب كبير من الفقه الدولى أن مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول لمياه الأنهار الدولية المشتركة يقوم على اعتبارات حسن النية وحسن الجوار، ومع ذلك يرى نفر من الفقه الدولى أن فكرة اعتبارات حسن النية وحسن الجوار، تثير صعوبات  فى التطبيق العملي بسبب غموض التفرقة فيما بين الضرر العادي أو المضار المألوفة الخاضعة لعلاقات الجوار، وبين الضرر الجوهرى أو الجسيم  الذي  يتجاوز حسن النية وحسن الجوار بما يمس الحاجات الحياتية للشعوب التي تعتمد على تلك المياه لذا استخدمت لجنة القانون الدولي اصطلاح الضرر الجوهري في مفهوم واقعي موضوعى.

سادسًا: مخالفة قاعدة عدم التسبب في الضرر لباقي دول النهر تحقق المسئولية الدولية تجاه الإخلال بنظام الحصحصة:

يشير نائب رئيس مجلس الدولة إلى أن مبدأ عدم إحداث ضرر لباقى دول النهر يعد من أهم مبادئ استخدام الأنهار الدولية  يكمل  مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، كما نصت على ذلك المادة السابعة من الاتفاقية الدولية لقانون استخدام المجاري المائية في غير الأغراض الملاحية لعام 1997 حيث تعرف قواعد القانون الدولى ما يسمى بالاستعمال البريء، أو قاعدة عدم التسبب في الضرر لباقي دول النهر، ومن ثم  تفادي الأضرار  الناجمة  على الاستخدام المشترك للنهر الدولي، وحينما تتسبب دولة ما فى إحداث الضرر بدولة أخرى فإنه تتحقق مسئوليتها الدولية كما لو ارتكبت فعلًا ماديًا أدى إلى إنقاص نصيب دولة متشاطئة أخرى من حصتها فى المياه .

سابعًا: لا يجوز لدولة المجرى المائي أن تتخذ أي عمل (فيضان أو إنقاص) يؤثر على الحقوق التاريخية ومصالح  الدول المتشاطئة

يقول الدكتور محمد خفاجى إنه لا يجوز لدولة المجرى المائي  أن تتخذ أي عمل أو تصرف من شأنه التأثير في الحقوق التاريخية والمصالح  للدول الأخرى بغير رضاها، كما لا يجوز لها  أن  تتسبب  في إحداث فيضان أو إنقاص كمية المياه من  حصص الدول الأخرى، وأية دولة تخرج على مبدأ الاستعمال البريء تتحمل كامل المسئولية الدولية. والمسئولية الدولية تتحقق عن الإضرار بالغير وهى قاعدة قضائية أنشأها  حكم محكمة العدل الدولية الصادر عام 1949 فى قضية مضيق كورفو، ثم تلقفه المشرع الدولى ونصت عليه المادة السابعة من الاتفاقية الدولية للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية عام 1997 التي  أوجبت على الدول عدم التسبب بأضرار جسيمة  للدول الأخرى عند استخدام المجرى المائي الدولي.