رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد القصبي يكتب: حلمنا في جاردينيا لن يحققه أمين غنيم وحده!

محمد القصبي
محمد القصبي

زمان.. حين حجزت قطعة أرض  في القاهرة الجديدة لبناء منزل صغير لأسرتي أتذكر أن صديقاً لي صاح في ذهول: انت اتجننت يا قصبي.. تترك مدينة نصر وتروح تعيش في صحرا!!!

قلت له في ثقة: الصحرا دي بعد سنوات هتبقى المدينة الفاضلة.. مش مسألة مباني جميلة وبس.. لأ عالم تاني بنفتقده في كل مصر.. هناك.. محدش  هيرمي عقب سيجارة في الشارع.. محدش هيلطع واجهة بيته بأي لون.. سمك.. لبن.. تمر هندي.. محدش هيأجر بيته غرزة ويزعق بيتي وأنا حر فيه.. الكل بيحترم الكل.. طرق نظيفة وخضرة في كل مكان.

والموظفين هيؤدوا شغلهم بما يرضي الله. .مفيش فساد.. مفيش تعقيدات.. مفيش مر علينا بكرة يا سيد.

لم يرد صديقي.. لكني أتذكر نظرته الغريبة لي.. أظن أن ترجمتها الوحيدة – أد أيه يا قصبي انت  ساذج وأهبل!!!

في أكتوبر 2019 انتقلت إلى سكني الجديد في المدينة الفاضلة..  جاردينيا هايتس بالتجمع الثالث لأفاجأ بشارع مجاور يغرق في  المياه.. ليس شارعاً واحدا.. العديد من شوارع المنطقة.. جاري يفجعني: هذا حال المنطقة من شهور.. جار آخر يهمس في أذني: الشبكة لسه جديدة وزي ما أنت شايف.. البرايز والمواسير ضاربة.. الفساد يا بيه!  محدش عنده ضمير..!

 ما روعني أن غضب الناس من هذا "الفساد" يكتفون بالتعبير عنه فقط بالهمس في مجالسهم الخاصة!!.. جار واحد فقط تجاوز الهمس واتصل بمهندس الشبكة "ع" أكثر من مرة وفي كل مرة يتلقى وعدا بإصلاح الشبكة.. دون جدوى!

أسرعت بالاتصال بـ"ع" هذا.. ولم أحظ منه بأكثر مما حظى به جاري من وعود !

لذت بقلمي.. كتبت مقالا في الحوار المتمدن "الموقع العالمي للمثقفين العرب" وكان هذا عنوانه: هل يزور الرئيس السيسي منطقة أبو الهول 3 ؟!!

"وأبو الهول هو الاسم السابق للمنطقة قبل تغييرها إلى جاردينيا هايتس".

قلت ساخراً أن إيقاف نزيف المياه في شوارع أبو الهول لن يتم إلا بإعلان من رئاسة الجمهورية

أن الرئيس سيزور القاهرة الجديدة.. منطقة أبو الهول 3 تحديداً.. خلال دقائق سنجد نصف مجلس الوزراء  مجيشا هنا! وخلال ساعات تصبح أبو الهول 3 أجمل مدنك يا مصر!!!

سريعاً تم إصلاح شبكة المياه وتجفيف الشوارع من نزيف المياه المستمر منذ شهور؟

ليس بزيارة الرئيس السيسي للمنطقة..

بل من خلال رئيس جهاز القاهرة الجديدة الجديد مهندس أمين غنيم الذي روعه ما يحدث حين هاتفته.. وقال لي بحزم أنه سيتم محاسبة المسؤول.. وختم المكالمة بوعد: خلال أسبوعين  سيتم إصلاح الشبكة ..

أتذكر أنه لم يلتزم بوعده ..أتذكر أنه قبل انقضاء الأسبوعين..  تم إصلاح الشبكة في كافة الشوارع!!

هل وجود مثل أمين غنيم على رأس جهاز القاهرة الجديدة يعيد النضارة إلى حقول التفاؤل بداخلي من إمكانية تحول جاردينيا هايتس إلى مدينة فاضلة ؟

ومسؤولون آخرون من خلال تعاملي معهم مثل مهندس أسامة عقل رئيس الحي ، أو أتابع ما يبذلونه من جهد مثل مهندسة سلوى بيومي رئيسة جهاز التجمع الثالث التي لا تتردد لحظة واحدة في إظهار العين الحمرا لكن من تسول له نفسه أن يخالف أيا كان ومهما كان،

هذه النوعية من المسئولين لا يؤدون مهامهم لأنهم موظفون.. يحصلون على مرتباتهم آخر كل شهر.. بل لأنهم مصريون يقاتلون بشراسة من أجل بناء مصر جديدة ..مصر  الجمال والرقي والتحضر!

هل أشعر بالاطمئنان لوجود هؤلاء في غرف صناعة القرار بالقاهرة الجديدة ..

نعم..

لكن وجودهم وحده لا يكفي !  كما أن أيا منهم مهما كان أداؤه مثاليا.. فبعد عام.. عامين.. عدة أعوام سوف ينقل إلى موقع آخر.. وقد يحل مكانه من يفتقد إلى روح المقاتلة تلك..

منذ أسبوعين فوجئنا بصراخ يصدر ليلا من الفيلا الملاصقة لجار لي ..لنكتشف أن صاحبها قام بتأجيرها كمركز لمعالجة الإدمان..

كثير من الجيران تعاملوا مع الأمر بسلبية.. وكالعادة همسا في مجالسهم الخاصة مع تبتيل همسهم بالقول مثلا أن صاحب الفيلا "مسنود" ! ..لكن آخرين مثل د. سعيد أبو الفتوح  و عميد نادر دياب.. وغيرهما أدركوا خطورة ما يجري.. خلال ساعات تجيشنا والتقينا بالمسئولين عن المركز.. واجتمعنا أكثر من مرة مع مهندس أسامة عقل رئيس الحي.. الذي توجه معنا على الفور إلى المقر ..وطلب المسئولين عن المركز ،وأبلغهم بضرورة الإغلاق ..

كان لدى هذه النوعية من السكان ما يكفي من الوعي  ليدفعهم إلى التوحد حول ذات الرؤية: تلك منطقة سكنية ، طبقا للعقود التي وقعناها مع الجهاز ،ولن نسمح بأي مخالفة لما ورد في العقود..

هل موقفنا هذا كمواطنين أثار استياء رئيس الحي؟  بل كان دعما قويا له  كمسئول ..!!

ليس في مواجهة تلك المخالفة ،بل عشرات المخالفات الأخرى بالمنطقة التي معا سنتصدى لها بصرامة.

تسألني زوجتي : وأين اتحاد المنطقة ؟

سؤال زوجتي يفجر بداخلي أوجاعي : عضو أنا في اتحاد كتاب مصر.. وفي نقابة الصحفيين ..وأحد مواطني هذا البلد البسطاء.. ولا شيء سوى المرار ينضح من خلال متابعتي.

للانتخابات ..أي انتخابات .. اتحاد الكتاب.. نقابة الصحفيين.. كل النقابات.. البرلمان.. حتى انتخابات مجالس آباء كي جي ون.. البعض يخوض معركة الانتخابات فقط  للوصول إلى كرسي هو عبارة عن دبوس ذهبي يزين به الكرافتة التي يرتديها.. ديكور اجتماعي ووجاهة وتسهيل دخول مكاتب المسئولين ..

أهذا حال اتحاد سكان جاردينيا هايتس؟ عضوية الاتحاد بالنسبة لأي منهم مجرد دبوس ذهبي في الكرافتة؟

خلال محنة المياه "وفي مجتمع يعاني من عجز يبلغ أكثر من 21 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. يصبح إهدار قطرة واحدة محنة.. بل جريمة!"

طرقت أبواب بعض أعضاء الاتحاد ..مرارا ..ولا شيء سوى الصمت والسلبية!!

مثل هذه الشرائح في كل أنحاء مصر يقينا  تدمي قلوبنا بسلبيتها.. بزنزنة طموحاتهم من وراء العمل العام في مجرد كرسي يقاتلون للوصول إليه ليكون مجرد دبوس ذهبي في رابطة العنق.. لكن في مقابل هؤلاء ثمة مواطنين في جاردينيا ..في غير جاردينيا على وعي كامل بمعنى الانتماء للمكان ..للوطن.. هؤلاء لا يتوانون عن فعل أي شيء في إطار القانون للارتقاء ببيئتهم.

أتذكر في ختام لقاء جمعني مؤخرا مع بعض سكان المنطقة قلت بحماس أن الأمر لو تطلب مني أن أمسك المقشة وأنظف شوارع المنطقة فلن أتوانى عن ذلك!

كنت أظن أنني  بقولي هذا سوف أثير استغرابهم.. امتعاضهم..

لكنهم فاجأوني ..هذا حالهم أيضا ..كل مستعد أن يفعل أي شيء ..حتى أن يمسك مقشته وينظف الشوارع..

وكما قال جاري عميد نادر دياب: كل منا باع كل ما يملك وجاء إلى هنا حالما ببيئة جديدة.. أكثر رقيا وجمالا وتحضرا ..

نعم هو حلم جاردينيا هايتس الجمال والتحضر والعلاقات الإنسانية الراقية.. حلم جدير بأن نقاتل وبدعم من المسئولين  من أجل تحقيقه ..حلم جدير بأن نتكاتف في مواجهة أي جار أو مقاول يشرنق كل طموحه في اقتناص بضعة آلاف.. حتى لو كان المقابل تشويه المنطقة بثقافة القبح والعشوائية التي اعتاد عليها.

لن نسمح بهذا !!