رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

موازين القوى 2013


كان اندلاع الصراع فى جنوب السودان أمرا متوقعا وإن حدث فى نهاية العام وخطورته فى أنه يزيد الموقف تعقيدا فى جنوب النيل واحتمال تأثير ذلك فى مياه النيل والمشروعات المحتملة هناك، كما أنه لا شك ينعكس على العلاقات بين مصر والسودان وجنوبه.

ها هو عام 2013 يتجه إلى الرحيل بما له وما عليه، والمؤكد أنه لا يذهب كما جاء، فقد جلب تغييرات مهمة فى العالم، وبخاصة فى موازين القوى سواء منها العالمية أو الإقليمية أو المحلية، وعلينا أن نستعرض ما جرى لا لنسجله، ولكن لكى نستفيد منه باستخلاص ما علينا أن نفعله فى عام 2014 الذى يرى البعض أنه عام الحسم، أى أن مصائر كثيرة ستتحدد فيه، وأن تتراكم التأثيرات السابقة واللاحقة فيه لتشكل أوضاعا جديدة.

ربما كان إنهاء حكم الإخوان فى مصر بتعبير الشعب عن رفضهم فى 30 يونيو و26 يوليو وأثره فى الإقليم، وداخليا أهم حدث فى مصر، فقد كان الأمر قد وصل إلى حد لم يعد مقبولا استمراره إلى حين انتهاء فترة رئاسة الدكتور محمد مرسى، وكان الانتظار يعنى مزيدا من الخراب والتخبط، ويكفى أن نتذكر أزمات حصار المحكمة الدستورية بعد صدور الإعلان غير الدستورى فى نوفمبر 2012، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وإضراب الفنانين فى وزارة الثقافة، وأزمات السولار والبنزين والبوتاجاز، بالإضافة إلى أحداث محيط الاتحادية لكى ندرك كيف أن الأمر لم يكن قابلا للاستمرار. كان انضمام القوات المسلحة للشعب هو الذى حسم الأمر بعد عناد الدكتور مرسى وعصابته وهو ما أثار حفيظة الجماعة وأهله وعشيرته، ودفعهم إلى الاعتصام غير السلمى فى رابعة العدوية وميدان النهضة واحتكاكهم بالحرس الجمهورى ورفضهم الإذعان لطلبات فض الاعتصام، وهو ما دفع الشرطة والقوات المسلحة إلى استعادة النظام بفضه بالقوة وما تبع ذلك من أعمال عنف استمرت وتستمر حتى بدايات العام الجديد. وهكذا تغير ميزان القوى فى مصر تغيرا جذريا وكان له أثره الإقليمى والعالمى، حيث أدى إلى إرباك القوى التى اعتمدت عليهم خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل وعناصر عربية أخرى.

كانت أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا قد برزت قبل 30 يونيو، وظهر فيها فشل حكم الإخوان فى علاج الموقف، وبخاصة بعد المؤتمر الذى جرى بثه على الهواء بين الدكتور مرسى ومعاونيه ومستشاريه، واستمرت الأزمة نتيجة عناد إثيوبيا وعدم تعاونها، حيث ترفض ملاحظات اللجنة الدولية، وهو ما يضع مصر فى وضع خطر فيما يتعلق بمياه النيل التى تمثل مصدر الحياة فى مصر. وقد أبدت مصر قدرة على التحرك من خلال التفاوض مع الكونغو لتحويل مياه من نهر الكونغو إلى النيل، بما يمثل بديلا مهماً، وإن ظل سد إثيوبيا يمثل خطرا على مصر نتيجة موقعه الخطر.

تعتبر زيارة وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان لمصر وتوقع صفقة أسلحة روسية لمصر من أهم التغيرات فى الموازين، إذ إن قوة البلدين تختلف كثيرا بتعاونهما عما قبل هذا التعاون، فروسيا تشكل مجالا يمكن لمصر التحرك فيه لم يكن متوفرا نحو أربعين سنة ماضية، كما أن روسيا بانفراجها على مصر يتغير وضعها الاستراتيجى جذريا، بل إن الوضع العالمى يتغير تماما بالوجود الروسى القوى فى البحر المتوسط من خلال كل من سوريا ومصر، وتشكل صفقة الأسلحة الروسية لمصر بتمويل خليجى طفرة فى العلاقات بين البلدين، ومؤشرا على أن هناك مصادر يمكن لمصر التعامل معها فى حال لم تجد ما تريد لدى آخرين.

توقيع اتفاق بين إيران ودول 5+1 وخاصة الولايات المتحدة يشكل تغييرا شديد الأهمية على المستويين الإقليمى والعالمى، فرغم أن الاتفاق ناجم عن ضغوط شديدة على إيران، إلا أنه مرشح لإنهاء التوتر بين البلدين بعد ستة أشهر من توقيع الاتفاق، وقد احتفظت إيران بحقها فى تخصيب اليورانيوم وهو تطور مهم يمكن البناء عليه، كما أن الاتفاق يفقد إسرائيل مساندة أمريكية كانت ضرورية لها فى حال محاولة توجيه ضربة إلى المشروع النووى الإيرانى، وإذا تحقق التعاون الأمريكى الإيرانى فإن هذا سيشكل تطورا نوعيا مهماً فى العلاقات الدولية فى المنطقة وفى العالم. كانت أزمة الأسلحة الكيميائية فى سوريا إحدى المحطات التى كان من الممكن تبدأ صراعا مسلحا فى المنطقة وكان البعض يسعى إليه بشدة، بينما لم يجد تأييد من كثيرين آخرين، وتراجعت الولايات المتحدة عن ضرب سوريا وكان هذا مؤذنا بتراجعها عن وضع شرطى العالم أو القطب الأوحد، وفى نفس الوقت عودة روسيا كلاعب أساسى على المستوى العالمى وفى منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط.

■ خبير سياسى وعسكرى