رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثم تحالف الإخوان مع نتنياهو



بالإكراه، أو بعد معركة متداخلة متعددة الأطراف، سيفوز بنيامين نتنياهو، ٧١ سنة، بولاية سادسة، حتى مع عدم حصول «حزب الليكود» والأحزاب القريبة منه، على أغلبية واضحة. والبديل أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلى المزمن، أمس الأربعاء، فى حسابه على تويتر: الذهاب إلى انتخابات جديدة، إذا لم تتشكل حكومة مستقرة برئاسته. لكن الأرجح هو أنه سيتمكن من إكمال الـ٦١ مقعدًا اللازمة لتشكيل الحكومة، بالأصوات الخمسة، التى حصل عليها فرع «جماعة الإخوان» فى الأرض المحتلة.
الفرز ما زال مستمرًا، وقد تظهر النتائج شبه الرسمية مساء اليوم، الخميس، أو صباح الغد. أما المتداول الآن، فهو نتائج فرز حوالى ٩٠٪ من الأصوات، ونتائج استطلاعات الصناديق النموذجية التى وضعتها شركات خاصة تابعة للقنوات التليفزيونية الإسرائيلية، بالقرب من صناديق الاقتراع الفعلية.
كما كان متوقعًا، حصل حزب الليكود على ٣٠ مقعدًا. وصدقت التوقعات أيضًا بشأن انخفاض نسبة تصويت الناخبين الفلسطينيين «عرب ٤٨»، الذى تم إرجاعه إلى شعورهم بالإحباط، نتيجة انقسام «القائمة العربية المشتركة» إلى قائمتين: الأولى يرأسها أيمن عودة والثانية تابعة لمنصور عباس، وكان سبب الانقسام هو اقتراب الأخير من نتنياهو أو تحالفه معه، الذى برره بأن حركته، «الحركة الإسلامية الجنوبية»، تحاول سلوك طريق جديد لخدمة الناخب العربى وطموحاته!
منصور عباس، طبيب أسنان، كان يوصف بأنه سياسى مبتدئ، حين خاض انتخابات الكنيست الإسرائيلى لأول مرة، منذ سنتين، لكن بعد ثلاثة انتخابات متتالية، تمكّن من استغلال حالة الفوضى السياسية وانهيار التحالفات التقليدية، وخلق فرصة لحزبه، حزب «الحركة الإسلامية الجنوبية»، التى انشقت سنة ١٩٩٥ عن «الحركة الإسلامية» التى أسسها رائد صلاح، وظلت تمارس نشاطها حتى أصدرت الحكومة الإسرائيلية فى ١٧ نوفمبر ٢٠١٥، قرارًا بحظرها.
خلال العامين الماضيين، خاضت الأحزاب العربية الانتخابات بقائمة واحدة، وحصلت فى انتخابات مارس الماضى على ١٥ مقعدًا. ومن المتوقع أن تحصل بعد انقسامها على ١١ مقعدًا بالكنيست القادم، خمسة منها للحركة الإسلامية، سرعان ما طرحها منصور عباس فى المزاد، خلال حديث إذاعى، بإعلانه عن رغبته فى الاتصال بالطرفين، نتنياهو وخصومه، بحثًا عن «الاندماج والتأثير ورفع النشاط البرلمانى إلى نشاط حكومى». وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن عباس سيلتقى نهاية الأسبوع مع يائير لبيد، رئيس حزب «ييش عتيد»، أو هناك مستقبل، الذى حل فى المرتبة الثانية، بعد الليكود، فى الانتخابات الحالية.
هذا المزاد، أو اللقاء الذى جاء فى سياقه، لن يكون أكثر من محاولة للحصول على سعر أعلى. وليس صحيحًا ما ذكرته جريدة «فاينانشيال تايمز»، فى تقرير، بأن عباس يمكنه أن يصبح «صانع ملوك» أو طرفًا حاسمًا بين أولئك الذين يريدون نتنياهو رئيسًا للوزراء، وأولئك الذين تعهدوا بإخراجه من السلطة. إذ يقول الواقع إن هناك علاقة عضوية ومصالح قوية بين الحركة الإسلامية والكتلة اليمينية التى يمثلها نتنياهو، إضافة إلى أن بقاءه فى السلطة سيضمن استمرار سيطرة «حركة حماس» الإخوانية، على قطاع غزة. والإشارة هنا مهمة إلى أن «حماس» لم تخض انتخابات ٢٠٠٦، الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، إلا بطلب أو بأمر أمريكى، أى إسرائيلى، نقله إليها أمير قطر السابق، وكشف عنه ولده «تميم» فى حوار مع «سى إن إن».
الجماعات والتنظيمات الإسلامية، أو التى تصف نفسها بذلك، مرشدها واحد، ولا يتردد أعضاؤها فى فعل أى شىء لتحقيق مصلحة الجماعة الأم: جماعة الإخوان. وعليه، لم يكن غريبًا، أن يتطاول منصور عباس، فى فبراير الماضى على الأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، وأن يصفهم بالـ«مخربين» خلال حديث للقناة الـ«١٢» الإسرائيلية، نفى فيه زيارته إلى السجن ولقاءه بهم، بينما أقر بأنه التقى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى السابق لحركة «حماس»، فى إطار «مبادرة السلام الدينية» بالمشاركة مع الحاخام ميخائيل مالكيئور، نائب وزير التعليم الإسرائيلى السابق!
من غير المتوقع، كما أشرنا، أن يحصل حزب الليكود والأحزاب القريبة منه على أغلبية واضحة فى الكنيست. لكن باعتباره صاحب أعلى الأصوات، سيتم تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة جديدة، فى وجود رهانات على سيناريوهين آخرين: نجاح الكتلة المعارضة فى تشكيل حكومة بديلة، وهو احتمال ضعيف، لأن هذه الكتلة غير متجانسة سياسيًا وتختلف بشكل كبير فى مواقفها السياسية. أما السيناريو الثانى فهو الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد عدة أشهر. وغالبًا، سيتحقق السيناريو الأول بأصوات «الحركة الإسلامية» الخمسة.
.. وأخيرًا، تكون واهمًا لو انتظرت أداءً مختلفًا لجماعة الإخوان، بمختلف فروعها وأذرعها وأشكالها، بعد أن قال الواقع، آلاف المرات، إن ما تعلن عنه شىء، وما يحدث على الأرض شىء ثالث. وأن ما يفصل بين الشيئين، أى الشىء الثانى، هو مساحة للكذب تبررها شريعة «الجماعة الأم» التى لا حرام فيها إلا ما تراه «الجماعة» كذلك.