رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الافتئات والقتل


حقق ٤ من القتلة حلم السيد حازم صلاح أبوإسماعيل- الإرهابى المسجون- الذى طالب بخلق كيان يسمى «الشرطة المجتمعية»، ونفذ بالفعل مجرم يُدعى «الشيخ وليد» ما نادى به الإرهابى السجين بقتله طالب كلية الهندسة الذى كان يجلس مع خطيبته فى مكان عام فى مدينة السويس.
لقد قام ٤ مجرمين باقتحام وكسر باب بيت تقطن فيه مواطنة كاملة الأهلية، وبالتالى اقتحام حرمة وخصوصية بيت تلك المواطنة والشجار معها وضربها هى ومن معها ثم إلقائها من الدور السادس لتلفظ أنفاسها فى الحال، قتلوها وكأن لا قانون ولا شرطة ولا جهات مختصة أو منوطة يتم الالتجاء لها إن لزم الأمر.
فقامت تلك الجهات بالقبض على هؤلاء القتلة، وهم الآن رهن التحقيق لارتكابهم جريمة نكراء يعاقب عليها القانون، إذ قتلت مواطنة على أرض وطنها وزُج بها من شرفة منزلها لأن القتلة يرون أنها تستحق القتل.
القتلة يعتقدون أنهم حراس الفضيلة والحاكمون بأمر الله أو الآمرون بأحكام الله.. المتطوعون والحشريون الذين دفعهم الزج بأنفسهم فى شئون الغير لارتكاب جريمة، وصار- بل تحول- تدخلهم فيما لا يعنيهم لجريمة قتل حتمًا سينالون عقابهم عليها، لقد عوقب ورُدع مَن اغتصب طفلة البامبرز فى المنصورة، ومَن قتلوا الطفلة «جنة» بعد الاعتداء الجنسى عليها، وقبض على المتحرش بطفلة المعادى، ويحاكم الآن القتلة الأربعة.
فالقانون يقف لكل هؤلاء المجرمين بالمرصاد، ولكن ماذا عن نظرة المجتمع وردود أفعال المواطنين على تلك الجرائم؟ هذا هو حقًا الشىء المخيف الذى يجب الوقوف عليه ودراسته بل أرى وجوبية محاكمة هؤلاء.. فمَن يبرر أو يحرض على الجرائم يكون حتمًا شريكًا فيها، ويعنى ذلك بالتبعية أنه بإمكانه ارتكاب مثلها من الجرائم إن سنحت له الظروف، أو إن توافرت لديه نفس الظروف والملابسات أو حتى ظروف مشابهة لتلك الواقعة أو تلك الوقائع فسيقدم مَن برر ومَن حرض على ارتكاب نفس الفعل وهو القتل، وللقتل دومًا وللأسف ما يبرره ومن يجيزه ويبيحه ويستبيح بذلك أرواح الناس وحرمة بيوتهم.
فعندما قتل الإرهابيون فرج فودة هلل البعض لذلك وبرر البعض ذلك، ولذلك ما زال القتل مستمرًا اتكاءً على ذات الأسباب والذرائع، فدائمًا رداء الفضيلة والتذرع بالشريعة والثأر للشرف والعرف والتقاليد هى مبررات القتل.
ورغم محاربة الدولة قضايا الثأر والشرف فى الصعيد لسنين طويلة، ربما منذ أن قتل متولى شقيقته شفيقة، وتسعى الجهات القضائية لاستبدال جلسات الصلح العرفية بالمحاكمات من أجل سيادة القانون، إلا أن كثيرًا من أفراد المجتمع لا يعترفون بالقانون وسيادته، ولا يعرفون أو يعترفون بفكرة الدولة فى المطلق، ويمارسون الافتئات على السلطة بمنحهم لأنفسهم سلطة تعلو فوق كل السلطات وقانونًا يعلو فوق أحكام وسيادة القانون.
هكذا يفعل القتلة وهكذا فعل الإرهابيون، فكلاهما قتل وأرهب وارتكب جرائم ثم ساق المبررات والحجج بتبجح لن ينطلى، فالمادة الثانية من الدستور التى يُساء دومًا استخدامها والتذرع بها والشريعة التى يتشدقون بها لا تقول باقتحام منازل الغير أو الدخول إليها بلا استئذان، الشريعة لا تقول باختراق خصوصية الآخرين أو التلصص أو التجسس عليهم بغية فضحهم أو التشهير بهم ورميهم بالباطل والإساءة لسمعتهم وشرفهم بلا أسانيد أو براهين، كذلك لا تقول الشريعة إن الأفراد من شأنهم أن يحلوا محل الحاكم أو القاضى، فالجار والأخ والأب وغيرهم ومهما اعتقد أى منهم أنه من شأنه التدخل فى شأن غيره فجميع هؤلاء- غير ذى صفة-.
فالجهة الوحيدة المنوط بها التحقيق مع المواطنين هى النيابة العامة، والجهة الوحيدة المنوط بها تفتيش الأماكن الخاصة- بعد استخراج تصريح وإذن من النيابة- هى الشرطة، والجهة الوحيدة المنوط بها إصدار الأحكام هى المحاكم والقضاء، والجهة الوحيدة المنوط بها تنفيذ الأحكام هى شرطة تنفيذ الأحكام، أما أن يقوم أى من كان بدور المخبر والمحقق والمفتش والقاضى والجلاد بل وعشماوى، فذلك افتئات وتجاوز كبير وجريمة ليست فقط فى حق المواطن أو الضحايا أو الشهداء بل فى حق الدولة وسيادتها وحق القانون وسيادته وحق الجهات المنوط بها تنفيد القانون فى دولة القانون ودولة المؤسسات ودولة المواطنة. فتطبيق حد الزنا وغيره من الحدود تم الاتفاق على استبدالها بأحكام تتماشى مع العصر الحديث والدول المتمدينة التى لم تعد تمارس فعل الجلد أو الرجم، وتم استبدال العقوبة وفقًا لما يرى الحاكم والمشرع، وذلك لا يخالف الشريعة الإسلامية، أما فيما يخص الشريعة فلها ضوابط وقرائن وبراهين وإثباتات كثيرة معروفة ولا بد من أن يشهد على ارتكاب فاحشة ما ٤ شهود عدول- وعلى الجميع فهم كلمة عدول جيدًا- ورغم كل ذلك فالواقعة التى نحن بصددها اليوم لا ينطبق عليها كل ما ورد ذكره.
فالشهيدة التى ألقيت من شرفة منزلها ألقيت بكامل ملابسها ولم تكن عارية، حتى وإن كانت عارية فى منزلها هل شهد ٤ شهود عدول على أن «المرود كان فى المكحل»، هل هنالك أى دليل أو برهان على ذلك؟ بالطبع لا.
وبالمناسبة وإن حدث وإن رأى أحدهم ذلك هل من حقه اقتحام منزل غيره أم أن ذلك دور شرطة الآداب؟، وبالتالى يكون الموضوع كله ملفقًا ولا علاقة له بالقانون ولا بالشريعة من قريب أو بعيد، تلك جريمة يمكن ضمها لجرائم الشرف والثأر التى يعاقب عليها القانون، وما يزيد أيضًا على ذلك فى تلك الواقعة أن القتلة لا توجد حتى بينهم وبين الضحية صلة قرابة أو دم، وحتى وإن كان ذلك أيضًا لا يبيح ولا يبرر القتل، لكن أن يقتحم غرباء بيت سيدة تقطن فى بيتها وتدفع أجرته ويفتعلون شجارًا معها ينتهى بإلقائها من شرفة منزلها وبالتالى قتلها، فذلك عين الفجر والافتئات وارتكاب لجريمة قتل وترهيب لتلك الضحية ولغيرها من نساء الوطن، واعتبار المواطنين حراس بوابات وحراس فضيلة يمارسون سلطة وسطوة وابتزارًا وترهيبًا لغيرهم فى تجاوز صريح لسلطة القانون، وبالتالى نتحدث هنا عن جريمتين، بل ٤ جرائم، جريمة قتل وجريمة ترهيب وجريمة تلصص وجريمة افتئات على السلطة، وللسلطة الآن القرار والفصل بشأن هؤلاء القتلة لردع مَن ستسول له نفسه فعل ذات الشىء وارتكاب مثل تلك الجرائم والتعدى على حرمات البيوت بدعاوى الحرام والحلال، وهم أبعد ما يكونوا عن الشريعة وعن القانون.