رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيهانوك ديبو يكتب: لا انفصال عن سوريا ولا تنازل عن الإدارة الذاتية

سيهانوك ديبو
سيهانوك ديبو

حينما يكبر الضرر وتخيّم ظلاله السوداء على مجتمع ما فإن رفضًا له يتشكل ويظهر فى لحظة ما. وإنْ كان قوام هذا الرفض ضد مستبد خارجى فإنه يلبس مسمى الثورة، ويوصف أكثر على أنه حرب أهلية حينما يكون مقصده إزاحة مصدر الاستبداد الداخلى. رغم أن قطعيّةَ الفصل بين الثورة والحرب الأهلية تبدو صعبة جدًا إلى درجة أن واحدًا منهما يتلبس الآخر. فهل كان الذى حدث قبل قرن ونيفّ بحرب أهلية روسية أم ثورة بولشيفية، مثالًا؟ المثال نفسه يمكن أن يأخذ المسلك نفسه فى فيتنام من حربها التى امتدت ١٠ آلاف يوم.

رغم الفيض الكبير من الأمثلة فى ذلك، لكن يمكن القول بأن كل ثورة فى مرحلة ما من عمرها يمكن أن تكون حربًا أهلية، ولكن ليست كل حرب أهلية بثورة. حرب أهلية فى لبنان دامت ١٥ عامًا وستة أشهر، ومثلها تقريبًا فى العراق، وبعد أسبوع من الآن تكمل الحرب الأهلية السورية- كما تصفها تقارير كثيرة تصدر عن المجتمع الدولى- سنتها العاشرة، رغم أنها بدأت حراكًا ثوريًا بلحظة انفجار كان اشتعاله حتميًا، ومهما تكن مسميات ما يحدث فى سوريا فإنها أزمة تعكس الأزمة البنيوية فى نظام الهيمنة العالمى ونظام أطرافه فى المشرق الأوسط فى مقدمتها تركيا الأردوغانية.

استطاعت اللا مركزية الإدارية الموسعة، التى ظهرت لأول مرة كلغة ومصطلح، من وقف الحرب الأهلية اللبنانية فى العام ١٩٨٩. كما استطاعت اللا مركزية السياسية أن تنقل العراق إلى مرحلة جديدة. غير أن الوقائع الحالية التى تعيشها لبنان تثبت أن نظامه السياسى بحاجة إلى تطوير، كما حال النظام السياسى فى العراق، الذى بات وفق رؤية العراقيين أنفسهم بأن اللا مركزية السياسية- رغم أنها سدّت طريق عواقب كثيرة لا تحمد عقباها- لم تستطع أن تلبى بشكل كامل تطلعات شعب العراق على كامل جغرافيته. وهذا يحيلنا بدوره إلى أن اجتراح الحلول مهم وعظيم، لكن إذا ما لم يشهد تطويرًا فإنه يتحول بحد ذاته إلى أزمة فى تسمية «البلد المحاصص»، أنظمة البلدان السياسية مطلوب منها أن تتوسع على جماهيرها وشعوبها، وبأن تحظى على أكبر نسبة مشاركة للسلطات فيها، ومشاركة السلطات لا تكون بالمحاصصة.

وأنظمة المحاصصة تفتح الطريق واسعًا كى تكون مكونات المحاصصة امتدادًا لأطرافها الإقليمية والدولية، فتفشل الدولة، وتبدو هشة. كما أن أنظمة المحاصصة تهيج فكرة سوداء، يمكن تسميتها «نوستالجيا الاستبداد» أى الحنين إلى النظام الاستبدادى الذى رفضه شعبه مسبقًا وثار عليه. وهذا الشعور يتغذى ويكبر فى كل محاولة تقوم بها المعارضة السيئة بالقبض على أركان السلطة الدولة، فتوجد معارضات أسوأ من النظام المثار عليه نفسه كما الحال فى سوريا.

ظهر مصطلح اللا مركزية الديمقراطية فى الأزمة السورية من مصر، مقرِّة فى مؤتمر القاهرة للمعارضة الوطنية السورية المنعقد بتاريخ ٧٨ يونيو ٢٠١٥، وجاء كبند أساسى من بنود ميثاق العهد الوطنى، إضافة إلى خارطة طريق كانت على درجة كبيرة من الأهمية وقتها. وحده من أدرج هذا المصطلح إلى اللحظة هو مجلس سوريا الديمقراطية كإطار تحالفى معارض يضم عشرات القوى والأحزاب والشخصيات السياسية السورية تأسس فى ٩١٠ ديسمبر ٢٠١٥، ويرى «مسد» (اختصارًا لمجلس سوريا الديمقراطية) بأن تجسيد هذا المصطلح كحل للأزمة السورية، وفق القرار الأممى، الذى يفضى إلى تشكيل دولة بنظام سياسى سورى غير طائفى ويراعى خاصية التنوع السورى، يأتى فى صورة مؤدية له عبر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التى مرت بدورها بمرحلتين، التأسيس فى بداية العام ٢٠١٤، واعادة الهيكلة فى سبتمبر ٢٠١٩ التى جاءت بعد توجيه ضربات قاصمة أنهت فيه داعش ميدانيًا فى مارس ٢٠١٩ من آخر معاقله فى الباغوز شرقى سوريا على يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)- بدعم من التحالف الدولى بقيادة أمريكا ضد الإرهاب- التى قدمت نحو ٣٥ ألف شهيدة وشهيد وجريح ومعاق ومصاب دفاعًا عن مكونات سوريا الإثنية القومية والدينية الطائفية، وعن سيادة سوريا ومقدراتها.

تدخل سوريا، بعد نحو عشرة أيام، إحدى عشرة سنة عمر المقتلة السوريا، لتظهر مناطق الإدارة الذاتية بأنها الأكثر أمنًا وازدهارًا واستقرارًا مقارنة بالمناطق السورية الأخرى، على الرغم من التهديد المستمر الذى ينالها من جهة تركيا الأردوغانية ومرتزقتها، أو من جهة التنظيمات الإرهابية كداعش والنصرة المدعومة بشكل كامل من تركيا، داعش الذى لم تشتبك معه تركيا ولم تشترك فى معركتى تحرير الموصل والرقة رغم زيف ادعائها، والنصرة، هذه اللحظة، المسيطرة على كامل إدلب تُرعى بدعم لوجستى واستخباراتى من أنقرة التى تحتل مناطق من سوريا، وتحظى بقواعد لجيشها بعضها تبعد عن النصرة بضعة أمتار.

تدخل سوريا، بعد نحو عشرة أيام، إحدى عشرة سنة عمر المقتلة السوريّة، تؤكد فيها النتائج والعبر بأن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا جزء من النظام الإدارى السورى العام المأمول، ليست بالمحاصصة إنما بمشاركة حقيقية لسلطة الشعب بنفسه فى المناطق السورية، وبأنها تجربة أنتجتها الظروف الذاتية والموضوعية التى تمر بها سوريا والمنطقة. هذه الإدارة ليست بالانفصال إنما ضد التقسيم وضد الانفصال الذى مورس بحق مكونات سوريا وشعبها، من أهمه الشعب الكردى فى سوريا. وأن الإدارة الذاتية حل متقدم ونموذجى لإنهاء الأزمة، وفى الوقت نفسه تجسيد للتحول والتغيير الديمقراطى فى سوريا، رغم النواقص والعيوب التى اعترت الإدارة الذاتية خلال أعوام عمرها السبعة.

ممثل مجلس سوريا الديمقراطية فى مصر