رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأسرة البديلة».. قبلة الحياة من الحكومة لـ«مجهولي النسب»

جريدة الدستور

أخذت وزارة التضامن الاجتماعي على عاتقها محاوطة الأطفال من كل الفئات بين أذرعها، واحتضان اللقطاء منهم، الاعتناء بهم خير رعاية، فما بين الرعاية بهم في مؤسساتها المختلفة وتسليم البعض منهم إلى أسر تعتني بهم كأنهم الأهل الحقيقين لهذا الطفل، وذلك التسليم يتم بناء على عدد من الإجراءات لتتأكد الوزارة أن الطفل سيتم تسليمه إلى أسرة تعتني به بحق لا أن يتم استغلاله أو تشريده مرة أخرى.

فتح «الدستور» ملف الأسر البديلة التي تتعهد بكفالة طفل يتيم، مستجيبة لكل الشروط التي يتم وضعها أمامهم من أجل حماية الطفل وكفالة حقوقه كاملة، في السطور التالية تقرأ حكايات لأسر نجحت في كفالة أطفال معها، معلنين عن نجاح تلك التجربة معهم، أيضًا خطة التضامن لاستمرار هذا النجاح، لكن راعينا أن تكون أسماء الأطفال والأسر مستعارة، حفاظًا على عدم وصمهم اجتماعيًا، وجاء أيضًا بناء على طلب منهم.

أمجد: وجدني رجل عجوز أودعني بقسم الشرطة
أمجد عمار، طفل لا يتخطى التسع سنوات من عمره، روى لنا تجربته في الملجأ التي بدأت منذ كان رضيعًا، فاستهل بجملة: ما ذنبي أني لقيط!، متابعًا: عشت في الملجأ دون أن أعرف والدايّ ودون أن أتذوق يومًا معنى الأبوة أو الأمومة.

وتساءل عن أبويه الحقيقين: ليه يا أمي صدّقتي وعد أبويا لما قالك كلمة حلوة، وليه يا أبويا موفتش بوعدك لأمي، والنتيجة كانت أنا جيت الدنيا من غير ذنب عشان غلطة ولحظة بينكو، خان وعده ليكي يا أمي وأنتي خنتي وعدك ليا وخنتي ربنا لما أتخليتي عني وسيبتيني في يوم برد في الشارع أموت من الجوع ومن البرد.

ومضى في حكايته التي تصف حجم المعاناة التي مرّ بها، إلى أن جاءت ليلة شتوية "مفترجة"، كما وصفها، وفي وسط نحيبه ظهر له رجل عجوز، قال عنه: "أنقذني رجل طيب لما سمع بكائي ولكن كان غلبان مقدرش يربيني"، وذهب به لأقرب مركز شرطة، وبدورهم اختاروا له اسمًا ووضعهوه في إحدى دور إيواء الأطفال مع أقرانه الذين يشبهون حالته وأصبح واحدًا منهم، إلى أن روى له أحد العاملين بالدار حكايته التي بدأت بعدما عثر عليه الرجل عند القمامة وهو حديث العهد بالحياة.

واختتم بكلمات مؤثرة: هل تعلم أنّي لم أحظَ يومًا بعناق أمي ولم أتلقَ يومًا نقوذ العيد ولم أستطع شراء الحلوى أو كرة صغيرة ألعب بها معية رفاقي في أول الشارع، هل تعلم أني لا أفقه في حروف الهجاء شيئًا ولا أتقن العلوم ولا الحساب، والمهزلة الكبرى أنّي لا أستطيع كتابة حروف اسمي.

يمنى: أنشأت صفحة على "فيس بوك" للتوعية بكفالة الأطفال
يمنى دحروج، هى أم محتضنة لطفلة أسمتها "ليلى"، قررت بعد كفالتها واحتضانها عمل صغحة ومبادرة تشرح يعني معنى كفالة الأطفال، تقول "يمنى" أن الهدف الأساسي منها هي للطفلة المكفولة وعندما تكبر وتسألها كيف استطاعت تغيير حياتها ونظرة المجتمع لها، وهو السؤال الذي ظلت تفكر فيه كثيرًا وكيف سيمكنها مواجهتها، وحاولت أن تكون إجابتها مبنية على المعلومات الصحيحة، أيضًا تتمكن من خلالها تغيير كل التفكير الخاطئ الذي تربينا عليه، بسبب معلومات مغلوطة وأفلام وعادات خاطئة.

وتروي "دحروج"، عن دخولها عالم الكفالة، بالتعاون مع وزارة التضامن ومراكز الصحة، والذين تبدأ حكايتهم من العثور عليهم ثم تحرير محاضر لهم بأقسام الشرطة ثم تحويلهم بقرار من النيابة إلى إحدى دور الرعاية، مشيرة إلى أنها منذ دخلت هذا العالم أصبح هدفها أن يتم توفير طفل لكل عائلة تحتاج إلى أطفال، وإنقاذ الأطفال ومنحهم حياة جديدة مليئة بالحنان، فالعائلة "حضن وسند مش شوية فلوس كل اول شهر بتتدفع في دار".

وعن تجربتها، تذكرت معنا أنها تواصلت مع مراكز الصحة المعنية بهذا الأمر، وتواصلت مع وزارة التضامن، ودخلت في مناقشات مع اللجنة العليا للأسرة، لمحاولة الوصول لكل مشاكل الأسر الكافلة الذين يواجهون مجتمع جاهل بكل المعلومات السليمة، أيضًا يجهل اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون الطفل المحتضن وأنه يجب معاملته مثل الطفل البيولوجي في كل أمور الحياة.

وأكدت أنها واجهت مشاكل كثيرة وتنمر أكبر، وتم محاربة فكرتها، لكن في المقابل قابلت الكثيرون دعموها؛ أسر وأمهات وشباب وشابات، متابعة: "لسه بحارب لكن أنا مبقتش لوحدي، معايا جيش كبير من الأمهات المحتضنه والآباء وشباب وشابات محتضنة أو بدور رعاية، وحلمي أن يأتي اليوم الذي لا يوجد طفل رضيع في دار أيتام"، مختتممة بمقولتها الشهيرة: "من السهل أن تُنجب ومن أصعب الأشياء أن تهب حياة لطفل".

3 بنات يحتضن رضيع إلى أن أصبح "سندهن"
حكاية أخرى أبطالها 3 بنات إخوة وغير متزوجات رغم جمالهن ومكانتهن الاجتماعية المرموقة، قررن كفالة طفل من إحدى دور الرعاية، فكنّ مسئولات عن كل مصروفاته التي يحتاجها في الدار، وكن ملتزمات بزيارته باستمرار حتى تعلقن به كثيرًا كأنه ابن لهن بالفعل، فقد شهدن كل لحظة في تربيته حتى أصبح شابًا في الخامسة عشر من عمره.

ويروي لنا أحد مسئولي وزارة التضامن، الذي رفض ذكر اسمه حفاظًا على خصوصية هذه المعلومات، أن البنات سعين لأن ينتقل الولد ليعيش معهن خارج الدار، فقد أصبحوا كالجسد الواحد، وحتى إن نظرت إليهم تشعر أنهم من دم واحد ويشبهون بعضهم بدرجة كبيرة، مشيرًا إلى أنه ساعدهم لدى اللجنة العليا التي تقرر لجنة العليا التي تقرر إعطاء الطفل للأسرة التي تطلبه، حتى وافقت بالفعل واستكمل الطفل معيشته مع الإخوة الثلاثة.

رشا: حياتي اتغيرت بعد ما كفلت "مصطفى"
القصة الأخيرة كانت مع رشا مكي، قالت إن بداية قصة التبني منذ 6 سنوات، عندما كفلت طفل أسمته "مصطفى"، عندما اكتشفت أن لديها مرض الانتباذ البطاني الرحمي، وهو مرض مزمن يجعل أنسجة تشبه الرحم تتكون خارج الرحم في أماكن مثل قناة فالوب والمبيضين، لذلك فرصها في الحمل كانت ضعيفة، ودخلت في دوامة التلقيح الصناعي لمدة ١١ عامًا، ما استهلكها ماديًا وعاطفًيا وانتهت بطلاقها في ٢٠٠٤، لتتزوج مرة أخرى في 2012 من رجل لديه بنتين وكان السبب في معرفتها للتبني.

وتروي: "سنة كاملة لحد ما خلصنا الأوراق والإجراءات، وأخيرًا بقى متاح لنا نكفل طفل بعد ما جالنا جواب المشاهدة، في الوقت ده كل مشاعر الخوف والقلق اللي في الدنيا اتملكتني، فضلت أسأل نفسي كتير، يا ترى أن قد ده؟ هل هعرف أربي طفل وألعب معاه وأنا عندي ٤٥ سنة؟ أكمل لوحدي ولا أسعى ورا حلم الأمومة؟ في الآخر تشجيع زوجي ورغبتي إني أكون أم انتصروا، وبدأنا نلف دور الرعاية علشان نختار ابننا".

وتذكرت معنا أنها كانت تزور دار أيتام في المعادي، واصفة: "في الأول كنت حاسة أنه لما أختار البيبي قلبي هيتخطف، لما بصيت على السرير كان الولد اللي فيها مفتح عينه قوي وبيبصلي جامد، قلبي اتخطف، وعرفت أن هو ده ابني، متحركتش من جبنه فضلت شيلاه خمس ساعات بأكله وأشربه وأغيرله، خفت حد تاني ياخده"، مشيرة إلى أنها أرادت أن تجربة الأمومة كاملة، فبدأت "كورس إرضاع صناعي" مع طبيب نساء وتوليد، وكانت سعيدة بتجربة الأمومة البديلة.

وتقول: "كل يوم بليل قبل ما بنام بحكي لمصطفى قصته الحقيقية، علشان يبقى واعي ومدرك لكل حاجة، ومتأكدة أنه لم يكبر هيساعدني في ده، هو بيحب باباه قوي وبيعتبره مثله الأعلى دايما، وبيعلمه كل حاجة بيحبها كورة وسباحة، لو كنت عرفت عن الكفالة بدري كنت كفلت أطفال أكتر، وقررت ابدأ أول موقع وصفحة عن الكفالة".

تعتمد رؤية الدولة المصرية في التصدي لمشكلة أطفال الشوارع، على مبدأ حق الطفل في الحصول على أوجه الرعاية المختلفة وحمايته من كل ما يهدد حياته وسلامته وأمنه بالمفهوم الشامل، فأصبحت "الأسر البديلة" هي المسار الذي تعمل وزارة التضامن حاليًا على تفعيله بشكل كبير وصولًا إلى إغلاق جميع دور الأيتام بحلول 2025، أي في أقل من 9 سنوات، وعلى الرغم من أنه ليس نظامًا مستحدثًا، كما نُشر على موقع وزارة التضامن الاجتماعي الرسمي أن بداية اعتماد تطبيقه يرجع للعام 1959، إلا أن وزارة التضامن تتبع سياسة جديدة في تطبيق النظام.

مدير إدارة "الأسر البديلة": الكفالة من سن سنتين
"الدستور" كانت داخل الإدارة العامة للأسرة والطفل، وهناك التقينا محمود شعبان، مدير الإدارة والمسئول عن مشروع الأسر البديلة في وزارة التضامن، للتعرف على مزيد من التفاصيل، أكد أن الطفل المعثور عليه يسمى" كريم النسب" وليس "لقيط" كما كان في الماضي، وينضم لأسرة دور الإيواء بوزارة التضامن بعد عمل محضر بقسم الشرطة لحظة العثور عليه ويظل لمدة سنتين بدور رعاية صحية تابعة لوزارة الداخلية ومن ثم الانتقال لوزارة التضامن بعد عامين من تاريخ العثور عليه، حيث تتولى وزارة الداخلية إجراءات إصدار أوراق ثبوتية لهذا الطفل مثل اختيار الاسم وإصدار شهادة ميلاد.

وأوضح "شعبان"، في لقائه مع "الدستور"، أن وزارة التضامن تتيح الكفالة من عمر سنتين بعد تحقيق مجموعة من الإجراءات أو الشروط التي يجب توافرها في هذه الأسرة ومنها: التقدم بطلب للإدارة الاجتماعية بكفالة طفل ومن ثم قيام الأخيرة بعمل بحث اجتماعي من خلال لجنة تابعة للوزارة لمقدم هذا الطلب ومدى أحقيته وجدارته بكفالة الطفل، ويشترط أن يكون دخله الشهري لا يقل عن ٥ الاف جنيه ولا يقل عمره عن ٢٤ عامًا، يتم عمل عقد كفالة في حال إستيفاء الشروط السابقة بين الأسرة والادارة الاجتماعية، متابعة الأسرة بصفة دورية لضمان حسن معاملة الطفل وفِي حالة المخالفة يتم سحب الطفل فورًا، مثل استغلال الاطفال في اعمال منافية للأداب او الإهمال في تعليمه أو صحته، فتح دفتر توفير باسم الطفل.

وأكد مدير الإدارة أنها تتلقى الأطفال مجهولة النسب من المستشفيات أو مراكز الشرطة ويكونوا مسئولين عن اختيار أسماء لهؤلاء الأطفال وإصدار رقم قومي لهم من خلال لجنة عليا مكونة من ١٣ عضو ممثلين عن وزارة التضامن والداخلية والأحوال المدنية والصحة ووزارة الأوقاف ووزارة التربية والتعليم، وغيرها من الجهات المعنية، لافتًا إلى ضرورة حصول الأسرة على كورس تدريبي على كيفية التعامل مع الأطفال والأساليب الحديثة في التربية وكذلك تنمية مهاراتهم، كذا يسمح طبقًا للقانون بكفالة الأجانب للأطفال ولكن لابد أن يكون الزوج مصري الجنسية ولا يشترط جنسية الأم.

وكشف شعبان أن تعديلات القانون الجديدة تسمح بوضع اسم الأب الحاضن أو الجد في شهادة ميلاد الطفل حفاظًا على نفسية الطفل، وتحت ظروف معينة يسمح بمصارحة الطفل بحقيقة نسبه لهذه الأسرة إذا تطلب الأمر ذلك، ولكن ما دون ذلك لا يسمح أبدًا بتعريف الطفل أنه مجهول النسب، مؤكدًا أن هناك حالات يُسمح بسحب الطفل من الأسرة مثل رفض الطفل نفسه لتواجده داخل هذه الأسرة، أو في حال تعثر الأسرة ماديًا، وهنا يمكن تدخل الوزارة حرصًا على نفسية الطفل ورغبته وحبه لهذه الأسرة تقوم وزارة التضامن بصرف معاش شهري من خلال برنامج تكافل وكرامة بناءً على تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعم الأسر البديلة، أيضًا يُسحب الطفل في حال مخالفة شرط من شروط الكفالة السابقة، لافتًا أن الأطفال المكفولة مسموح لهم بالسفر للخارج مع ذويهم طبقًا للقانون وبعد موافقة اللجنة العليا، ويتم متابعة أحوال هذه الأطفال حتى بعد السفر.

مسئول الأسر البديلة: نتابع مع الطفل حتى 21 عامًا
تحدثنا أيضًا إلى ريهام فؤاد صالح، مسئول الأسر البديلة بوزارة التضامن الاجتماعي، قالت إن الإدارة الاجتماعية تتابع الطفل مع الأسرة التي كفلته حتى سن 21 عامًا، للتأكد من حسن معاملتها له وتطبيق كافة الشروط التي وضعتها "التضامن" لحمايته، والتي تبدأ حكاية كفالته من جواب مشاهدة يأتي من مديرية الشئون الاجتماعية تسمح للأسرة برؤية أي طفل من أي دار على مستوى الجمهورية تسمح له باختيار الطفل والإبلاغ بمكان الدار التي وجدوا فيها الطفل.

وأكدت "صالح"، في لقائها مع "الدستور"، أن الطفل يمكن أن يتم كفالته لأسرة ممتدة أي بعد وفاة الزوج والزوجة يمكن أن تستكمل أخت الزوجة رعايته ويسمى امتداد كفالة، مشيرة إلى أن الوزراة تشرف على كل ما يتعلق بالطفل من مشكلات أو تظلمات أو غيرها.

بحسب بيانات وزارة التضامن الاجتماعي، هناك نحو ١١ الف طفل مكفول على مستوى جمهورية مصر العربية حتى الآن ولا زال هناك نحو ١٠ آلاف طفل بدور الأيتام التابعة لوزارة التضامن ينتظرون الكفالة، ويزداد الطلب على كفالة الإناث بنسبة أكبر من الذكور حيث لا تتخطى نسبة الإناث بمؤسسات الأيتام ٢٠٪؜ حاليًا، وتسمح الوزارة بكفالة السيدات لذكور من المؤسسة ولكن لا يُسمح بالعكس بمعنى ممنوع كفالة أب أو رجل لأطفال إناث دون وجود أم.