رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نرمين يسر تكتب: المنتصر بالله.. دوما

نرمين يسر
نرمين يسر

في خمسينيات القرن الماضي، تضرع ابن الصعيد رياض عبد السيد إلى ربه أن يرزقه بطفل يظل على قيد الحياة، بعد أن استرد الله ثلاثة من أبناء الرجل كانوا يحملون اسم "عزت"، فوعد الأب المنكوب أن يطلق اسم الله على اسم ابنه، فكان أن رزق أخيرا بطفل أطلق عليه "المنتصر بالله" نسبة إلى نصر الله له واستجابته؛ كما أطلق على جميع أبناءه اسم الله، مثل المحفوظ بالله، ونعمة الله، وإكرام الله.
ولأن المنتصر بالله كان دوما ما يطلق النكات والدعابات، فقد أضاف أن "الحمد لله ماليش أخ اسمه أعوذ بالله".
ذلك المشخصاتي الفريد من نوعه، وتلميذ الأستاذ، يشبهونه كثيرا بكوميديا أمين الهنيدي، غير أن للمنتصر شعبية وجمهور يمكنه من التغلب على الهنيدى مع الامتنان للأستاذ فؤاد المهندس، الذي كان السبب في تواجد المنتصر بيننا؛ ربما من المتوقع الحديث عن أعمال الراحل الكوميدية التي برع فيها وقدمها بسلاسة ليس لها مثيل، ولكن تبقى في الذاكرة أعمال مختلفة ومتنوعة تثبت أن المنتصر بالله ممثل شامل، يستطيع لعب مختلف الأدوار.
ففي فيلم "سواق الاتوبيس" من إخراج عاطف الطيب وتأليف محمد خان وحوار بشير الديك، وكان فيلما لثلاثة من عمالقة السينما المصرية، شارك المنتصر بالله بشكل ألقى الضوء على الدور الذي لعبه، وحفر اهميته في مسيرته الفنية.
عاد ماهر/المنتصربالله ابن خالة ميرفت من الخارج، وقد انتوي إنشاء مشروعات استثمارية بمصر، ليتعرض حسن/ نور الشريف سائق الاتوبيس وزوج ميرفت، إلى منافسة شديدة مؤكدة النتائج، والتي من الأرجح سوف تصب في كفة ماهر، لكن ميرفت تقاوم إغراءات عائلتها، وتبني جدارا ضد شعورها بالندم لعدم موافقتها الزواج منه؛ في المقابل يقوم المنتصر بالله بلعب دور مختلف وبعيد عن الكوميديا التي نافس بها كبار الكومديانات في عصره، حيث يبدو في دور ماهر وكأنه شخص مختلف، بالكاد نتعرف عليه من خلال هيئته وصوته؛ أما عن أداؤه الجاد في محاكاة الشخصية التقليدية لابن الخالة الذى اصبح يمتلك المال والسلطة والعلاقات الاجتماعية، لكي يستشعر ندم ابنة خالته التي رفضت الزواج منه وفضلت الركض خلف قلبها والإنصات له، من خلال نظرات زائغة يعبر ماهر عن غيرته، وإصراره الحصول على ميرفت، ومن خلال أحاديثه المتفاخرة بنجاحه غير المتوقع، استطاع أن يظهر في منتهى الخسة واللؤم، عندما يحاول أن يجتذبها بالاغراءات المادية ويدمر زواجها.
لا يختلف "ماهر" كثيرا عن الأستاذ "زكي" كاتب المحكمة في فيلم "ضد الحكومة" ، من إخراج عاطف الطيب أيضا وسيناريو وحوار بشير الديك، فيلعب المنتصر بالله دور كاتب محامي التعويضات مصطفي خلف/ أحمد زكي، كلاهما متلون وملتوي وجشع ومستغل لمصائب الاخرين، فيقوم المحامي بخداع منكوبي الحوادث ويساعده زكي على استغلال الموكلين ووعدهم بأوهام كاذبة.
يؤدي المنتصر بالله شخصية زكي مرتديا بدلة منمقة وأضاف انحناءة خبيثة في أعلى ظهره، ونظرة جانبية زائغة لا تخطئها عين المشاهدين في تحديد كنه هذا الرجل، حتى وإن لم يتفوه بجملة حوار واحدة. أما عن اللقطة الكوميدية الشهيرة في الفيلم، مشهد القطار الذي يجلس فيه رجلي القانون مصطفي وزكي عند مداهمة مباحث المخدرات لهما طالبين التفتيش فيستعرض المحامي مصطفى خلف محتويات الحقيبة، بأن هذه بعض الأوراق والأموال كأتعاب القضية الذي انتهى من المرافعة بها، وجلابية، وفانلة ولباس، وملف القضية؛ أما آخر المحتويات فهي "حتة حشيش.. ملناش دعوة بها"، وألقاها من نافذة القطار، يضج المشاهدين في الضحك، لكن المنتصر بالله لم ينطق بكلمة، وإنما تنطق كل تعبيرات وجهه بكل ما يقال، بالإضافة الى ضحكة ساخرة محببة اشتقنا إليها منذ 12 عاما، وقت أن اشتد مرضه واعتزل الاضواء؛ ومن ثم اعتزل الحياة، وترك إرثه على شرائط قيمة سوف تبقى للأبد.