رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم درغوثي: المثقف العربي يعاني أزمة وجودية كبيرة (حوار)

إبراهيم درغوثي
إبراهيم درغوثي

شغل الدكتور إبراهيم درغوثي، قاص وروائي ومترجم تونسي، من مواليد21 ديسمبر 1955، العديد من المناصب أبرزها: نائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين عدة دورات، ورئيس فرع اتحاد الكتاب التونسيين بقفصة عدة دورات، وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لأندية القصة والسرد، وأمين الدراسات والنقد والترجمة، صدر له في القصة القصيرة: 11 عملا أدبيا، وفي الرواية: 12 عملا روائيا.

حصل على العديد من الجوائز في أدب الطفل، والطاهر الحداد، والكومار الذّهبي جائزة لجنة التحكيم (1999) عن مجمل أعماله الروائية، وجائزة المدينة للرّواية 2004 عن رواية: مجرّد لعبة حظ، وجائزة القدس الكبرى للقصة القصيرة أبو ظبي 2010، والجائزة العربية الكبرى لأدب الطفل "مصطفى عزوز" تونس 2016.

ترجمت رواياته: "الدراويش يعودون إلى المنفى، وشبابيك منتصف الليل، والقيامة الآن، ومجرد لعبة حظ" إلى الفرنسية، و"القيامة... الآن" إلى الإيطالية، وقصص المجموعته القصصية "تحت سماء دافئة" إلى 24 لغة عالمية.

" الدستور" حاورت القاص والروائي التونسي الدكتور إبراهيم درغوثي، حول الوضع الثقافي في تونس، والأزمات التي تواجه المثقف العربي، وعن آخر أعماله الأدبية.. وإلى نص الحوار..

ـ كيف كانت بداية رحلتك مع الكتابة؟
كانت رحلة صعبة وطويلة امتدت على مدى نصف قرن تقريبا.. بدأتها وأنا طالب بدار المعلمين بتونس في بداية سبعينات القرن الماضي ولازلت أسير على دربها حتى آخر دقة في القلب. فلا فرق عندي بين الهواء الذي اتنفسه والكتابة التي أعبر بها عن مشاغل الناس والحياة. لقد كتبت نصوصي الأولى ونشرتها في مجلة المعهد ثم تواصل حبل الكلام قصصا قصيرة وشعرا ورواية وقصصا قصيرة جدا وترجمة وأخيرا كتابة قصصية للطفل. ومنذ البدايات كنت مسكونا بالتجديد والمغايرة والمغامرة والخروج عن الطرق السالكة التي عبدها من سبقني على درب الإبداع لأني قلت بيني وبين نفسي إما أن تقدم الإضافة أو فلتصمت. وقد فعلت.

ـ هل هناك أسماء تأثرت بها وطبعت على ملامح كتاباتك؟
طبعا ! فالمبدع لا يكتب من فراغ وإنما هي تراكمات لقراءاته ولتجاربه في الحياة وقد قرأت الكثير من الإبداع القصصي والروائي العربي والفرنسي والمترجم من لغات العالم قبل بداية الكتابة. بدأت بالآباء المؤسسين للقصة والرواية في تونس: علي الدوعاجي والعروسي المطوي والبشير خريف وتأثرت بهم ثم كان لحضور الرواية التاريخية التي كتبها جرجي زيدان مكانة كبرى في ذائقتي الإبداعية إلى أن اكتشفت كتاب مصر محمود ومحمد تيمور ونجيب محفوظ خاصة ثم كانت إطلالتي على الأدب الاجنبي الفرنسي والروسي موباسون وزولا وتشيخوف ولرمنتوف فعلى أيدي هؤلاء المعلمين الكبار تعلمت فنون القص قصة ورواية ولازلت أتعلم حتى الآن.

ـ بعض الكتاب يستلهمون الواقع لرسم شخصياتهم، والبعض يستمدها من تجاربه الشخصية وخزينة أسراره.. ما مصدر شخصيات نصوصك الإبداعية؟
الكتابة الإبداعية عمل عقلاني وصناعة. وقد قيل فيها منذ القديم " فلان أدركته حرفة الأدب " فلا مكانة فيها لشيطان للشعر ولا للسرد. هي موهبة لن تتأتى للجميع ولكن الموهبة وحدها لا تكفي بل يجب أن نزكيها وننميها بالمطالعة والقراءة في كل الفنون بعد ذلك نتحدث عن استلهام الواقع أو الغوص في تجاربنا الشخصية وهما حالتان ملازمتان للمبدع يختار بينهما من خلال مواضيع المطروقة في نصوصه. ففي مرات يكون الواقع المعيش منطلقا لهذه النصوص وقد نتجاوزه إلى واقعيات مختلفة كالعجائبية والغرائبية في هذا العالم الذي صار فيه العجب حقيقة نخوض من خلالها في وقائع الحياة. أما عن تجارب الحياة فإننا نتمثلها أيضا في رسم بعض شخصيات أعمالنا القصصية والروائية إذا كانت تتقارب معها في همومها ومشاغلها دون أن تكون نحن فالإبداع شيء والقواقع شيء مختلف عنه وإن كان يسعى لتصويره والتعبير عنه.

ـ يقال أن هناك خمس روايات غيرت الأدب التونسي.. ما تعليقك؟
الأدب التونسي السردي خاصة تتنازعه مدرستان: الأولى وتنسب للأديب محمود المسعدي صاحب روايات " السد " و" حدث أبو هريرة... قال " و" من أيام عمران " وهي مدرسة تجريبية حداثية تستحضر التراث الإبداعي العربي وتدعو إلى تثويره شكلا وأحداثا ووقائع حتى قيل في روايته " حدث أبوهريرة... قال " لو نشرت في أربعينات القرن الماضي لغيرت مجرى الرواية العربية.

أما المدرسة الثانية فهي مدرسة الروائي: البشير خريف صاحب روايات" الدقلة في عراجينها " و" برق الليل " وحبك درباني " وهي روايات تنهل من الواعية الاجتماعية وتصور حال الناس في اتراحهم وافراحهم. وقد سار على درب هذين الروائيين جل كتاب السرد التونسي إلى ان ظهرت في أواخر ثمانينات القرن الماضي مدرسة تجريبية جديدة دمعت بين المدرستين السابقين وأضافت إليهما شكلا جديدا من الكتابة التي تأترت بالرواية الجديدة في فرنسا.

ـ هل بإمكانكم إلقاء نظرة مختصرة حول طبيعة الحركة الثقافية أو الأدبية في تونس؟
في ستينات القرن الماضي كان صدور كتاب أدبي في تونس يعتبر حدثا ثقافيا حتى أنه على مدى ربع قرن بعد الاستقلال كان عدد الروايات الصادرة لكتاب تونسيين لا يتجاوز الثلاثين كتابا. كما أن دور النشر الحكومية والشبه حكومية لم تتجاوز ثلاثة منها واحدة بالاشتراك مع ليبيا. ولكن منذ ثمانينات القرن الماضي تغير الحال فازدهر النشر بدخول دور النشر الخاصة للميدان فصارت الإصدارات السنوية في الشعر والقصة والرواية والثقافة بالمئات. كما أن التظاهرات الثقافية والمهرجانات الأدبية انتشرت في كل جهات تونس حتى أن كل جهة من جهات البلاد اختصت بفن من فنون الإبداع. نفس الشيء في المسرح والسينما والفنون الجميلة.

ـ ماذا عن أبرز المعوقات التي تواجه المشهد الثقافي في تونس؟
ومع ذلك مازلنا نطمح للأجمل والأبهى فبعدما تجاوزت ميزانية الدولة المخصصة لوزارة الثقافة واحد في المائة فإنها بعد " ثورة الياسمين " ووصول الإسلاميين إلى السلطة تراجعت إلى أقل من نصف الميزانية السابقة لذلك ظل المثقفون في تونس يسعون إلى استرداد أموال وزارة الثقافة التي نهبها " رجال الدين " ووظفوها في وزارة الشؤون الدينية.

ـ حدثنا عن أبرز أنشطة المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لأندية القصة والسرد بالسودان؟
للأسف الشديد منذ ثلاث سنوات، وكنا مجموعة من رؤساء نوادي القصة في عدة بلدان عربية، مصر والسعودية والبحرين والكويت وتونس والجزائر والسودان أسسنا هذا الاتحاد في الخرطوم لخدمة الأدب العربي عامة والقصة بصورة أخص ووزعنا مسؤوليات الإشراف على الأعضاء بما فيها رئاسة الاتحاد، كما برمجنا لقاءات قادمة في دول عربية للتدارس حول مواضيع تخص السرديات عامة ولكن لنقص التمويل تعطل نشاط هذا الاتحاد. ونحن في انتظار إعادة الروح إليه في قادم الأيام.

ـ حدثنا عن آخر أعمالك الأدبية التي صدرت مؤخرا رواية "الأعمال الروائية الكاملة"؟
الكتاب الأخير الصادر لي عن دار الثقافية للنشر ليس رواية وإنما هو الجزء الثاني من هذه الأعمال الروائية ( لدي حتى الآن إحدى عشر رواية ) فبعد صدور الجزء الأوّل من أعمالي منذ سنوات عن منشورات "رسلان للنشر والتوزيع " وفيه أربع روايات: "الدراويش يعودون إلى المنفى"، و"القيامة.. الآن"، و"شبابيك منتصف الليل"، و"أسرار صاحب الستر". سيصدر قريبا هذا الكتاب، وفيه رواياتي: "وراء السراب.. قليلًا"، و"مجرّد لعبة حظ"، و"ووقائع ما جرى للمرأة ذات القبقاب الذهبي"، وكلاب الجحيم". وبهذا يصير من السهل على النقاد والقراء والباحثين الجامعيين الحصول على هذه الروايات لتناولها بالدراسة أو للقراءة والإطلاع.

ـ هل هناك اختلاف ما بين الأدباء المصريين والتونسيين؟
ربما الفارق بين الأدبين في مصر وتونس انفتاح الأدب والثقافة في مصر على الأدب الأنجليزي بينما يتواصل أدباء المغرب الكبير عامة على الأدب الفرنسي أما من حيث المواضيع فهي تكاد تكون واحدة في اهتماماتها بالإنسان العربي في بحثه عن لقمة العيش وعن الحياة الكريمة.

ـ يقال البعض أننا نشهد فائضا في التأليف الروائي.. ما تعليقك؟
هذا الأمر صحيح لأن الرواية صارت " ديوان العرب الجديد " فما عاد يكتبها الروائيون فقط بل صار الشعراء أيضا يكتبونها لأنها أصبحت تعبر أكثر من الفنون الإبداعية الأخرى عن الحالة العربية السياسية والاجتماعية وربما أيضا لأن العديد من الجوائز الأدبية المهمة صارت تسند للرواية العربية خاصة من بلدان الخليج العربي.

ـ برأيك.. هل هناك أزمات تواجه المثقف العربي؟
هناك أزمة وجودية كبيرة يعاني منها المثقف العربي الآن فهو يعيش وسط عالم تغوّل على هذه الأمة وسط أفق مسدود، بينما ترى أمما أخرى ما كان يحسب لها حساب يعلو شأنها في العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا أيضا.

ـ كيف ترى أزمة كورونا وتأثيرها على المشهد الثقافي؟ وهل هي حصار أو فرصة لإبداع؟
شخصيا أرى أنها فرصة للإبداع ففيها يختلي المبدع بذاته بعيدا عن ضجيج الحياة ليكمل مشاريعه الأدبية التي لم ينته منها وليتأمل وجوده على هذه الأرض وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت.