رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

4 متطلبات وركائز استراتيجية عالمية موحدة لمجابهة تداعيات كورونا

كورونا
كورونا

كشفت جائحة كورونا عن أسوأ حرب تواجه العالم، إنها ليست حرب الأسلحة والمعدات العسكرية الفتاكة، وإنما هي حرب الفيروسات القاتلة التي تستلزم حشد التعاون العالمي للمواجهة، باعتبار العدو مصدره واحد، وبالتالي فالعالم بحاجة إلى تعبئة الموارد بصورة تشبه الاستعداد للحرب.

ومثلما لعبت الأحداث الكبرى دورا دافعا للتغيير عكس إرادة المجتمعات، وضد رغبتها في التسريع بوتيرة التغيير، أحدثت (كورونا) دويا عالميا وتركت أثارا أبشع مما تركته الحروب وعلى كل المستويات، من الحجر والعزل وفقدان الكثير من الوظائف، وإحداث هزات عنيفة في اقتصاديات الدول، وتهديد الأمن.

ولعل هذه التحديات والمخاطر، حملت في ثناياها محفزات عالمية نحو التوحد ونبذ العنف ووضع الخطط وبرامج العمل للانتقال إلى المستقبل، وفق رؤية واستراتيجية عالمية موحدة، لمجابهة تداعيات جائحة (كورونا) ناهيك عن المحفزات على مستوى كل دولة على حده، والتي تمثل أهمها في تبني الجيل الجديد من التقنية، وتطبيق مفاهيم التسوق الإلكتروني، والتعليم المرئي، والعمل من المنزل، وتأهيل الجامعات والمدارس والمحاكم إلكترونيا، والاستعانة بالمزيد من الممكنات التقنية والذكاء الاصطناعي في إدارة المزارع والمصانع والمدن والشوارع.

◄ متطلبات وركائز

ثمة متطلبات وركائز داعمة وأساسية لتدشين استراتيجية عالمية موحدة لمجابهة تداعيات وباء (كورونا) يمكن من خلالها توحيد الجهد والموقف ومن قبلها الآليات والمرتكزات وهذه الركائز هي:-

أولا: مع التسليم بأن هذه الجائحة ستعيد تشكيل العالم، وهو ما يعني تغيير موازيين القوى في هيكل النظام العالمي المستجد، فقد لا تكون معايير القوى في التسلح والطائرات والجيوش العسكرية بقدر ما تقاس قوة الدول بتقدمها العلمي وإنفاقها على منظومة الأبحاث العلمية والطبية، فقد كانت جائحة (كورونا) كاشفة عن مدى قدرة الدول على استيعاب الأزمة وإدارتها بشكل يتسق مع قرارات منظمة الصحة العالمية.

ومن هنا تعتبر ركيزة حشد الموارد لإنتاج علاجات جديدة ولقاح مضاد للفيروس أولى الآليات المهمة في هذا الشأن، مع أهمية النظر إلى ذلك باعتباره منفعة عامة عالمية، فبدلا من الصراع العالمي حول تطوير لقاحات وأمصال طبية تعالج هذا الفيروس، وتعليق الدول آمالا بأن مثل هذا النجاح الطبي المنتظر، يحجز لها مكانة دولية في مقدمة دول العالم، يقتضي الأمر توحيد الجهود العالمية، لأن المنافسة الآن تزداد بين مخابر علم الفيروسات وصناعة الأدوية، في تلف العواصم عبر العالم، للتوصل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا، وخاصة بين فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا.

ثانيا: تنسيق التدابير الاقتصادية والتحفيز المالي والنقدي وحماية تجارة السلع العالمية، وذلك للحد من الضرر الاقتصادي، ويكون ذلك من خلال المنظمات الدولية والمؤسسات الاقتصادية، وهنا تأتي أهمية قرارات نتائج القمة الافتراضية الأخيرة لمجموعة العشرين في هذا الاتجاه العام، لكن لا بد من الحفاظ على المبادرات العالمية والمتعددة الأطراف وتنفيذها بالكامل خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

ومع تقارير المؤسسات العالمية بأن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود، ولكي يتجنب العالم حدوث انهيار اقتصادي في البلدان النامية، فسوف يحتاج إلى خطوط ائتمان ودعم مالي كبير وفي أسرع وقت، الأمر الذي يتطلب ضرورة التنسيق بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الدولية باعتباره السبيل الوحيد القابل للتطبيق في الخطوات المقبلة.

وهنا تنبع أهمية الاستراتيجية المصرية التي طرحتها وزيرة التعاون الدولي الدكتورة رانيا المشاط - خلال اجتماع - عبر تقنية الفيديو كونفرانس جمع أكثر من 100 من رؤساء وممثلي المنظمات التنموية الدولية والإقليمية في مصر، لمناقشة التمويلات المتاحة وتعزيز التعاون مع شركاء التنمية في المستقبل وبحث تداعيات تفشي فيروس (كورونا) المستجد.

شارك في الاجتماع ممثلون عن الأمم المتحدة، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبنك التنمية الأفريقي، ومجموعة البنك الإسلامي، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، إلى جانب السفراء ورؤساء الاقسام الاقتصادية لدى مجموعة كبيرة من شركاء التنمية الثنائيين.

وأعلنت رانيا المشاط، استراتيجية جديدة للشراكة مع مؤسسات التمويل الدولية تحدد أطر التعاون المستقبلي بين مصر وشركائها في التنمية مبنية على ثلاثة محاور رئيسية، هي المواطن محور الاهتمام والمشروعات الجارية والهدف هو القوة الدافعة، من أجل تسليط الضوء على الشراكة التنموية بما يحقق التنمية المستدامة، التي تمثل أولوية على مستوى جميع القطاعات.

لا شك أن استراتيجية الشراكة مع مؤسسات التمويل الدولية تهدف إلى إبراز قصص النجاح بين مصر وشركائها في التنمية بمختلف المشروعات التنموية، والتي ساعدت على تعزيز النمو الشامل بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

ويقوم المحور الأول على تحسين حياة المواطنين من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص والعمل على تحديد الفجوات القائمة وتقديم الدعم عبر قطاعات متعددة لملايين المستفيدين، بما يدفع المواطنين نحو إطلاق كامل طاقاتهم.

أما بالنسبة للمحور الثاني وهو المشروعات، فتم تنفيذها عبر قطاعات عدة تشمل التعليم والمواصلات وتحلية المياه والطاقة المتجددة وريادة الأعمال وتمكين المرأة وغيرها من المشروعات، التي تأتي استجابة لأهداف التنمية المستدامة الـ (17) للأمم المتحدة.

وبالنسبة للمحور الثالث في الاستراتيجية "الهدف هو القوة الدافعة" حيث تعد الشراكات الهادفة هي القوة الدافعة لتحقيق النمو الشامل والتنمية المستدامة، لمواكبة التغيرات العالمية المتسارعة، وتوطيد الروابط والعلاقات مع شركاء مصر في التنمية، وقد أشادت جميع المنظمات والمؤسسات الدولية بالاستراتيجية المصرية.

ثالثا: لابد من الاتفاق على آليات محددة تعمل على تعزيز الجهود الأوروبية المشتركة مع الصين والولايات المتحدة لمعالجة الجائحة وعواقبها، ولن تتمكن مجموعة العشرين والأمم المتحدة من إحداث تقدم نوعي مهم في هذا الاتجاه إلا إذا سارت هذه القوى الثلاث فى نفس الاتجاه.

وعلى صعيد آخر، وإلى جانب التنسيق الدولي بين الحكومات، لا بد من رفع مستوى التعاون بين العلماء والخبراء الاقتصاديين وصانعي السياسات، ففي خضم الأزمة المالية عام 2008، لعبت مجموعة العشرين دورا محوريا في إنقاذ الاقتصاد العالمي عندما كان في حالة سقوط حر، ومرة أخرى، ثمة حاجة ملحة لقيادة عالمية على هذا المنوال، تحقق هذه القيادة مقتضيات العدالة الدولية.

رابعا: ثمة آلية وركيزة مهمة وهي تتعلق بعمل ومهام أجهزة الاستخبارات عبر العالم، فلم تعد مهمتها قاصرة على التنبؤ بالتهديدات المؤثرة على الأمن القومي، واليوم تهديدات الأمن القومي ليست هي التهديدات التقليدية، وهي مدى قدرة الحكومات على حماية مواردها البشرية، ولكن اليوم باتت مهمتها أكثر أهمية وهي القدرة على تحقيق الأمن الصحي.

ومع التغيير القادم في مستقبل المشهد العالمي برمته، باتت معرفة حقيقة الوضع الصحي في بلد ما أولوية بالنسبة لصناع القرار في أي دولة على مستوى العالم، فضلا عن أن التركيز قد يكون منصبا على إنتاج الأدوية واللقاحات أكثر منه على الأسلحة.

وكما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، لاغتنام هذه الأزمة باعتبارها فرصة لاستعادة السلام، باتت حاجة العالم الآن ضرورية للعمل المشترك لمجابهة ما بعد (كورونا) بعد أن واجهت كل دولة الأزمة بطريقة فردية، وهذا أمر طبيعي، ولكن التداعيات السلبية للأزمة تقتضي التعاون البناء والعمل المشترك في السياسات الاقتصادية والإجرائية والدوائية الطبية.