رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إفاقة فرنسية متأخرة



الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أعلن، مساء الثلاثاء، عن أن بلاده ستتوقف تدريجيًا عن استقدام خطباء وأئمة مساجد من دول أخرى، كما ستواجه التمويل الخارجى للمساجد والمنشآت الإسلامية، مشددًا على أهمية ذلك «لكبح النفوذ الأجنبى وفرض احترام قوانين الجمهورية الفرنسية على الجميع». ومع أنه حاول أن يتجنب الصدامات، إلا أنه قام بتوجيه اتهامات مباشرة إلى دولة تركيا ودويلة قطر.
كثيرًا ما قال الرئيس الفرنسى إنه يسعى إلى إيجاد صيغة يمكن من خلالها أن يعيش الفرنسيون المسلمون بهدوء أو فى هدوء. وأواخر أكتوبر الماضى، ذكرت قناة «فرانس تى فى إنفو» وجريدة «لو فيجارو» أن ماكرون يعتزم خلال أسابيع قليلة الإعلان عن مجموعة من التدابير لمحاربة الطائفية فى التعليم وفى مختلف القطاعات العامة فى البلاد.
وبموجب اتفاقات عقدتها فرنسا مع تسع دول، أبرزها تركيا، الجزائر، تونس والمغرب، تقوم حكومات تلك الدول بإيفاد خطباء وأئمة للمساجد إلى فرنسا. لكن بدا واضحًا أن الرئيس الفرنسى، كان يستهدف الأتراك والقطريين، تحديدًا، فى الخطاب الذى ألقاه، مساء الثلاثاء، بمدينة تولوز، خلال جولة خصصها لمناقشة القضايا المتعلقة بالتوجهات الانفصالية و«الإسلام السياسى» والتمويل الأجنبى. إذ قال بوضوح إنه لن يسمح «بتطبيق القانون التركى على التراب الفرنسى»، وأشار إلى أن هناك تحقيقات جارية بشأن تمويل «مسجد النور» والمشروعات المحيطة به.
ماكرون أشاد بالحوار الذى جمعه مع ملك المغرب والرئيس الجزائرى، ووصف نقاشاته معهما فى الشئون التعليمية والدينية بأنها «عمل مثالى»، أما تركيا فقال إن عليها أن تدرك أن بلاده لن تسمح لأى بلد «بدعم متشددين لديهم توجهات انفصالية داخل الجمهورية الفرنسية، سواء على أساس الدين أو السياسة أو الهوية». وجاء حديثه عن «مسجد النور»، ليضم قطر إلى المتهمين، إذ سبق وذكر كريستيان شينو، وجورج مالبرنو، فى كتابهما «أوراق قطر» أن ميزانية إنشاء ذلك المسجد تزيد على ٢٨ مليون يورو، نصفها يأتى من جمعية «قطر الخيرية».
بعد إشارته إلى أن فرنسا تستقبل، سنويًا، ٣٠٠ خطيب وإمام مسجد من دول أخرى، أكد ماكرون أن عام ٢٠٢٠ سيكون آخر عام يسمح فيه باستقبال مثل هذه الأعداد. وقال إن حكومته طلبت من الهيئة التى تمثل الإسلام فى فرنسا إيجاد سبل لتدريب خطباء وأئمة المساجد، والتأكد من أنهم ليست لديهم توجهات متطرفة. فى إشارة إلى «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية»، الذى تم إنشاؤه ليكون ممثلًا لمسلمى فرنسا، بناء على فكرة اقترحها جان بيار شوفانمون، وزير الداخلية الفرنسى، الأسبق، سنة ١٩٩٩، وتم تأسيسه، سنة ٢٠٠٣، بدعم قوى من نيكولا ساركوزى حين كان وزيرًا للداخلية، بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠٠٤، قبل أن يصبح، لاحقًا، رئيسًا لفرنسا.
يرأس هذا المجلس، المعروف اختصارًا باسم «CFCM» منذ ١٩ يناير الماضى، محمد الموسوى «٥٥ عامًا»، وهو فرنسى من أصل مغربى، يعمل أستاذًا للرياضيات فى جامعة أفينيون، وسبق أن ترأس المجلس بين عامى ٢٠٠٨ و٢٠١٣. ومع أنه كان المرشح الوحيد فى الانتخابات، إلا أنه حصل على ٦٠ صوتًا من ٨٧ هم أعضاء مجلس الإدارة، المكون من رؤساء مجالس إقليمية واتحادات وهيئات ومساجد مقربة من دول أخرى، أو واقعة تحت سيطرة تلك الدول.
فى فرنسا، كما فى العديد من الدول الأوروبية، تمكن المتطرفون من السيطرة على مؤسسات وجمعيات ومنظمات ومدارس ومساجد، بدعم مباشر أو غير مباشر من تركيا وقطر. وسبق أن طالب كوين متسو، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالبرلمان البلجيكى، فى ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧، البرلمان الأوروبى بإيجاد آلية لمنع تمويل الجماعات المتطرفة فى دول القارة، وحذّر من قيام النظام القطرى بدعم هذه الجماعات، بحوالى ٥٥ مليون يورو سنويًا، تحت عناوين أو واجهات مختلفة، أبرزها دعم المؤسسات الدينية والخيرية وإقامة مساجد ومدارس تنشر الأفكار المتطرفة.
الثابت، أيضًا، هو أن تركيا، منذ تولى حكمها رجب طيب أردوغان، رصدت ميزانية للسيطرة على مساجد ومراكز دينية فى جميع أنحاء العالم. وسبق أن أكد أحمد يايلا، الأستاذ المشارك فى مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية، أن «ألمانيا، بلجيكا، النمسا، هولندا، سويسرا، النرويج، والسويد فتحت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، بسبب تجسسهم لصالح المخابرات التركية». والمعلومة نفسها أكدها بيتر بلز، عضو البرلمان النمساوى، فى مارس ٢٠١٧، حين ذكر أن «شبكة تجسس» تركية خضعت لتحقيق أجرته السلطات الألمانية، النمساوية والسويسرية، وثبت أن نشاطها كان أوسع بكثير من نطاق الدول الثلاث.
الإفاقة الفرنسية جاءت متأخرة نسبيًا. وما قد يطمئن هو أن الرئيس ماكرون أدرك أن مَن تمولهم وتحركهم دويلة قطر، على اختلاف توجهاتهم وجنسياتهم، ليسوا أقل خطورة ممن ترسلهم أو تدعمهم أو تستعملهم تركيا، أو غيرها من الدول الداعمة للإرهاب.