رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد وليد بركات يكتب: «الكيف».. إصدار 2020

محمد وليد بركات
محمد وليد بركات

ببراعة شديدة قدّم الكاتب محمود أبوزيد تغييب العقول وتدنيس الأذواق في فيلم «الكيف»، ورغم أن المخدرات هي الموضوع البارز في القصة، إلا أن الكاتب لم يغفل تأثير الفن الهابط على المجتمع، وكيف أن الفنان المبتذل لا يختلف كثيرًا عن تاجر المخدرات، بل وربما يكون هو نفسه.

كيف يمكن للإنسان المتعلم المتحضر الواعي أن يتحول تدريجيًا، دون أن يدري، إلى مفسد ومدمن؟! هذا ما حدث للدكتور صلاح الذي لعب شخصيته الفنان يحيى الفخراني، ورغم أن الفيلم من إنتاج عام 1985، إلا أنه لا يزال معبرًا عن واقعنا الفني والثقافي الذي يتدهور سريعًا كل يوم.

فمن الأغاني الهابطة التي تمتلئ بالعبارات المشجعة على العنف أو التحرش، إلى الروايات والكتب التافهة التي تُزاحم في دور النشر، ومرورًا بمشاهد الإدمان والعنف والجنس المبالغ فيها بلا مبرر في الدراما بأشكالها، وانتهاء بالمسرحيات الارتجالية القائمة على «الإفيه» ولو كان سبابًا نابيًا أو تلميحًا خادشًا، تنهار منظومة القيم، وينهار بعدها كل شيء، يسقط احترام الكبير، وأدب الحوار، ويتراجع الإيمان بالعدالة لصالح «الدراع»، تمامًا كما يقول أحد المؤدين «هتعورني أعورك»..!

«التريند».. لعنة أصابت كل شيء في حياتنا، مهما كان تافهًا يلهث خلفه الإعلاميون لـ«يركبوه»، باحثين عن جزء من كعكة المشاهدات، ليحققوا منها ربحًا إعلانيًا، والمشكلة ليست في اللعب على اهتمامات الجمهور، وإنما في سوقية إشباع الاحتياجات، وفي التنازل عن البقية الباقية من القيم المهنية، في رقص «إعلامي كبير» على الهواء مباشرة على أنغام أغنية ما، متهمة وصُناعها بسرقة جزء من لحن أغنية أخرى..!

هل النقابات المهنية المعنية لها دور؟! لم يعد لدى النقابات القدرة ناهيك عن الرغبة في التصادم مع هؤلاء، بعضهم يمثل «مافيا» يُعْتقد أنها «مسنودة»، وبعضهم يرتكز إلى شعبية بالملايين، سيصنع منه المنع بطلًا من لا شيء، والإنترنت لم يحرم أحدًا من فرصة الظهور والتأثير، إن أصاب جمهوره بدقة، لذلك فإن الجهات الرسمية منوط بها «التنظيم الذكي» لا «المنع الستيناتي».

هل كل ما جاء فيما يُسمى «المهرجانات الشعبية» سيئ؟ الإجابة: لا، فبعض كلماتها جيّد، وبعض موسيقاها مُطرب.

هل يمكن تنميط جمهور هذه النوعية في الفئات الأقل تعليمًا؟ الإجابة: لا؛ فكثير من حملة المؤهلات العُليا يستمع إليها بإعجاب، وأفخر الفنادق والنوادي في أنحاء مصر تعزفها في حفلات زفاف سادة القوم.

ألا يمكن الاستفادة من إعجاب أعداد غفيرة من الشعب بهذا النمط من الأداء لتمرير رسائل توعية إيجابية؟ الإجابة: نعم. فربما يكون الفن أسرع وأشد تأثيرًا من التعليم، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن التعليم لدينا في كثير من الأحيان يتلخص في امتحان وشهادة.

إذن يمكن القول إن الاعتقاد بأن مواجهة هذه الفنون بالمنع أو حتى التشويه ضرب من الحماقة؛ لأنها تستمد شرعيتها من الجمهور، ولا أحد يمتلك الجرأة الكافية ليقول إن الجمهور يبحث عن الابتذال وإن صحت كحقيقة، ومن ناحية أخرى يمكن توظيف هذا اللون من الأداء وتوجيهه وتدجينه، وهي مهمة ليست بالعسيرة إن توفرت الإرادة، ولنا في الإعلام المصري خير مثال.

إذا كنت تعتقد أننا نقبع في هاوية الانحدار الأخلاقي والقيمي فأنت واهم، لا تزال هناك الكثير من السقطات تنتظرنا، فإذا لم نتحرك مجتمعًا ودولةً، ونلبس طوق النجاة بسرعة، فإن الأسوأ قادم لا محالة.