رمضان عبد المعتمد يكتب: ياسر نبايل العازف على أوتار الجسد

للوهلة الأولى عند مطالعة أعمال الفنان ياسر نبايل في معرضه الجديد "سفر التكوين" المقام حاليًا بجاليري "ليوان" بالزمالك، نرى المعادلة البصرية التي جمع فيها الفنان ما بين بداية مشروعه الفني وما بين بداية تكوين الحياة كمفهوم لصياغة معرضه هذا "سفر التكوين".

يأخذنا هذا الفنان نحو رحلة مقدسة عبر مراكب الإلهام إلى عوالم النشأة والتكوين، حيث نجد البداية ونجد التكوين، في حالة من العشق اللامتناهي لإظهار الدواخل والأسرار للشكل الآدمي، في محاولة منه لاستنطاق الدفين داخل النفس وعرضه بجملة بصرية وتشكيلة شديدة الخصوصية، من خلال منظوره الإبداعي الفريد لتناول العنصر البشري كركيزة أساسية في التعبير عن أفكاره الجمالية.
وعندما يجدر بنا الحديث عن الفنان ياسر نبايل، ينبغي أولا أن نذكر ونشير إلى البدايات فالبدايات والمقدمات دائما هي الشاهد الرئيسي على صدق التجربة الإبداعية، لذا فإن الفنان ياسر نبايل واحد من أهم خريجي كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان، وكان الأول على دفعته وعين معيدًا ثم مدرسًا مساعدًا ثم استقال من عمله وغرد مهاجرًا في رحاب أوسع.
وللفنان ياسر نبايل تجارب رصينة في الأعمال الواقعية، وله دراسات كثيرة في معالجة عناصر الطبيعة الحية فهو واحد من الذين أجادوا تقديم أنفسهم بشكل فريد، إلا أن الراسخ في أذهان متابعيه وعشاق تجربته الإبداعية، يعرفون جيدًا عمله الفذ من ناحية الفكرة والتنفيذ، وهو لوحة مشروع تخرجه التي تحمل عنوان "نكسة 67".
إن هذا العمل الذي سيظل شاهدًا مهما على فردانية ياسر نبايل فى موضوعه، البحث داخل النفس الإنسانية والبحث عن تعبيرات الجسد من خلال أطروحته التي قد بدأها في ذلك المشروع، حيث نجد السياق التشكيلي والفني والموضوع والمضمون جميعهم في تحقق، وجميعهم يؤدون رسالة مفادها الهزيمة النفسية.

حيث صاغ ذلك باقتدار بعيدًا عن التناول السطحي لموضوع الحروب، في ذلك العمل الصرحي الكبير الذي يحشد فيه الفنان كل المشاعر النفسية التي نرى إفرازاتها عبر أجساد الجنود ومن خلال ملابسهم تارة، ومن خلال عناصر الطبيعة الصامتة تارة ومن خلال الجو العام الذي حدده الفنان في معالجته للألوان تارة أخرى.

وإذا كان ياسر نبايل يريد أن يحدثنا من خلال موضوع معرضه هذا المسمى بـ"سفر التكوين"، فربما جاءت فرضيته التشكيلية موفقة من حيث الجوهر والمضمون، والمتأمل أيضا في تجربة نبايل يدهش كثيرًا لما بها من معالجات قد تبدو صادمة وتتعدى المنطق التشكيلي المعروف بـ"السوبر رياليزم"، والمتأمل أيضا في تجربته الإبداعية يجد عشقه لمفهوم الجسد الإنساني ذلك المقدس الذي يحمل مضامين ما زالت تلهم المبدعين بأفكار وحلول جمالية تتفق مع كل منظور جمالي يعبر عنها، إلا أن تجربة الفنان ياسر نبايل لها جماليات وأبعاد ورؤية خاصة في التعبير عن الجسد الإنساني سواء جسد المرأة أو الرجل بمنطق مختلف.

منطق إن جاز التعبير منطق علماء التشريح وعلماء النفس في آن واحد، وبهذه المعادلة الفريدة يقدم لنا الفنان ياسر نبايل أعمالًا فنية لا تتماس مع أحد ولكنها تحسب لمشروعه الفني الذي يحدثنا من خلاله عن أسرار وخفايا النفس التي تسكن الجسد من خلال رؤية جمالية تتسم برصانة البناء التقني وبقوة التعبير الخاص بمفرداته والتي أكدتها ألوانه المتراكمة في طبقات لا حصر لها والتي بينتها لنا أيضا خطوطه القوية الحاسمة في تعبيرها عن انفعالات الجسد.
وأكدها لنا أيضا الضوء الذي دوما يجعلنا في حالة مستمرة من المشاهدة الممتعة لدراما اللون والجسد الإنساني الذي تجاوز المتخيل، وما بين الظاهر والباطن وما بين الملموس والمتخيل نرى تلك الملحمة التي تعبر عن "حدوتة" الجسد.

إن أطروحته في معرضه "سفر التكوين" تشى بأمور تبدو صادمة وصادقة في وقت واحد، لما يكمن بها من دلالات تعبيرية ورمزية يصعب إدراكها في وقت قصير، وستظل نقطة بحثية لمن يريد البحث عن مواضيع ياسر نبايل العازف على أوتار الجسد.