رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرقص على جثة الوطن


كالغلالة الرقيقة التى لا لون لها، يبدو البعض ممن يحيطون بنا الآن.. وهذا ليس دليل شفافيتهم أو نقائهم، بل هو مكمن خطرهم، إذ إنك تقدر على عدوك متى ما كان ظاهراً لك واضح المعالم، لكن الخطر كل الخطر، من أولئك الذين لا لون خاص بهم، بل يظهرون بلون الخلفية التى يستندون إليها، ولذا فإنهم بألف لون ولون، ترهقك تحولاتهم، ويصعب عليك فهمهم، وعندئذ عليك ألا تأمن شرهم، لأنك لا تدرى من أين يأتيك هذا الخطر، ولا موعد الطعنة النجلاء التى يتحين الواحد منهم تسديدها إلى قلبك، الذى هو الوطن!

ما يدور حولنا الآن يدعو إلى الريبة فى الكثير من الشخوص الذين كنا نعتقد أنهم على قدر علمهم وفقههم، فى الدين والقانون والدستور، كنا نحسب أنهم قامات هذا الوطن وسدنته والمحافظين على حقوقه وحقوق أبنائه، لنكتشف اليوم أن ولاءهم ليس لله ولا للوطن وترابه، بل هو للجماعة وتنظيمها الدولي، وللمؤمرات التى تُحاك من هؤلاء جميعاً، عبر أطراف خارجية، ضد الوطن وشعبه، لمصالح اعتادوا أن يجروا وراءها، حتى ولو صبت فى النهاية ضد مصلحة البلاد والعباد، المهم الأنا العليا التى ما شبعت عبر السنين الطوال، وعبر كل الأنظمة، يلعبون على أحبالها وصولاً إلى غاياتهم، حتى ولو تكسرت كل مراكب الوطن، وتفاذفت أشلاءه أمواج المؤامرات العتيدة التى ما فتئ الغرب وأذنابه من العرب يلعبونها ضد مصر.

لذا، فنصيحتى إلى الشعب المصرى بأن «لا تصالح.. فكل من حولك غادر»، لا تصالح ولو وزنوك بالذهب، وهم لن يفعلوا، لأن ذهبهم مغشوش، وطعم العسل فى كلامهم يدارى المر والعلقم، فالمقصود بالمؤامرة هو أنت، أمس واليوم وغداً، ما إن يضعون أيديهم على الوطن، سيذيقونك العذاب ألواناً، ويسقونك الحنظل، لو تعلم!.. ولذا فإن أسفى عميق على هؤلاء السابلة من الناس، الذين لا يرون وجه الشيطان خلف القناع المزيف.. هؤلاء الذين لا يعلمون أنهم وقود النار التى يشعلها المتآمرون اليوم فى جسد الوطن.. وقود يسير نحو مصيره المحتوم وهو مغمض العينين، غائب العقل، منزوع الإحساس بالتراب الذى عاش فوقه، بالوطن الذى احتضن وعلّم وأعطى القيمة، حتى للبعض ممن يتجرأ عليه الآن!.

تسيطر الحسرة على نفسي، وأنا أرى صدق ما خمنت يوماً فى بعض الذين كنا نعتقد أنهم من كبار هذه البلاد، يحملون لواء الفضيلة، يرتدون عباءة القانون، فإذا بهم يتاجرون فى مصائب الناس، يتكسبون من هذا وذاك، استغلالاً لخشية من بطش، يود البعض أن يفتدى نفسه بأمواله، ممن سلطوا عليه سيف السجن أو التخلى عن بعض مكتسباته فى هذا الوطن.. اليوم رأيت أن ما ذهبت إليه من قبل كان صحيحاً، يوم ساوم البعض من هؤلاء المبتزين الجدد، رجال الأعمال الذين تربص بهم نظام مرسي، وخيرهم بين الدفع لصالح أقطاب الجماعة، أو الحبس!.. ساعتها قلت: كيف يهون الضمير الإنسانى على صاحبه من أجل أموال، حتى ولو كانت بالمليارات؟.

لم يعد العجب الآن مصدراً للدهشة فكل شىء فى زمن الإخوان صار عادياً، والمتاجرون بالدين من أجل الدنيا أصبحوا لا يعدون ولا يحصرون، بل راح الجميع وكأن الدنيا قد دانت لهم، وكأن الوطن قد صار ذبيحة يأكل الجميع من لحمه، راحوا يعبون مزيداً من الأموال والمناصب، وكأنهم لم يشبعوا بعد من الدنيا، مع أنها ــ أى الدنيا ــ أعطتهم الكثير، حتى فى زمن قالوا فيه إن الجماعة كانت محظورة!.

اليوم، ومصر فى مفترق طرق، علينا اليقظة لما يُحاك حولها، من أعداء الداخل قبل الخارج، فنهمهم غير محدود وأطماعهم فى الوطن بلا سقف، يتوسلون إليها بسابلة الناس وبسطائهم، ويوم يتمكنون من رقبة الوطن، سيضغطون عليها ليفارق الحياة، لأن الإخوان ومن وراءهم لا يريدون هذا الوطن إلا جثة هامدة يرقصون فوقها، وشعبه كالعصف المأكول.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.