رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» مع المحتجين العراقيين فى «ساحة التحرير» ببغداد: نريد حياة كريمة وفرص عمل

جريدة الدستور

دخل الحراك الشعبى ضد الحكومة العراقية منحنى خطيرًا مع إكماله من الزمن أسبوعًا، وسط تزايد أعداد ضحايا فض التظاهرات إلى ٢٥٠ قتيلًا و٦٠٠٠ مصاب، وارتفاع أعداد المتظاهرين خاصة فى «ساحة التحرير» بالعاصمة العراقية بغداد، التى أصبحت أيقونة للاحتجاجات.
«الدستور» أجرت جولة داخل «ساحة التحرير»، للتعرف عن قرب على طبيعة الاحتجاجات، ومطالب المتظاهرين، وأسباب خلافاتهم مع الحكومة، كما استمعت إلى شهادات حية على اعتداءات السلطات على المحتجين، ضمن محاولاتها لإجهاض الحراك الشعبى المشتعل.




فنانون وأساتذة جامعات ضمن المتظاهرين.. ومركبات «توك توك» لنقل المصابين
فى الطريق إلى «ساحة التحرير» تجد عشرات الشباب يقفون على الجانبين، يعطونك ما أن تقترب منهم كمامة طبية، وزجاجة مياه غازية مخلوطة بـ«خميرة عجين»، لتستعملها فى غسل العين حال تعرضك لغاز القنابل المسيلة للدموع.
وتقع «ساحة التحرير» فى ناحية الرصافة بمنطقة الباب الشرقى، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى التحرر من الاحتلال والاستعمار الأجنبى، ويزينها على الجانب الشرقى منها نصب كبير يعرف باسم «نصب الحرية»، الذى صممه ونفذه النحات العراقى جواد سليم، وتقع واجهته على الساحة، وعلى الجانب الغربى منها يقع جسر الجمهورية، ومنه إلى المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة العراقية ومجلس النواب، وسفارات عدد من الدول الأجنبية.
وقال سمير مطشر، ١٧ عامًا، إن الشباب يواصلون التظاهر منذ يوم ٢٥ أكتوبر، رغم القمع وإطلاق نار القناصة المكثف، وسقوط العشرات من الضحايا بسبب إطلاق القنابل المسيلة للدموع، تجاه أجسام المتظاهرين، خاصة على الرأس، مضيفًا: «نحن نريد حقوقنا، نازلين ناخذ حقنا، فى عيشة كريمة وفرصة عمل.. يكفى سرقة لأموال الشعب».
وأسفل «نصب الحرية» تجد فئات عمرية كبيرة، وبعض الفنانين وأساتذة والكتاب وأستاذة الجامعات والمدارس الثانوية، ومن بينهم محمد جفال، ٤٥ عامًا، مدرس إعدادى، الذى قال: «الأوضاع السياسية فى العراق أفرزت أحزابًا وقوى أسست إمبراطوريات مالية بعد أن سيطرت تلك الأحزاب المدعومة من إيران على ثروات بلد ينتج يوميًا ٣ ملايين برميل بترول، ولا يوجد به خدمات ولا مستشفيات ولا شوارع تليق بالناس، لقد ملّ شعبنا من وعود الحكومات».
وتساءل: «أين ذهبت أموال البترول؟»، متابعًا: «العراق به نسبة فساد عالية، وهناك ميليشيات تملك مليارات الدولارات لأنها تحمل سلاحًا وتخيف به الناس، لقد فسدت الأحزاب، كل الأحزاب، ولن ننخدع بها».
وتشهد الاحتجاجات ظاهرة جديدة بوجود أعداد هائلة من مركبات «التوك توك»، وهى مركبة دخيلة على المجتمع العراقى، لم تعرفها البلاد إلا فى السنوات الخمس الأخيرة، وأصبحت وسيلة للنقل فى المناطق الفقيرة، ومصدر رزق للعديد من الشباب الذى يعانى البطالة، التى وصلت نسبتها إلى نحو ٣٥٪ خاصة فى المحافظات الجنوبية.
وقال حسين كريم، سائق «توك توك»: «نحن نحاول أن نساعد فى نقل المصابين، القوات الأمنية تمنع سيارات الإسعاف، نحن أصبحنا بديلًا عن سيارات الإسعاف، نقوم بنقل الطعام والماء دون مقابل»، مضيفًا: «أنا سعيد جدًا، فبعد أن كنا مرفوضين من الناس ومنبوذين، أصبحنا اليوم نشعر بفخر لأننا نساعد المتظاهرين، نحن لم نكمل تعليمنا فى الجامعات مثل إخواننا فى الساحة، لكننا لسنا أقل وطنية منهم، نحن نقف معهم ولن نترك إخوتنا يموتون، ثورتنا ستنتصر رغم كل محاولات القتل والتخويف، الشرطة أحرقت ٥ تكاتك لكننا سنستمر».
وقالت الناشطة نورا العانى: «هذه الثورة ستغير وجه العراق، هذه الثورة غيرت مفهوم العالم أن العراق دولة طوائف ومذاهب، وبلد تابع لإيران أو تركيا، العراق دولة كبيرة، مرض العراق لا يعنى أنه مات».
وأضافت «نورا»: «نقوم بجهد على مواقع التواصل الاجتماعى وعبر صفحات فيسبوك وتويتر، بعد أن أغلقت الحكومة مكاتب قنوات فضائية، ومنعت عمل صحفيين أجانب، بينما سُمح لقنوات أحزاب السلطة بالعمل».
وواصلت: «هذا ما دفعنا لتشكيل جروبات كبيرة لنقل الأخبار والصور والفيديوهات، ولولا جهودنا فى نقل الفيديوهات والصور لظلت جرائم القوات الحكومية مخفيّة لا يعرف الناس عنها شيئًا، لقد نقلنا صور وفيديوهات القتل فى مذابح كربلاء والبصرة والعمارة».



حفلات غنائية وشعرية ترد على القناصة.. ودور نسائى فى العلاج وتوزيع الأطعمة
يصف محمد سامى، أحد منسقى الاحتجاجات، المشهد فى الساحة، قائلًا: «الميدان يقسم حاليًا لعدة محاور، فعلى أول جسر الجمهورية مقابل المنطقة الخضراء مجموعة من الشباب الشجعان وأبطال التوك توك، ودورهم المناورة وعدم إفساح المجال لتقدم قوات مكافحة الشغب والشرطة واقتحام الساحة».
وأضاف: «فى الجانب الأيمن تقع بناية المطعم التركى، ولولا وجود أعداد كبير من المتظاهرين فى هذا المكان لكانت المظاهرات قد انتهت خلال يوم واحد، فقبل أيام احتله قناصة وقتلوا نحو ١٠٠ متظاهر، لهذا نعتبر هذه البناية مصيرية ولن نتركها، ونحيى على سطحها كل ليلة حفلات غناء ونستمع إلى الشعراء».
وتابع: «أما شارع السعدون فيضم الفرق الطبية والإسعافات الأولية، وفى ساحة جراج الباب الشرقى يقام المصلى، وكذلك المخازن التى يضع فيها الآلاف من أهالى بغداد الطعام والشراب بالمجان، وهناك دور كبير لرجال أعمال وعراقيين مغتربين تبرعوا لدعم التظاهرات، نحن أمام ترتيب وتنظيم شبابى عالمى، إنها لوحة فنية ودرامية سيخلدها التاريخ وسنرويها لأحفادنا».
ويعتبر حضور السيدات والبنات فى التظاهرات أمرًا لافتًا على الشارع العراقى الذى يعد متحفظًا إلى حد ما، وأعطى العنصر النسائى الحراك زخمًا كبيرًا خاصة فى الكوادر الطبية التى أضافت له السيدات قوة جديدة، كما كان لهن دور فى تنظيم وتوزيع الطعام للشباب.
وقالت سما أحمد: «توفيت والدتى وأنا صغيرة وتركت لى إخوتى، وساعدت والدى فى تربيتهم، وبعد فترة توفى والدى بالسرطان وإهمال مستشفيات الحكومة، ولم يكن معى غير جدتى وإخوتى، ولدى طفلة ترعاها جدتى حاليًا».
وأضافت أنها قررت النزول لـ«ساحة التحرير» بعدما رأت ما تعرض له الشباب والرجال من اعتداءات، فتحولت لديها الرغبة فى مساعدة هذا الحراك، قائلة: «أنا أصنع هنا مستقبلًا لابنتى، مستقبلًا ضاع بين صراعات أحزاب السلطة».
والتقينا مجموعة من المتظاهرين الذين يؤدون دور رجال الإطفاء، وقال أحدهم ويدعى «على حامد»: إن قنابل الغاز المستخدمة يمكن أن تقتل من يستنشقها، مضيفًا: «نحن نساعد إخواننا المتظاهرين، لدينا هنا عدد من أنابيب الأكسجين نساعد على قدر ما نستطيع».
من ناحية أخرى، وجه رجل الدين الشيعى، مقتدى الصدر، الذى يقود أكبر تكتل فى البرلمان العراقى، دعوة إلى هادى العامرى، زعيم ثانى أكبر تكتل برلمانى، للمساعدة فى إجراء تصويت بسحب الثقة من رئيس الوزراء عادل عبدالمهدى.
وأضاف الصدر فى بيان: «جوابًا على كلام الأخ عادل عبدالمهدى كنت أظن أن مطالبتك بالانتخابات المبكرة فيها حفظ لكرامتك، أما إذا رفضت فإننى أدعو الأخ هادى العامرى للتعاون من أجل سحب الثقة عنك فورًا»، مطالبًا «عبدالمهدى» بإعلان انتخابات مبكرة، لكن رئيس الوزراء رد بأنه ليس بوسعه فعل ذلك، وأن على البرلمان أن يقرر.