رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا للتدخل فى الشئون الداخلية!


إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة قد حذر مصر من إقامة منطقة عازلة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وهو ما ينم عن جهل بالأصول وبحقيقة الأوضاع، وهو ما يوجب ردا حازما من جهة السلطات المصرية حيث من حق مصر التصرف فى أراضيها، كما من أن من حق الفلسطينيين أن يتصرفوا فى أراضيهم، أما الحذر فلا أفهمه، وأرجو أن يكذبه أو يعتذر عنه.

ما زلت أتذكر يوما التقيت فيه الوزير نبيل فهمى ضمن مجموعة من الزملاء، وكان الحديث حول اجتماع بين أعضاء مجلس الأمن حول الوضع فى مصر، ولا أنكر أنى أعجبت به وهو يؤكد أنه لم يكن اجتماعا، ولا صدر عنه بيان، فضلا عن إصدار قرار عن مصر، وقد أعجبنى حماسه لرفض التدخل فى الشئون الداخلية المصرية، وحمدت الله على أن وزير الخارجية المصرى لديه هذا الحماس وهذه القدرة المهنية التى لا تسمح بمجرد مناقشة الأوضاع المصرية دوليا، أو قبول صدور قرار عن مصر سواء بالقبول أو الرفض، ففى رأيى أن مجرد السماح بأن يكون هناك رأى خارجى حول الأوضاع الداخلية فى مصر أمر له خطورته.

لكنى فى الفترة الأخيرة أى منذ حوالى عشرة أيام أشعر بقلق شديد فى هذا المجال، ولا أجد ما يطمئننى فيه، فقد قرأت أن وزير الدفاع الأمريكى تشك هاجل قد اتصل بالفريق أول عبد الفتاح السيسى، وأنه تحدث معه عن ضرورة حماية المسيحيين والكنائس فى مصر، وتنشر الصحف الخبر، ولا تشير إلى رد الفعل المصرى، كما لو كان هذا أمرا طبيعيا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث نشرت الصحف خبرا آخر عن لقاء الوزير نبيل فهمى ووزير الخارجية الأمريكى جون كيرى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنهما يناقشان تطبيق مصر لخارطة المستقبل، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تحث مصر على الالتزام بخارطة المستقبل وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقبل ذلك نشرت الصحف أن القائم بالأعمال الأمريكى عبر عن اقتناعه بأن القبض على المتحدث بلسان الإخوان وحبسه إجراء سياسى وليس قانونياً.

هنا لا بد من القلق، فليس من حق أى جهة غير مصرية أن تتصور أن من حقها أن تحكم على ما يجرى فى مصر وأن تقرر ما يجب أن يكون، صحيح، إن من حقها أن يكون لها رأيها، لكن ذلك لا يعطيها الحق فى أن تقرر ما يجب على السلطات فى مصر أن تفعله، ومن حق أى أحد، فردا كان أو دولة أو منظمة، أن يسأل للاستيضاح والمعرفة، وأن يكون له بناء عليه موقفه، ولكن حق الحساب محفوظ للمصريين فقط.

أتصور أن المسئول الأمريكى حينما يتصل بمسئول مصرى فإنه يحدثه عن العلاقات بين الحكومة المصرية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وهى يفترض أن تكون علاقات تعاون، أى أن الاتصال لا بد وأن يتعلق بتحقيق التعاون إما بالبدء فى تعاون جديد يزيد من أواصر التعاون، أو أنه يتصل بتعاون قائم، ويكون الاتصال إما بغرض التغلب على عقبات تعرقل التعاون، أو العمل على تحقيق معدل أكبر أو أفضل من التعاون القائم عند الاتصال، وهذا لا يعنى أن يطلب تغيير أسلوب التعامل فى داخل البلد ومع الأطراف الداخلية، ولنتصور مثلا أن مسئولا مصريا تحدث مع مسئول أمريكى عن سماح الولايات المتحدة الأمريكية بزواج المثليين هناك، هل سيقبل المسئول الأمريكى بذلك؟ لكن التعاون بين مصر والولايات المتحدة يمر بأزمة وكان الأفضل مناقشة سبل التغلب على عقبات التعاون بدلا من مناقشة خارطة المستقبل، وأوضاع المسيحيين، وقانونية القبض على فلان أو علان.

يذكرنا ما سبق بحال العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، خاصة وأن الولايات المتحدة اتخذت قرارا بتأجيل أو تعليق تسليم مصر أربع طائرات إف 16 سبق الاتفاق على تسليمها، كما أنها سبق أن أعلنت إلغاء إجراء مناورات «النجم الساطع» هذا العام من جانبها، وهناك من يتحدث عن إلغاء المعونة الأمريكية لمصر، وأهم ما فى هذه الإجراءات أنها تبدو كما لو كانت الولايات المتحدة تعاقب مصر، فى حين أن هناك مصريين يطالبون برفض المعونة المذكورة، وأن السلطات فى مصر تتعرض لنقد شديد مع إجراء المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة تحصل على تسهيلات فى مصر فى رأيى أن قيمتها تفوق قيمة المعونة التى تحصل عليها مصر. أليس الأصح أن تناقش الولايات المتحدة الأمريكية حالة التعاون المصرى- الأمريكى بدلا من مناقشة أوضاع المسيحيين والإخوان وخارطة المستقبل؟ الحقيقة أن الرئيس الأمريكى فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أشار إلى أن الدكتور مرسى لم يحقق آمال المصريين، وكان الصحيح أن يتحدث عن تعاون مصر والولايات المتحدة بدلا من الحديث فى شأن داخلى مصرى، وأتمنى أن يكون رد الفعل المصرى على المستوى السابق الإشارة إليه، وأن نتدارك ما سبق أن فاتنا إذا كان قد فاتنا. ولا يجوز بأى حال من الأحوال أن تكون الأزمة التى تمر بها مصر مبررا للتدخل الخارجى.

لم يتوقف التدخل فى الشئون الداخلية على الولايات المتحدة فقد قرأت بمزيد من الدهشة أن السيد إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة قد حذر مصر من إقامة منطقة عازلة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وهو ما ينم عن جهل بالأصول وبحقيقة الأوضاع، وهو ما يوجب ردا حازما من جهة السلطات المصرية حيث من حق مصر التصرف فى أراضيها، كما من أن من حق الفلسطينيين أن يتصرفوا فى أراضيهم، أما الحذر فلا أفهمه، وأرجو أن يكذبه أو يعتذر عنه، فى حين أنى أطلب من السلطات المصرية ألا تعاقب الشعب الفلسطينى على أخطاء حكامه. فالتعامل بين مصر والفلسطينيين يجب أن ينبع من حقيقة ارتباط المصالح الاستراتيجية، بل أطالب السلطات المصرية بأن تعمل على تلبية الحاجات الإنسانية الفلسطينية الملحة خاصة المتعلقة بالحاجة إلى العلاج وإلى التعليم رغم علمى أن هذه ليست مسئولية مصرية، حيث هى مسئولية فلسطينية بالدرجة الأولى، سواء بالحاجة إلى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وخاصة سلطة رام الله وسلطة غزة، وكذا بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكن المرضى والطلبة الفلسطينيين يجب ألا يدفعوا ثمن أخطاء قادتهم، وليس المطلوب من مصر التنازل عن أى جزء من سيادتها، ولكن أن يعمل معبر رفح كما يعمل أى منفذ دولى فى مصر حيث العمل مستمر لاستقبال الوافدين، وأن يسمح بمرور ما هو قانونى وشرعى، وأن يمنع مرور من يرى أنه ضار بالأمن القومى سواء من الأفراد أو السلع والمواد، ولا يقلل هذا من حق مصر فى هدم الأنفاق أو إقامة منطقة عازلة على الحدود حيث هذا حق السيادة والأمن لا ينازعها عليه أحد.

قرأت لك: من كرس هوجز

نحن الآن نعيش فى أمة حيث يدمر الأطباء الصحة، والمحامون يدمرون العدل، والجامعات تدمر المعرفة، والحكومات تدمر الحرية، والصحافة تدمر المعلومات، والدين يدمر الحضارات، وبنوكنا تدمر الاقتصاد. «الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية».