رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كوتة الأقباط.. ليست هى الحل


الأقباط ليسوا أقلية إثينة أو عرقية فهم مصريون كانوا ومازالوا وسيظلون إلى يوم الدين بل كان هذا الموقف حدثًا تاريخيًا فى مواجهة السياسة البريطانية الاحتلالية والتى كانت تعتمد على التفريق والتفرقة بين المصريين خاصة بعد صدور ما يسمى بـ«تصريح 28 فبراير 1922».

عندما تتناقض الأقوال مع الأفعال، فلابد أن يكون هناك خلل ما فى الفكرة أو عدم القدرة على اتخاذ القرار، وعندما نتحدث عن مبادئ انتفاضتى يناير ويونيو ولا نحقق شيئًا من هذه المبادئ، فلابد أن يكون هناك غياب تام للكوادر الثورية صاحبة القرار الثورى الذى يحقق هذه المبادئ واقعيًا، وعندما نتحدث عن الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة وعن عدم خلط الدينى بالسياسى ومنع قيام الأحزاب على أساس دينى وفى الوقت نفسه ندعو ما يسمى بـ«الأحزاب الإسلامية»، وبصفتها الإسلامية فى لجنة تعديل الدستور فنحن إزاء ترسيخ وتكريس وتأكيد للدولة الدينية، وعندما نتحدث فى لجنة الدستور عن كوتة للأقباط فنحن إذن فى طريقنا لوضع دستور طائفى يفتح الباب لخراب مصر وتقسيمها ولبننتها نعم هناك تمييز طائفى ضد الأقباط تراكم عبر العصور فى الإطار الثقافى والاجتماعى والسياسي، نعم هناك عدم قدرة على أن يمثل الأقباط المجالس التشريعية نعم هناك تمييز ضد الأقباط فى كثير من المواقع المهمة مثل غيابهم عن مواقع رؤساء جامعات وعدم تواجدهم فى مواقع مثل: المخابرات أو الأمن الوطنى بما يعطى إحساسًا بعدم الثقة أكثر من عدم التواجد ولكن هل الحل فى أن تكون هناك كوتة للأقباط تبدأ بالمجالس التشريعية ثم تنتقل إلى المواقع التنفيذية؟

فإذا كانت هناك مشاكل للأقباط غير مذكورة فى هذا الإطار، فهل هناك من يستطيع أن ينكر لسبب أو لآخر أن هناك مشاكل وتمييزًا أيضًا ضد النوبة وضد البدو فى سيناء وإذا كنا نريد تخصيص كوتة للأقباط تصورًا أن هذا سيحل مشاكلهم فهل سيتم تخصيص كوتة أيضًا لأهالى النوبة وأهالى سيناء وهل بهذا نكون فى طريقنا إلى الدولة الطائفية والدستور الطائفى، وهل تريدون وبلا مواربة فتح الباب أمام دسترة وشرعنة للجماعات والفرق الطائفية والعرقية والجغرافية لنؤكد بأنفسنا بل نقوم بتنفيذ المخطط الصهيونى الأمريكى والمعلن جهارً نهارًا منذ عام 1983 والذى بدأ بتقسيم السودان والعراق وجار تنفيذه فى سوريا ولبنان ومصر لكى يكتمل تنفيذ هذا المخطط بتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أساس طائفى

لقد رفض واضعو دستور 1923 وعلى رأسهم الأقباط هذه الكوتة كموقف وطنى وتاريخي، حيث إن الأقباط ليسوا أقلية إثينة أو عرقية فهم مصريون كانوا ومازالوا وسيظلون إلى يوم الدين بل كان هذا الموقف حدثًا تاريخيًا فى مواجهة السياسة البريطانية الاحتلالية والتى كانت تعتمد على التفريق والتفرقة بين المصريين خاصة بعد صدور ما يسمى بـ«تصريح 28 فبراير 1922» والذى كان ينص فى أحد بنوده على حماية الأقليات الدينية والمقصود بها بالطبع أقباط مصر مع العلم بأن ذات القضية بنفس الأسلوب يتم تداولها وتناولها الآن من قبل الغرب وعلى رأسه أمريكا مستغلين تلك الورقة القديمة الحديثة وبنفس الزعم حماية الأقليات الدينية فى الوقت الذى يثبت فيه الواقع غياب هذه الحماية على أرض الواقع، وما موقف أمريكا بعد 30 يونيو وبعد حرق الكنائس غير دليل على زيف الأقوال وتزييف الأفعال.

وهل هذه الكوتة ستحل مشاكل الأقباط وستقضى على المناخ الطائفى البغيض أم ستزيده تكريسًا واشتعالاً، وهل سيكون هناك توحد مصرى حقيقى لمصر الواحدة الموحدة أم أننا سنكون فى طريقنا لمصر المسلمين ومصر المسيحيين والبقية تأتى؟

وفى ضوء هذه الكوتة فكيف سيتم تمثيل الطوائف المسيحية وتوزيعها بين الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت؟

وما شكل الصراع الذى سيحدث بين هذه الطوائف وفى إطار ما يسمى بـ«سيكولوجية الأقليات» وامتدادًا للصراع الطائفى بينهم الذى لا تخطئه عين؟ وما وضع الكنيسة فى حالة الكوتة هذه؟ أليس هذا تأكيدًا دستوريًا وقانونيًا لتأكيد دور سياسى للكنيسة بشكل حتى لو لم يكن مباشرًا؟ خاصة أن الكنيسة تقوم بدور معروف فى الانتخابات مستغلة ارتباط الأقباط الروحى بالكنيسة، وهل هناك شك فى قيام الكنيسة بدور سياسى خاصة أنه للأسف فما كان يحدث قبل 25 يناير من إعطاء الكنيسة مساحة للعب دور سياسى يحدث أيضًا بعد يناير وبعد يونيو للأسف الشديد بل بشكل أكثر سوءًا من قبل يناير، بما يجعلنا بالفعل أمام ليس دولة دينية فحسب بل طائفية بامتياز.

والإصرار على اختصار الأقباط فى تركيبة الكنيسة هو تعيين الثلاثى الكنسى فى لجنة الدستور و«كوتة الأقباط» هو لعب بالنار لا يمكن تداركه فيما بعد.

بل هو تناقض مع فكرة التوحد فى مواجهة الطائفية والتجمع فى مواجهة التجزئة، مع العلم بأن تنفيذ الفكرة ليس بالسهولة المتصورة فهل سينتخب ممثلو الأقباط، الأقباط فقط أم كل الناخبين؟، وفى ظل القوائم ووضع الأقباط فى ترتيب معين فما نتائج إرغام المسلم المتشدد لاختيار قائمة بها مسيحى لا يريده وماذا فى النظام الفردى هل ستكون هناك دوائر إسلامية وأخرى مسيحية وهل سيكون هناك دليل آخر على مصر المفككة والمبعثرة غير ذلك وماذا لو تم طلب كوتة للنوبيين والبدو والصعايدة والبحاروة؟.

مع العلم بأن التمييز الإيجابى للعمال والفلاحين والمرأة فهذا غير ذاك، حيث إن العمال والفلاحين والمرأة هم المسيحى والمسلم فلا تمييز دينى وهذا غير الفصل والعزل بين مسلم ومسيحي، الحل هو المشاركة السياسية على أرضية سياسية وطنية لا على أرضية طائفية دينية، مشاركة من خلال أجندات سياسية وارتباط بالشارع والمواطن المصرى لحل مشاكله وتحقيق آماله حتى يمكن كسب واكتساب ثقة ذلك المواطن، الحل المشاركة كمواطنين لا كمسيحيين ومسلمين فمكرم عبيد الذى كان يرشح نفسه كمواطن مصرى «مسلم وطنًا ومسيحى عقيدة» كان يهزم أشراف الصعيد فى الانتخابات.

المشاركة هى المساهمة برأس مال لا طلب الربح ونحن قعود، فالكوتة هى المشاركة السلبية التى تأتى بالمشاكل أكثر من الحلول مع العلم بأن حل المشاكل والحصول على الحقوق لا يقتصر تحقيقه على مواد دستورية أو تشريعات قانونية فقط، ولكن على مشاركة وتفعيل ومتشارك وموافق وملاحم مع الجميع حتى تكون هناك قناعة جماعية من الشارع بهذه الحقوق بحل هذه المشاكل فيساهم الشارع والمواطن فى تطبيق وتنفيذ هذه المواد وتلك التشريعات، فهذا هو الحل وليس الكوتة حتى تظل مصر وطنًا موحدًا لكل المصريين.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق