رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء.. عنوان الأزمة المتجددة (2ــ 2)


هل وصل التنظيم الأم لحكم مصر وأفسح له كل مسارات ثورة يناير لينفذ ما تعهد به للمسئولين الأمريكيين قبيل انتخابات الرئاسة، من أن مفاتيح حل القضية الفلسطينية ملك يمينه وناقش معهم تفاصيل كل ما سبق وفق رؤية الإخوة فى حماس.

توقف الحديث فى الحلقة السابقة عند الطرح الإسرائيلى للحل السحرى بضم جزء من شمال سيناء إلى قطاع غزة الملاصق لها للتوسعة وفك اختناق المساحة فى القطاع (360 كم مربع)، وكانت وقفتنا فى رحلة هذا الطرح الشيطانى عند محطة العام 2008م الذى حمل متغيراً جديداً تمثل فى دفع وتحريض مباشر قامت به «حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس» لاجتياح أهالى القطاع لثلاث مدن مصرية، هى على التوالى من الشرق للغرب رفح ثم الشيخ زويد حتى الوصول إلى مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، وهو سيناريو تكرر ـ للمفارقة ـ بالاجتياح المسلح فجر يوم التاسع والعشرين من يناير فى العام 2011م بعد ساعات معدودة من أحداث جمعة الغضب !!

فى هذا التوقيت كان لإمساك نظام مبارك بزمام الأمور وخاصة عبر جهازى المخابرات العامة وأمن الدولة من خلال مفاتيح عديدة لهذا المكان الشائك سبب فى احتواء هذا التصرف، وإعادة الأمور إلى نصابها وأهالى غزة إلى قطاع غزة وفى الإجمال قادة حماس إلى رشدهم.

فقد كان تعاطى هؤلاء القادة مع الوضع بهذه الصورة المنفلتة كفيلاً بخلط الأوراق مع الحسابات الدقيقه للنظام المصرى، مع الوضع فى الاعتبار إصرار حماس على إفشال كل جهود المصالحة مع مؤسسة الرئاسة الفلسطينية ومنظمة فتح فى الضفة الغربية وقطع كل الجسور مع رام الله والتركيز المريب إعلامياً فى حملات مكثفة على مصر بشأن معبر رفح وكأنه لا يوجد احتلال إسرائيلى ولا مستوطنات تلتهم الأراضى يومياً، ولا ستة معابر أخرى مغلقة فى وجوههم إلى جميع الجهات ولا قضية فلسطينية تتسرب من أيديهم على وقع خلافاتهم الداخلية، فقط كل الضجيج حول معبر رفح وما وراء رفح.

فى هذا التوقيت الحرج اعتباراً من العام 2008م وما بعده كان النظام المصرى يعيش مأزقه الخاص المتمثل فى قضية التوريث، وكانت سياسته الداخلية قد غاصت بكامل أقدامها فى هذا المستنقع ومعها كل تفاصيل الدولة، وبدأت سياستها الخارجية تطرق كل الأبواب المهمة والمتاحة لتسويق هذا السيناريو المشبوه والعصى على الهضم.

بالطبع كان أهم وأول الأبواب هو الولايات المتحدة الأمريكية، وتعددت وقتها زيارات مبارك الابن للتعارف والحديث وفتح قنوات رسمية وغير رسمية، فخريطة الداخل الأمريكى ودوائر صنع القرار بها من التشابك الكثير، والعلاقات بين أمريكا ومصر أكثر تشابكاً وتعقيدا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبدأ الحديث عن شركات العلاقات العامة الأمريكية المتخصصة فى التسويق الإعلامى لتجهيز اللقاءات المدفوعة الأجر مع شخصيات نافذة فى الكونجرس ومجلس الشيوخ، والدفع فى اتجاه كل لوبى موجود على الساحة الأمريكية من صحافة لمجتمع مدنى لروابط رجال الأعمال.

دفع الابن مبالغ طائلة من ميزانية الدولة وليس من حسابه الخاص لتلك الشركات المتخصصة فى تجميل الصورة وتقديم الحلول ورسم خطوط السير داخل المتاهة الأمريكية، لكن الطبخة حملت ارتباكا كثيرا فبدت مسمومة وكريهة الرائحة لذلك استمعت أمريكا دونما اهتمام يذكر، ولأن ما ظهر بعد ذلك أنها كانت تراهن على حصان آخر يخلف نظام مبارك الغارب لم تصدر منها الإشارات المطلوبة والمدفوع فيها الكثير، وبقى مفتاح القلب الأمريكى كالعادة فى يد إسرائيل، التى كانت أكثر الأطراف اهتماماً بالإنصات إلى حديث مبارك الابن ومتابعة تحركاته وما وصل إليه فى أمريكا، حتى تكتمل عندها الصورة بعد إضافة ما عند مبارك الأب ليقدمه لتمرير مشروع التوريث ولدعمه أمريكياً ولتسويقه إسرائيلياً فى الدوائر المعنية بهذا الأمر.

وهنا تحديداً فى العام 2010م تجدد العرض الإسرائيلى القنبلة الذى تمثل فى الوصول إلى حل نهائى للقضية الفلسطينية بضم أجزاء من شمال سيناء إلى قطاع غزة وإعلان قيام الدولة الفلسطينية على هذه المساحة، فالخلاف قد تجذر بين حماس وفتح وسار فى طريق اللاعودة وعداء حماس المعلن والخفى مع فتح صار أشد وأعقد من علاقاتهم بإسرائيل، لهذا كان هذا التوقيت هو المثالى بامتياز لإسرائيل لتقديم ما تطلبه حماس فى الخفاء لتحصل هى فى العلن على الضفة وتعلنها منطقة يهودية بمستوطناتها وأراضيها.

أما بالنسبة لجانب المصريين فى الصفقة فالتعويض عن أراضى سيناء المقتطعة والداخلة فى هذا الحل سيكون مقابلها عرضاً مالياً سخياً وصل إلى 70 مليار دولار، غير إسقاط نسبة غير صغيرة من الديون المصرية لأمريكا وحلفائها لتخرج مصر من أزمتها الاقتصادية الخانقة، مع ضمان تدفق استثمارات مباشرة داخل مصر لمدة عشر سنوات وهذا ينقل مصر نقلة واسعة إلى مصاف الدول المستقرة، وقبل كل هذا والأهم ضمان النهاية السعيدة لمشروع التوريث، هذا بشكل مختصر وجامع العرض الإسرائيلى الذى كان يحتاج لمن يضعه على المائدة .

حاول الابن وألح فى إقناع الأب بأن ما كان مرفوضاً سياسياً من قبل قد يمر تحت اللافتات الاقتصادية، فالأزمة المالية بالفعل خانقة وقدرة الاقتصاد المصرى مكبلة بالدين الخارجى والدين الداخلى، ومن ناحية التوريث فالنجاح فيه يضمنه العرض الإسرائيلى بنهايته السعيدة فى حال مضى الأب قدماً فى تنفيذ هذا العرض.

ويرفض مبارك العرض الإسرائيلى للمرة الثالثة أثناء فترة حكمه بنصيحة ذهبية من مدير المخابرات عمر سليمان، تتلخص وفق كلماته فى أحد اجتماعات رام الله (نصا وفق مصادر فلسطينية مطلعة) حول أن الدخول فى هذا النوع من الصفقات ووفقاً لتقدير دقيق للوضع الإقليمى كفيل بانفجار الأوضاع فى وجوهنا جميعاً، وحينها ما أسهل أن تتجاوز إسرائيل كل الحدود المسموحة لنجد أنفسنا جميعاً وقد أمسكنا بيدينا الماء، وقد تعرض الحديث لمسألة ضرب القضية الفلسطينية فى مقتل إذا تم التعاطى مع حلول غزة السابحة فى الهواء، وفق نص حديثه فى اجتماع مغلق برام الله مع قيادة فلسطينية رفيعة المستوى على علم بتفاصيل العرض الإسرائيلى.

تاريخ هذا اللقاء كان فى خريف العام 2010م أى قبل اندلاع ثورة يناير بشهور محدودة.. ثم جاء الإخوان!

هل وصل التنظيم الأم لحكم مصر وأفسح له كل مسارات ثورة يناير لينفذ ما تعهد به للمسئولين الأمريكيين قبيل انتخابات الرئاسة، من أن مفاتيح حل القضية الفلسطينية ملك يمينه وناقش معهم تفاصيل كل ما سبق وفق رؤية الإخوة فى حماس.

بوضوح وبعد كل ما تكشف هل كان مطلوبا ومرتبا أن يبيع الإخوان المسلمين سيناء لأقربائهم فى غزة؟ هل كانت المليارات الثمانية عربونا فى ترتيب إقليمى برعاية إسرائيلية وضماناً أمريكياً لهم بعرش مصر كما كان معروضاً على مبارك الابن؟؟!!

■ كاتب ومحلل سياسى