رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فارس الإنشاد.. محمود التهامي: فرقتى تضم 3 أقباط «بيصلوا على النبي»

جريدة الدستور

رغم كونه ابن رائد وأستاذ الإنشاد الدينى فى مصر، الذى تقلده الغالبية العظمى من المنشدين فى مختلف محافظات الجمهورية، اختار الشيخ محمود ياسين التهامى طريقًا مختلفًا عن الوالد، فوراء ما يبدو من مظهر صعيدى تجسده «الجلابية والعمّة»، يظهر دارسًا ومُلمًا بالأشكال الحديثة من الموسيقى، بداية من «الروك» مرورًا بـ«البوب والهاوس». فى السطور التالية، تحاور «الدستور» الشيخ محمود التهامى، الملقب بـ«فارس الإنشاد الدينى»، عن النشأة ومحطات مشواره فى الإنشاد الدينى، وعن ملامح اختلافه عن الوالد، وتفاصيل مشروعه الأبرز «مدرسة المنشدين»، وجهوده لمواجهة «أغانى المهرجانات».
■ بداية.. كيف نشأت ومتى اكتشفت موهبتك الفنية؟
- ولدت فى ٦ فبراير عام ١٩٧٩ بقرية «الحواتكة» التابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، وهناك حفظت القرآن الكريم، ثم التحقت بالأزهر الشريف وتخرجت فى كلية «اللغة العربية».
وموهبتى الفنية ظهرت فى وقت مبكر جدًا، فكنت أؤذن فى المسجد وعمرى ٥ سنوات فقط، وأجود القرآن الكريم فى المرحلة الابتدائية، وصولًا إلى الإنشاد لأول مرة فى حفلات المولد النبوى الشريف والإسراء والمعراج وغيرهما من المناسبات الدينية، حينما كنت طالبًا فى الصف الثانى الثانوى، وبعدها احترفت الإنشاد وأحسست بالشهرة فى العام ١٩٩٢.
■ متى جئت إلى القاهرة لأول مرة؟
- عام ١٩٩٤، وكانت سنى ١٥ عامًا، وكانت أول قصيدة أنشدها هى «الدمع العصى»، فى أحد الموالد بمنطقة الحسين. وفى العاصمة، درست فى معهد «الكونسرفتوار» ودار الأوبرا المصرية ومعهد الموسيقى العربية، وعملت فترة «مهندس صوت»، وحالفنى الحظ وعملت مع الموسيقار الراحل عمار الشريعى، والملحن صلاح الشرنوبى، والموسيقار حسن أبوالسعود.
وبذكر الموسيقار الراحل عمار الشريعى، أنا أحبه جدًا، وهو محارب ومتمرد وعلمنى الصبر، وأتذكر أنه اتصل بى تليفونيًا ذات مرة وقال لى: «يا محمود عاوزين نذاكر الشيخ على محمود»، ورغم أننى كنت فى حفل بالغردقة تركته وقررت أن أذهب إليه، فهو أستاذى.
وفى إحدى المرات اتصلت به كثيرًا لمدة ٦ أيام متواصلة، وكنت أرسل له رسائل صوتية وأقول له وأنا أغنى: «يا عم عمار.. أنا جيت القاهرة»، لكنه لم يرد فغضبت جدًا وخاصمته ٦ أشهر. بعدها التقيته فقال لى ضاحكًا: «كنت عايز أرد عليك بس الطبقة اللى بتغنى منها كانت عالية جدًا!»، فضحكت ونسيت الأمر. أما الملحن صلاح الشرنوبى، فعملنا سويًا فى ألبوم «أسماء الله الحسنى» لكن لم يطرح. وتعلمت منه الذكاء، والتشديد فى النغم، و«عمرى ما زعلت منه».
■ هل ورثت الموهبة عن والدك؟
- الموهبة لا تورث، فشقيقى «فارس» مبدع فى الخطابة وليس الإنشاد، أما «محمد» و«مهدى» فسلكا نهج والدى وطريقته فى الإنشاد، ولم ينفردا بشخصيتيهما الخاصتين. و«كويس جدًا» أن والدى سمح لى أن أدخل مجال الإنشاد، فهو لم يرغب لنا أنا وشقيقىّ العمل فى هذه المهنة، لأنه يراها صعبة، «وعنده حق.. أنا ما بشوفش عيالى».
■ من أكثر إخوتك شبهًا بـ«التهامى الأب»؟
- «محمد» شبه والدى فى الصوت والشخصية، وسبب عدم شهرته إلى الآن أنه ما زال متقوقعًا فى شخصية والدى، أما أنا فأتطلع للعالمية، وأخذت «الدرع الفضية» من «يوتيوب»، وأرى أن والدى مقصر فى حق نفسه، ويستحق أكثر من ذلك.
■ ماذا عنك تحديدًا.. هل تسير على نهجه فى الإنشاد؟
- لا، ياسين التهامى له طريق وأنا لى طريق، فأنا ثقفت نفسى وخرجت من مدرسة «الارتجال»، و«بعزف أورج وعود»، وأواكب كل التطور الذى يحدث من حولى، على عكس والدى، لكن فى الموالد «ببقى ياسين التهامى وبتبع مدرسة التهامى».
■ وفيما يخص الطباع.. هل محمود ياسين التهامى يختلف عن والده؟
- طباعنا مختلفة، والدى مهذب ولا أراه يغضب، و«بييجى على نفسه من أجل الآخرين»، وإن حدث بيننا أى خلاف بمجرد أن يرانى وأقبل يده ينسى المشكلة.
وأتذكر أنه منعنى من المشاركة فى حفلات الحسين، لاعتقاده أننى غير مؤهل رغم شهرتى وسفرى خارج مصر وإصدارى عدة ألبومات، وكان يرد على من يطلب منه السماح لى بالإنشاد فى الحسين قائلًا: «ليس من نوه بالوصل له كالذى سير به حتى وصل، لا ولا الواصل عندى كالذى طرق الباب وللدار دخل»، فقررت أن أتوقف عن الإنشاد وقتها.
واستمر ذلك حتى طلب منى الإعلامى محمود سعد المشاركة فى إحدى حلقات برنامج «البيت بيتك»، للاحتفال بالسنة الهجرية، وكان من المقرر تقديم الحلقة من أمام مسجد الحسين، لكن الأمطار سقطت فقررت إدارة البرنامج تقديم الحلقة من عند المقصورة داخل المسجد، وكان شرطهم أن أدخل بدون الفرقة، فانطلقت مسرعًا ناسيًا كل من حولى لأنشد أمام مقام سبط النبى.
■ كيف كان رد فعل والدك عندما ظهرت فى «فيديو كليب» مع مى فاروق؟
- عارض بشدة ظهورى فى كليب أغنية «يا ملك» مع مى فاروق، لكننى أقنعته بالحجة بضرورة كسر الحاجز بين الإنشاد وغيره من الأشكال الفنية، ففى الماضى ربط زكريا أحمد وسلامة حجازى وسيد مكاوى الإنشاد بالغناء، لكن بعدها حُرم ذلك وقيل إن الإنشاد ينبغى اقتصاره على ذكر الله ومدح النبى، لكن لو كان الغناء حرامًا، لماذا أقر الرسول المغازلة فى الشعر؟.
وأنا ربحت من هذه التجربة، فمن سمع الأغنية حضر لى فى الموالد، وأصبح لى جمهور جديد بـ«يصلى على النبى».
■ هل تريد أن ترى أبناءك منشدين؟
- نعم، لدىّ ولدان، «ياسين» ٨ سنوات و«ثائر» ٧ سنوات، وهما موهوبان، وسأفتخر بهما.
■ هل الموهبة تكفى لأن تصنع منشدًا؟
- لا.. الموهبة لا تكفى، فلا بد من دراسة المقامات والعروض واللغة.
■ مَنْ مثلك الأعلى فى الإنشاد؟
- أحاول إحياء التراث القديم، وبخاصة للمشايخ على محمود، وطه الفشنى، ومحمد عمران، وسيد النقشبندى، فهم قدوتى فى هذا المجال.
■ هل يمكن أن تتخلى عن الزى الصعيدى يومًا ما؟
- لا.. حاولت إحدى المؤسسات إقناعى بالأمر لكننى رفضت، لإيمانى بأن التغيير يكون فى المضمون لا الشكل.
■ قلت فى وقت سابق إنك ستدخل الموسيقى الغربية على الإنشاد.. كيف ستفعل ذلك؟
- أحاول فى هذه الفترة دمج الإنشاد الدينى بموسيقى العصر الحديث، فالغرب لن يسمع «مولاى إنى ببابك»، بل يريد أن يسمع «بوب» و«روك» و«هاوس». وبالفعل، انتهيت من ألبوم «مزّكها بالفصحى»، وهو موسيقى إنشاد دينى مع «روك» و«بوب» و«هاوس»، لتقديم الكلمات العربية بموسيقى مختلفة، وحصلت على جائزة «جلوبال ميوزيك أوورد»، نتيجة تلك التجربة التى تسهم فى شهرة الإنشاد الدينى حول العالم، بجانب مشاركتى فى ألبوم «أورجن» الذى يضم ٣٦ موسيقيًا وعازفًا من العالم كله، وإدراج المديح باعتباره فنًا إنسانيًا وليس دينيًا، فضلًا عن ترشيحى لجائزة «جرامى ٢٠١٩». ومن أكثر الموسيقيين الأجانب الذين استمع إليهم الموسيقار العالمى بيتهوفن، وأذاكر موسيقاه جيدًا، كما أنى أقدم العديد من الحفلات فى الدول الأوروبية، وخاصة إنجلترا وفرنسا، ورغم أن الجمهور هناك لا يفهم الكلمات العربية، تغلب عليه الحالة الروحية.
■ ما الدول التى تحب الإنشاد بها؟
- أحب كل البلاد التى أنشدت بها، خاصة تونس والمغرب.
■ ما الذى تستهدفه من إنشائك «مدرسة الإنشاد»؟
- تضم المدرسة الشباب الخريجين ممن لهم نزعة دينية ويمتلكون الصوت الندى، خاصة أن هذه الفئة يتم استغلالها من قِبل المتطرفين لطرح «أناشيد جهادية»، أما أنا فأعلمهم الإنشاد الدينى الوسطى الذى يدعو لله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويبرز أخلاقيات الرسول وصحابته وآل بيته، وأحاول إخراجهم من دائرة العنف والتطرف إلى دائرة الروحانيات.
و«مدرسة الإنشاد» خرجت ٥٠٠ منشد حتى الآن، ونعتزم تخريج ٥ آلاف منشد بحلول العام ٢٠٢٠، ولو كل منشد أصبح لديه متابعون على «السوشيال ميديا» سيكون لدينا ٥ ملايين شخص يصلون على النبى.
■ هل هناك شروط لدخول «مدرسة الإنشاد»؟
- لا شروط لدخول «مدرسة الإنشاد» فى ظل سعينا من خلالها إلى تجديد الخطاب الدينى، وهو ما جعلنا نضم الجميع إليها، ذكورًا وإناثًا، ومن جميع الأعمار من ١١ إلى ٧٠ عامًا، فضلًا عن الإخوة الأقباط، فـ«خانة الديانة» غير موجودة فى المدرسة. وفرقتى الموسيقية تضم ٣ أقباط «بيصلوا على النبى»، وعند صيامهم نحضر لهم الأكل المناسب، وفى صيامنا لا يأكلون أمامنا، وخلال سفرياتى خارج مصر أنشد أحيانًا فى كنائس، فهذا هو الإسلام الذى يجب أن يكون.
■ كيف ترى مستقبل الإنشاد؟
- نحن نحاول محاربة الإرهاب، وأنشأنا نقابة عمالية للمنشدين، ونحاول إنشاء نقابة مهنية، وهدفنا إنقاذ الشارع من «تلوث أغانى المهرجانات».. حسبى الله ونعم الوكيل فيهم.
■ ما أسلحتك لمحاربة تلك «المهرجانات» إذن؟
- أصمم على حضور الموالد لأحارب «المهرجانات»، وأرى أن الفنانين تركوا الشارع وفضلوا الغناء فى الفنادق، لصالح هذا الفن الهابط، حتى زحفت «المهرجانات» على الفنادق و«قعّدتهم فى بيوتهم»، كما أرى أن الموالد أقوى رسالة للعالم بأن مصر بلد الأمن والأمان، خاصة فى ظل حضور قوى للأجانب فى «الحضرات».
■ ما الصعوبات التى يواجهها المنشدون؟
- هناك دول ترى ما نقدمه حرامًا، وهناك دول على خلاف شخصى معى، كما أن السلفيين هاجمونى أكثر من مرة، وأنا لا أهتم، فالغناء ليس حرامًا، وهناك شعوب تفوقت على شعوب بسبب الموسيقى، التى أعتبرها محاكاة للطبيعة التى خلقها الله.