رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعب يريد ضمان مستقبله!


الشعب حينما ينتظر بفارغ الصبر تنفيذ القرار المعلن بفض «الاعتصام» إنما ينظر إلى المستقبل ويرى ضرورة وضع القواعد والشروط التى تضمن عدم العودة مرة أخرى إلى استخدام الدين كمادة للتجارة السياسية والحصول على أصوات لم تتجه إليهم.

يعيش الشعب فى مصر فترة من أكثر فترات حياته توترا فى تاريخه الطويل، حيث يشعر بالقلق بعد أن نزل إلى الشارع فى 30 يونيو ثم فى 26 يوليو ليؤكد أنه يقبل الرهان، وأنه مستعد لتقبل التضحيات اللازمة لتحقيق أهدافه بإزالة الحواجز والعوائق التى تعرقل طريق تقدمه والتى تحاول أن تشده إلى الخلف مستخدمة الدين فى ذلك والدين منها براء، ويراقب الشعب بصبر نافذ إجراءات وتصريحات المسئولين وبخاصة تلك التى تتعلق بفض ما يسمى بالاعتصام فى كل من رابعة العدوية وميدان النهضة بالجيزة قرب تمثال نهضة مصر وليس بعيدا عن الباب الرئيسى لجامعة القاهرة. ويعلق البعض كثيرا على الحجج التى تبرر التأخير فى حسم الأمور وفض الاعتصام، خاصة أن هناك علاقة بين ما يحدث فى هذين المكانين وما يحدث بعيدا عنهما فى سيناء. ومن الواضح أن الأمر لا يتعلق بالخسائر الناجمة عن استمرار الاعتصام باعتبار أن الواقع يقول إن الأمور أصبحت تتخذ شكلا أقرب إلى الطبيعى منه إلى الاستثنائى، حيث يذهب المصريون إلى أعمالهم، ويتجهون إلى الجهات والمناطق التى تحتاج إليها مصالحهم ويقضون هذه الحاجات فعلا، بل إن بعض الطرق التى كانت قد أغلقت منذ فترة طويلة يجرى إزالة العوائق التى كانت بها تمهيدا لعودة الحياة الطبيعية إليها.

هكذا فإن القضية لا تتعلق بالحاضر فقط على أهميته، حيث استطاع الشعب أن يعالج هذه الظاهرة غير الصحية فى حياته، وعزل المسئولين عنها سواء بصدور قرارات حبس بعض المسئولين عنها، أو بفصل المناطق التى يتمركزون بها عن الحياة الطبيعية وأصبحت بمثابة بثور على سطح بشرة المجتمع المصرى، الذى ربما لم يكتف بذلك، ولكنه تطور أكثر بالتصدى لمحاولات بعضهم التأثير فى الحياة فى باقى الأماكن بأن دافع عن مصالحه، وأوقفهم وفرض عودة الحياة الطبيعية مثلما حدث بصفة خاصة حول عابدين ووزارة الأوقاف.

لذا فإن الشعب حينما ينتظر بفارغ الصبر تنفيذ القرار المعلن بفض «الاعتصام» إنما ينظر إلى المستقبل ويرى ضرورة وضع القواعد والشروط التى تضمن عدم العودة مرة أخرى إلى استخدام الدين كمادة للتجارة السياسية والحصول على أصوات لم تتجه إليهم، وإنما للإسلام وهو منهم برىء. كما يجب أن يجد معايير لما يسمى بالاعتصام السلمى والتظاهر السلمى، فإذا كان هذا حقا مسلما به فإن له شروطا يسقط فى حال عدم توفرها، وهو ما يجب أن يتحقق قبل أن يجرى أى انتخاب، ويجب هنا أن ينص فى الدستور وفى القوانين المكملة له، إن مخالفة هذه الشروط تفقد من يرتكبها حقه فيها، وتلغى النتائج التى تترتب عليها، فمن المعروف أن القانون الحالى يحظر إنشاء أحزاب ذات مرجعية دينية أو على أساس دينى، لكن الواقع يقول إن هذه الشروط انتهكت ولم تؤثر فى تمتع من ارتكبوها بنتائج مخالفتهم، وهكذا وجدنا دعاية انتخابية مخالفة للقانون، والمخالفة ثابتة ولكنها لا تغير من نتائج التصويت، ولو كان القانون ينص على إلغاء الأصوات التى حصل عليها المخالف لتغيرت نتائج الانتخابات السابقة سواء تلك التى تتعلق بالانتخابات التشريعية والأخرى الرئاسية، كما أتصور أن من حق كل مواطن رفع دعوى بإلغاء نتائج التصويت لمخالفة الشروط باعتبار أنه يتأثر بالنتائج المبنية على المخالفة، وأن يصير البت السريع وربما الفورى فى الدعوى بما لا يترك مجالا للتلاعب والاستفادة بأمر واقع.

لا شك أن الموقف الحالى يتأثر كثيرا بما حدث عند انهيار الشرطة فى 28 يناير 2011 وما تبعه من اتهام أفراد الشرطة بداية بوزير الداخلية ومساعديه مرورا بكبار ضباط الشرطة وصولا فى النهاية حتى مستوى أمناء الشرطة ومحاكمتهم، ورغم أن الغالبية العظمى قد صدرت أحكام ببراءتهم إلا أن الآثار النفسية لما حدث ما زالت تؤثر فى الأداء الشرطى فى الفترة الحالية، وسيظل يؤثر فى الفترة القادمة رغم الاعتراف بأن كثيرين من أفراد الشرطة قدموا أرواحهم فى خدمة الوطن بما يجعلنا نجلهم ونحترمهم ونحتسبهم عند الله من الشهداء الذين قتلوا فى سبيل الله، وبالتالى هم أحياء عند ربهم يرزقون. وقد انعكس ذلك بلا شك على ما يمكن تصور أنه تردد شرطى فى فض الاعتصام. لذا فإن المستقبل يجب أن يحقق شرطين مهمين على الأقل: الأول، هو ضرورة توفير التدريب والأسلحة والمعدات اللازمة للشرطة لتواجه تطور العناصر الإجرامية وتطور تسليحها، وتدريبها بحيث لا تبدو الشرطة المصرية متخلفة عن التشكيلات العصابية سواء السياسية أو الجنائية التى تواجهها، والثانى أن يجرى توفير تأمينها من محاولات الإساءة إلى سمعتها وشل حركتها من خلال اتهامها بارتكاب جرائم لم ترتكبها وقامت بإجراءات مشروعة، خاصة إذا وجدت أن بعض كبار المسئولين يرى تقييد حركتهم ويضع قيودا على تفويضهم فى حين أنه غير قادر على وضع قيود مماثلة على تصرفات الجانب المخالف للقانون.

هنا يثور بشكل خاص سؤال عن القواعد المنظمة لاستخدام معدات وأسلحة الشرطة بصفة خاصة، حيث نكتشف من خلال بعض تصريحات المسئولين عن الأحداث أن أفراد الشرطة لم يكن لديهم ذخيرة حتى يستخدموها، وهنا يثور السؤال عن قيمة السلاح الذى يحمله الشرطى إذا لم تكن لديه ذخيرة لاستخدام السلاح؟ وماذا يفعل الشرطى فى هذه الحالة عندما تهاجمه عناصر إجرامية وتشكيلات عصابية؟ وهل هناك علاقة بين هذه الحالة وبعض الخسائر التى تتكبدها الشرطة فى الأحداث وبخاصة فى شبه جزيرة سيناء ومحافظتيها؟ وإذا كان، كذلك أليس من الواجب إيقاف هذا فورا؟

يرتبط بما سبق ما شاع مؤ خرا عن اعتداء بعض أفراد الشرطة على رؤسائهم بما فيهم ما ذكر أنهم تعدوا على مدير أمن محافظة ونائبه، ثم الحديث عن رفض محافظة للمحافظ الذى عين لها، وهو يثير أولا قضية هيئة الشرطة والتى كانت تعامل كهيئة عسكرية ولكن لم تعد كذلك، وأصبح أفراد الشرطة يعاملون بموجب قواعد أخرى أرى أنها لا تتناسب مع طبيعة المهام التى تكلف الهيئة بها، وأتصور أن أحداثاً مثل حادث الاعتداء على مدير أمن محافظة ونائبه يجب ألا تمر مرور الكرام، وإلا كانت النتيجة خسارة الأمن تماما، وأرى ضرورة إعادة النظر فيها بحيث تضمن ألا تتكرر مثل هذه الحوادث، ولا يعنى هذا ترك الأمور دون ضوابط، ولكن يجب ضمان أن يكون النظام والقانون محترمين من الجميع وأـن تكون هناك وسيلة تضمن محاسبة المخطئ وأن ينطبق هذا على الجميع من قيادات ومرءوسين. وإذا كان هذا ينطبق على نظام هيئة الشرطة، فإنه يتطلب فى نفس الوقت نظما لضمان الانضباط لمنع الاعتراض على قرارات رئاسة الدولة والرئاسات الأخرى على نحو يعطل العمل مع حفظ الحق فى تقديم الاعتراضات المشروعة قانونا.

هكذا فإن الشعب وهو يطالب بفض «الاعتصامات» يطالب فى نفس الوقت بضمان المستقبل!

■ خبير سياسى واستراتيجى