رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خسارة جولة أم خسارة دولة «1-2»


عرفت مصر الأحزاب السياسية منذ زمن بعيد، إذ يرجع تاريخها إلى عام ١٩٠٧، فقد مرت مصر فى التجارب السياسية من خلال مراحل ثلاث، فقبل ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ عرفت مصر التعددية الحزبية، فمنها ما كان موالياً للقصر

ومؤيداً للملك فى كل ما يفعل، ومنها الأحزاب التى كانت موالية إلى حد ما للاحتلال الإنجليزى، والنوع الثالث من الأحزاب كانت ذات التوجه الإيديولوجى القائم على النظريات الاقتصادية والسياسية التى تحقق العدالة الاجتماعية كما يراها أصحاب هذا الفكر الدينى والسياسى فى نفس الوقت. والمتابع لممارسات تلك الأحزاب يعرف جيداً أنها تصارعت حول الوصول إلى الوزارة لتحقيق الأهداف التى قام عليها كل حزب. ولا يمكن إنكار أن أحزاباً وطنية مخلصة ظهرت فى تلك الحقبة، سواء اتفقنا أو اختلفنا، ومن تلك الأحزاب الوطنية المخلصة والتى جاهدت للوصول إلى تشكيل وزارة:-

١- الحزب الوطنى الذى أسسه الزعيم مصطفى كامل، وخلفه فى قيادة الحزب الزعيم محمد فريد.

٢- حزب الوفد وقد حظى ذلك الحزب بتأييد شعبى واسع حتى أصبح حزباً جماهيرياً بزعامة سعد زغلول، ومن بعده قاد الحزب الزعيم مصطفى النحاس.

وصحيح أن لكل من الحزبين أخطاءه، لكن لكل منهما دوره القيادى والمقاوم للاستعمار والمواجه للقصر فى صف الشعب.

وللحق والإنصاف لابد من الاعتراف بأن الأنظمة السياسية التى تعاقبت على الحكم فى مصر كثيراً ما تحاول طمس معالم من يسبقها، وهذه خطية لا بد من الاعتراف بها ويا حبذا لو تمكنا من التخلص من هذه العادة غير الجيدة. فلكل حاكم أو حزب إنجازات وإخفاقات، لا يجب طمس الإنجاز مهما بلغت نسبته طالما خلصت النوايا، وفى رأينا أن ما قامت به مجموعة الضباط الأحرار ما كان يمكن تحقيقه بدون الأنشطة التى مهدت للثورة والتفاف الشعب حول الثوار، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر موقف الملك فاروق الذى واجه الثوار بأسلوب الملوك، فلم نسمع أن طلقة رصاص واحدة قد خرجت من أى من الحرس الملكى، وخرج الملك باليخت الملكى مع التحية الواجبة بالملوك. ومن اللحظة الأولى للثورة بدأت برامج الإصلاح، ولم نسمع على الأقل فى بداية الثورة أنها استغلت المنفعة الشخصية أو الفئوية، وكيف عاش جمال، وحتى فارق دنيانا. ومنذ بداية الثورة أدرك المواطن البسيط آثارها ومنافعها، إذ صدر قانون تحديد الملكية، فأصبح الفلاح الأجير مالكاً، وابنه وابنته استطاعا اللحاق بالجامعات التى كانت بعيدة المنال، ولأول مرة استطاع أبناء الفلاحين أن يعاملوا مثل أبناء الأثرياء فى تولى الوظائف دون تمييز، ولأول مرة يشعر المواطن البسيط بمكانته ومساواته بأبناء رئيس الدولة، بل ربما سبقه بمجموع درجاته.

صحيح أن الحياة النيابية والممارسات السياسية أصبحت محددة، بل ومقيدة إلى حد كبير، إذ ألغيت الأحزاب السياسية، وقيدت الحريات إلى درجة كبيرة، إذ بدأت الاستعدادات لحروب خاضتها مصر من أجل فلسطين، ومواجهة العدوان الثلاثى، ثم دخلنا فى مشروعات عملاقة مثل بناء السد العالى، وكان بحق الشعب والقيادة يد واحدة. أما الأحزاب التى كانت ناشطة قبل الثورة، وأهمها الحزب الوطنى، وحزب الوفد، فقد حلا، وتوقفت مطبوعاتهما، ولم يعد ظهور لأحزاب معارضة كما كان من قبل، مثل الحزب الشيوعى المصرى، الذى كان قد أسسه الشيخ على يوسف، وجريدته التى عرفت بالمؤيد، والحزب الدستورى، والوطنى الحر، والمصرى، وأحزاب الكتلة السعدية، والأحرار الدستوريين، مع عدد من الأحزاب الأخرى المنشقة عن حزب الوفد، كل هذه الأحزاب اختفت بعد ثورة يوليو، وحل مكانها ما عرف بالاتحاد الاشتراكى.

ونواصل الحديث غداً