رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخابرات العامة.. الجهاز الذى أنقذ نفسه من مرمى النيران


جاءت الأحاديث خلال الاجتماعات ثقيلة وبرزت المعلومات الواردة من هناك لتلقى بالاتهامات ناحية اشتراك عناصر من قطاع غزة فى هذه الجريمة البشعة، وبالطبع قطاع غزة برفعه رايات الإخون المسلمين زاد الأمر التباسا وارتباكا للحاضرين هذه الاجتماعات وانحبس الكلام فى حلوق العديد من المتواجدين.

وقفنا فى حديث الحلقة السابقة عند تقرير المعلومات المقدم من المخابرات العامة حول تقدير الموقف فى سيناء عشية حادث اغتيال الجنود بمدينة رفح الحدودية خلال شهر رمضان من العام الماضى، والذى صنف وفق تقديرات الجهاز بأنه عاجل ومهم وسرى للغاية، وأظن أن ما يثير الدهشة فيه أنه حذر بوضوح من عمليات تستهدف قوات الجيش والشرطة فى هذه المنطقة، وأكد على جدية المعلومات الواردة إليه وتلاقى فيما تضمنه مع تقرير مواز من المخابرات الحربية يحوى نفس المضمون، لذلك ظل السؤال من وقتها معلقا حول كيفية وقوع الحادث وأين مكمن القصور فى هذا الأمر الذى كلف مصر الكثير من الدم والسمعة المهنية لأجهزة الأمن بتنوعها.

ولأن هذه الأحاديث موضوعها جهاز المخابرات فى مسيرته أثناء تلك الأيام الشائكة فسنوجز التفسير حول هذا الأمر حتى نعود سريعا للسياق الأصلى، تخرج تقارير أجهزة المعلومات السابق ذكرها مباشرة إلى القيادة السياسية فى وضع المخابرات العامة وتقوم تلك القيادة مباشرة بإصدار التكليفات اللازمة للمعنيين بالتنفيذ على الأرض بصورة تفصيلية ومحددة لطبيعة مجابهة الخطر، وفى وضع القيادة السياسية فى حينه والتى كان الرئيس السابق محمد مرسى على قمة هرمها تلقى التقرير فى حينه ولم يخرج من مؤسسة الرئاسة ما يشى بإعطاء الموقف قدر خطورته، وفى تقديرات أخرى أنه صمت عليه صمت القبور، وهو ما فجر سريعا وقتها اتهامات ضلوعه المباشر فى هذه العملية بالعلم أو التواطؤ لاستغلاله، أو فى أقل تقدير الصمت غير المبرر الذى يقود إلى التقصير الفادح، وأكدت تصرفات الرئاسة طوال عام كامل جميع هذه الاتهامات ولم يصدر منها تصرف واحد يخرجها من هذا المربع وسنفصل بعض هذه المواقف لاحقا.

أما عن تقرير المخابرات الحربية وهو الأعلى حساسية فيسلك نفس الطريق إلى مكاتب القيادة العسكرية للاطلاع والإسراع بإصدار تكليفات المواجهة، وهنا يظهر قصور آخر يبدو أكثر فداحة وفق طبيعة الموضوع الذى يحذر بدقة من الاستهداف المباشر للقوات العسكرية والأمنية المتواجدة فى هذه المنطقة الخطرة، فقد سمحت القيادة العسكرية وقتها لهذا التقرير أن يأخذ طريق الروتينية ويسجن فى إطار التعليمات المتكررة بضرورة مراعاة اليقظة والحذر من مخاطر محتملة، وهى بالفعل تحذيرات ومكاتبات تكاد تتداول أسبوعيا فى هذا المكان بين جميع الأجهزة العاملة هناك وتفرغ من جديتها مباشرة بعدم اتخاذ احتياطيات جديدة فى المكان تدعم المتواجدين، والتفسير البارز لهذا القصور من القيادة العسكرية أنها كانت فى هذا التوقيت مستغرقة بكل اهتمامها فى الخطوات السياسية التى كانت تحيط بكامل المشهد العام، الرئيس الجديد والمدنى لأول مرة وصخب الإعلان الدستورى المكمل والرغبة فى عودة مجلس الشعب المنحل وتصادمات المحكمة الدستورية، وتشكيل الحكومة الجديدة ضجيج سياسى عال يدور فى العاصمة ويستهلك الأيام بصورة جعلت أمور الأمن وسيناء تتراجع فى دائرة الاهتمام بصورة اقتربت من دائرة القصور الحقيقى، وظهر فى هذا التوقيت ارهاق وبطء المجلس العسكرى فى أكثر من موقف مشابه وكانت الصورة العامة تدل بأن الأمور لا تسير على الوجه الصحيح لتدفع سيناء ثمن هذا كله!!

فى عودة إلى مسار الرحلة مع جهاز المخابرات العامة الذى حضر بالطبع رئيسه الوزير مراد موافى الاجتماعات العاجلة التى تمت مباشرة عقب حادث رفح والتى ضمت محمد مرسى والقيادات العسكرية ورؤساء أجهزة المعلومات، كان الجو العام يشى بدرجة عالية من الكآبة فتفاصيل الحادث تحمل الجميع مسئولية الدماء التى سالت فى شهر رمضان لتحمل ستة عشر شهيدا أصابوا مصر كلها بالصدمة البالغة، جاءت الأحاديث خلال الاجتماعات ثقيلة وبرزت المعلومات الواردة من هناك لتلقى بالاتهامات ناحية اشتراك عناصر من قطاع غزة فى هذه الجريمة البشعة، وبالطبع قطاع غزة برفعه رايات الإخون المسلمين زاد الأمر التباسا وارتباكا للحاضرين هذه الاجتماعات وانحبس الكلام فى حلوق العديد من المتواجدين.

جاءت أول توابع هذا الحادث سريعا لتصيب جهاز المخابرات العامة إصابة مباشرة وغريبة، فبالطبع أثناء الاجتماعات الأولية التى دارت حول الحادث ذكر تقرير المخابرات العامة الذى قدم إلى الرئاسة قبل وقوعه، وأن هذا التقرير ذكر ما حدث قبل وقوعه وحذر منه، وأن الأمر كان يحتاج لإجراءات واضحة وحمل الوزير موافى معه تقريراً آخر يشمل تفصيلياً مخاطر أنفاق غزة وتأثيرها السلبى الكبير على أمن هذه المنطقة، وهو ما جعل مسألة هدم هذه الأنفاق تحتل رأس المهام التى كلف بها القوات المشاركة فيما سمى وقتها «العملية نسر» التى تستهدف تطهير منطقة شرق العريش من الجماعات الإرهابية المسلحة التى اشتركت فى العملية، وفوجئ الجميع بتصريح غريب على لسان مدير المخابرات العامة جاء من وكالة الأناضول للأنباء يفيد ببعض مما ذكره داخل تلك الاجتماعات المغلقة، وكان نص هذا التصريح أن المخابرات العامة قد قامت بدورها فى هذا الحادث بالتحذير منه قبل وقوعه فى تقرير قدم للرئيس وللقيادة العسكرية وأن دورها كجهاز معلومات يقف عند هذه المرحلة، كان هذا التصريح يحمل فى طياته اتهام مباشر للقيادة السياسية والعسكرية لعدم القيام بدورهم فى معالجة هذا الأمر، ومباشرة بعد نشر وكالة الأنباء لهذا التصريح ساد جواً غريباً أعقبه بساعات قرار من رئاسة الجمهورية بإقالة مدير المخابرات العامة من منصبه كأول الرءوس التى أطيح بها جراء هذا الحادث والذى أعقبه رءوس كثيرة وصلت فى أيامها التالية لأعضاء المجلس العسكرى بكامله فى خطوة سياسية وضعت الحادث فى سياق الاتهام الذى طال مؤسسة الرئاسة بضلوعها فيه للتخلص من المجلس وقياداته.

كان موضوع وكالة أنباء الأناضول يحمل قدراً عالياً من الريبة فمدير المخابرات العامة فى جميع أحواله لا يدلى بتصريحات صحفية، وإن أدلى بها يكون فى سياق عمل مخابراتى ما يريد استخدامه، وكانت وكالة الأناضول تحديدا تثير الريبة فهى ليست الوكالة الرسمية للدولة التى يتم استخدامها فى هذه الأمور، فجاء الأمر فى حينه ليحمل رائحة المؤامرة المتكاملة التى تديرها مؤسسة الرئاسة ضد جهاز المخابرات، خاصة وهى تنقل حديثاً قد يكون دار وفق المنطق الطبيعى للأمر داخل الاجتماعات المغلقة وهو يحمل وجهة نظر الجهاز للحادث لتضعه على لسان مدير الجهاز لوكالة أنباء غريبة وضح ارتباطها الوثيق فيما بعد بقوة بجماعة الإخوان المسلمين.

■ كاتب ومحلل سياسى