رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرام فى فرنسا.. حلال فى مصر!



لم تعترض الخارجية المصرية على الاجتماع الذى عقده الرئيس الفرنسى مع عدد من النشطاء المصريين، على هامش زيارته للقاهرة، بينما استنكرت الخارجية الفرنسية، لقاء لويجى دى مايو، نائب رئيس الوزراء الإيطالى، بنشطاء فرنسيين، ووصفته بأنه «استفزاز جديد، غير مقبول»، قبل أن تعلن، الخميس، استدعاء سفيرها فى روما.
لقاء «دى مايو» بالنشطاء الفرنسيين، أعضاء حركة «السترات الصفراء» له ما يبرره، بعكس لقاء الرئيس الفرنسى بالنشطاء المصريين الذين قيل إنهم يمثلون «المجتمع المدني». إذ إن أعضاء الحركة يستعدون لخوض انتخابات البرلمان الأوروبى. وسبق أن ذكرت وكالة «بلومبرج» الأمريكية، فى ٢٤ يناير الماضى، أن إنجريد ليفافاسو (التى حضرت لقاء دى مايو) ستترأس قائمة «تجمع المبادرة الوطنية»، التى ضمت «مبدئيًا» ١٠ أسماء ومن المتوقع أن تضاف إليها أسماء أخرى خلال الأيام المقبلة، قبل تقديم القائمة رسميًا منتصف فبراير الجارى. وما يرجح أن الانتخابات كانت أبرز محاور اللقاء، هو أن تدوينة «دى مايو»، التى تناول فيها اللقاء ذاته، جاء فيها: «رياح التغيير تخطت جبال الألب. أكرر: رياح التغيير تخطت جبال الألب». ما يعنى أنه يقصد الاتحاد الأوروبى الذى يقع مقره فى مدينة «ستراسبورج» إحدى مدن الألب فى فرنسا.
دى مايو، هو زعيم حزب حركة «النجوم الخمس»، التى تأسست منذ تسع سنوات، لتكون بديلًا للأحزاب والمنظومة السياسية السائدة، وفازت فى الانتخابات البرلمانية الإيطالية الماضية بأكثر من ٣٢٪ من الأصوات، أى بأكبر كتلة نيابية لحزب واحد. وبتحالفها مع حزب «رابطة الشمال»، الذى يقوده ماتيو سالفينى، نجحت فى تشكيل الحكومة الحالية، الحكومة رقم ٦٧ بعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ فترة، ليست قصيرة، يقوم التحالف، الحركة والحزب، بجولات ومناورات، فى العديد من القارة العجوز، لدعم القوميين والشعبويين فى انتخابات البرلمان الأوروبى، المقرر إجراؤها فى ٢٦ مايو القادم. وسبق أن أعلن «دى مايو» دعمه لحزب «البديل من أجل ألمانيا»، كما قام «سالفيني» بجولة فى شرق أوروبا، سعيًا لتحقيق الهدف ذاته، الذى يتلخص فى «إطلاق عملية إصلاح داخل الاتحاد الأوروبي» والعمل على إسقاط كل النخب الأوروبية التى يمولها رجل الأعمال الأمريكى جورج سوروس، ويديرها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.
ربما كانت هناك أسباب أخرى لسحب السفير الفرنسى من روما، غير لقاء «دى مايو» بمرشحين محتملين فى انتخابات البرلمان الأوروبى. فغير المنافسة فى تلك الانتخابات، هناك صراع بين الدولتين بشأن الأزمة الليبية، بسبب محاولة كلتيهما انتزاع نصيب أكبر من مخزون النفط الليبى. واستمرارًا لهذا الصراع أو التنافس، شهدت العلاقات الإيطالية الفرنسية توترًا متصاعدًا منذ أسابيع. وفى ٢١ يناير الماضى، قامت الخارجية الفرنسية باستدعاء سفيرة إيطاليا لدى باريس، على خلفية تصريحات أدلى بها «دى مايو»، دعا فيها الاتحاد الأوروبى إلى فرض عقوبات على فرنسا لأنها «لم تتوقف عن ممارساتها الاستعمارية التى تسببت فى إفقار عشرات الدول الإفريقية». وعلى الخط نفسه، دخل ماتيو سالفينى، وهو أيضا نائب رئيس الوزراء الإيطالى، واتهم فرنسا بأنها «لا ترغب فى تهدئة الأوضاع فى ليبيا، بسبب مصالحها النفطية».
تعدد الأسباب، لا ينفى أن لقاء «دى مايو» بالنشطاء الفرنسيين، له ما يبرره، كما أوضحنا، بعكس لقاء الرئيس الفرنسى بالنشطاء المصريين، الذى ذكرت مواقع إلكترونية عديدة بينها موقع «ميديا بارت» الفرنسى، أنهم تناولوا خلال اللقاء الذى استمر قرابة الساعتين «القضايا الأكثر حساسية منذ أن تسلم المشير السيسى السلطة سنة ٢٠١٣ على غرار القمع غير المسبوق أو نية الرئيس المصرى تعديل الدستور لتمديد ولايته الرئاسية لأطول وقت ممكن». ونقل موقع تحت مستوى الشبهات عن أحدهم أنه ناقش مع الرئيس الفرنسى «حجب النظام المصرى أكثر من ٥٠٠ موقع، وإصدار أحكام الإعدام على آلاف المعارضين، وظروف الاحتجاز المروعة والانتهاكات فى حق المعارضين».
.. وأخيرًا، لن نتوقف عند تمرير البرلمان الفرنسى، الثلاثاء، بأغلبية كاسحة لمشروع قانون يطلق يد الشرطة فى اعتقال مثيرى الشغب «المحتملين»، يمنع المتظاهرين من تغطية وجوههم، والأهم أنه يعطى السلطات المحلية حق منع الاحتجاجات أو المظاهرات، من الأساس. لن نتوقف عند مشروع القانون، الأسوأ بكثير من قانون التظاهر المصرى، لأنه شأن فرنسى داخلى، أما ما يعنينا فهو أن موقع «ميديا بارت»، نقل عن «مصدر رسمى فى الإليزيه» أن الحكومة الفرنسية «على اتصال»، عبر سفارتها فى القاهرة، بـ«النشطاء المصريين» الذين التقاهم ماكرون، والذين يقومون بما زعم المصدر أنه «عمل ممتاز»، فى حين تؤكد ردود أفعال الخارجية الفرنسية، أنها تحتقر هؤلاء. بالضبط كما تحتقر نظراءهم الذين التقوا نائب رئيس الوزراء الإيطالى.