رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوضع الداخلى هو الأساس


أتصور أن مسئولية الأمن كبيرة، ومهما كانت مخاطر استخدام القوة، فإن مخاطر بقاء حالة الانفلات الأمنى أخطر، والتاريخ كثيرا ما يتغاضى عن حالات استخدمت فيها القوة، لكنه لن يتغاضى عن استمرار افتقاد الأمن، وليس المهم هنا فقط ما سيذكره التاريخ، ولكن مهم أيضا الآثار السلبية للانفلات الأمنى على الحياة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية بما فى ذلك أثرها على التعليم والصحة وغيرهما

ما زال الوضع فى مصر لم يتسم بالاستقرار، وتعتبر قضية المصالحة أحد أهم العناصر التى تثير الخلاف بين أفراد الشعب والقيادات فهناك من يطالب بألا تزيد الفترة الانتقالية على ثلاثة أشهر، وهناك من يطالب بعدم الإقصاء، كما أن هناك من يلقى باللوم على الشرطة والقوات المسلحة فى قضايا الخسائر البشرية سواء فى محيط دار الحرس الجمهورى أو النصب التذكارى، بينما يستمر المتظاهرون والمعتصمون فى الاستفزاز وتعطيل مصالح الشعب، بل التعدى على النظام العام وتعطيل حركة المرور، وهى تمثل الدورة الدموية بالنسبة للحياة الاقتصادية والاجتماعية، بحيث أصبح التحرك داخل القاهرة مغامرة غير مضمونة العواقب، وفى كل ذلك نجد الزوار الأجانب يتقاطرون علينا، وربما مثل بعضهم ضغطا على أصحاب القرار، ونحمد الله على أن هذه الضغوط لم تحقق نجاحا حتى الآن، بينما ربما تكون بعض العناصر مثل الاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى قد لمسوا عن قرب حقيقة الوضع وبدأوا بالتعامل مع مصر على أساس الحقيقة والواقع، بل ربما كانت زيارة أشتون لمصر ولمحمد مرسى مفيدة، أولا من حيث إنها قد أكدت أنه يعامل وفقا للقواعد الإنسانية والقانونية، وثانيا أنها قد أوضحت خطورة ما كان يمكن أن يحدث لو أنه كان قد استمر فى رئاسة جمهورية مصر العربية.

نقول هذا بعد أن قامت الجماهير بتفويض القوات المسلحة بمحاربة الإرهاب، ومازالت تنتظر أن يجرى حسم الأمور وأن تعود الحياة الطبيعية، بينما تصدر تصريحات مرة من هنا، وتارة من هناك تعارض ما يسمى بالحل الأمنى، وهو ما يعنى استخدام القوة ضد العناصر التى تثير الشغب وتعطل المصالح، وتهدد الأمن وتخدع السذج، بل وتصور لهم أمورا خيالية، وتدعوهم إلى القيام بأعمال تخريبية. كذلك فهناك من يطالب بالمصالحة مع الجماعات التى يعتبرها معارضة فى حين أنها خارجة على القانون. وفى رأيى أن الشعور العام يرى أن حسم الأوضاع فى مصر قد تأخر، وهو أمر يؤدى إلى الإحباط لو أنه استمر طويلا، وأنه ما لم تكن هناك أسباب موضوعية للتأخير، فإن ذلك قد يؤدى بالبعض إلى اليأس وخسران أهم المكتسبات الناجمة عن تحركات الثلاثين من يونيو و26 يوليو، إذ أثبت المواطن المصرى تمسكه بالأمل والاستعداد للتحمل فى مقابل وضع الأمور فى مكانها الصحيح.

يتناسى الرافضون للحل الأمنى أن الخسائر فى رجال الشرطة والقوات المسلحة مستمرة، وأن هذه القوات قد تعاملت مع العناصر المعتصمة والمتظاهرة برفق أكثر من اللازم، حيث رأينا بعض هؤلاء الذين يوصفون بأنهم سلميون، قد أقاموا حاجزا من بلاط أرضيات الأرصفة وأنهم ألقوا بالحجارة على المتظاهرين المعارضين لهم، وأن الشرطة لم تتعامل معهم بالأسلحة النارية واكتفت باستخدام الغازات المسيلة للدموع، بينما من المؤكد أنه كان بين المتظاهرين من يحمل أسلحة الخرطوش وأسلحة نارية، وما زال هناك من يسميهم بالمتظاهرين السلميين. وكأن دماء رجال الأمن من شرطة وقوات مسلحة رخيصة ودماء هؤلاء غالية مما يقلب الأوضاع ويدعو رجال الأمن إلى الإحجام عن العمل الإيجابى ومواجهة الخارجين عن القانون بكل حزم.

أتصور أن مسئولية الأمن كبيرة، ومهما كانت مخاطر استخدام القوة، فإن مخاطر بقاء حالة الانفلات الأمنى أخطر، والتاريخ كثيرا ما يتغاضى عن حالات استخدمت فيها القوة، لكنه لن يتغاضى عن استمرار افتقاد الأمن، وليس المهم هنا فقط ما سيذكره التاريخ، ولكن مهم أيضا الآثار السلبية للانفلات الأمنى على الحياة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية بما فى ذلك أثرها على التعليم والصحة وغيرهما.

ليست فيما سبق دعوة إلى تناسى القانون أو تجاوزه، بل على العكس المطلوب هو التطبيق الصارم للقانون، وأن يسمح بالتظاهر والاعتصام فى حدود زمنية ومكانية باعتبار أنهما وسائل وأساليب للتعبير عن الرأى وليسا وسائل وأساليب لفرض وضع يرونه صحيحا، ويمكن الاتفاق على تنظيم هذه الأعمال دون شل الحياة فى أماكن من الدولة، وهنا فإنى أتصور أن تحاط المنشآت الحيوية بخطوط صفراء وحمراء للتحذير من الاقتراب منها وتوضيح المخاطر التى يتعرض لها المواطن فى حال تجاوزها، وأن يحدد كيفية إعلان المواطن عن سلمية تحركه إذا كان لا بد أن يتجه إلى إحدى هذه المنشآت أو العبور خلال أحد الخطوط، ومن الطبيعى أن يكون حق التظاهر خارج هذه الخطوط، وأن التحرك لا يشتمل على حمل للسلاح أو أى من الوسائل التى تستخدم فى العنف مثل الطوب والحجارة، والزجاجات الحارقة، ناهيك عن الخرطوش والسلاح النارى. وفى حال تجاهل المواطن لإحدى هذه القواعد فإنه يكون مسئولا عن سلامته، ويكون من حق رجال الأمن من الشرطة والقوات المسلحة أن يستخدموا وسائلهم ضده وفقا للقانون ولتقديرهم، حيث لا يمكن أن يطلب من رجال الأمن أن ينتظروا إذنًا أو أمرًا فى حين أنهم يهاجمون بمن يحمل وسيلة للتهديد. على أن هذا كله يجب أن تصاحبه وسائل للتحذير لتذكير المواطن بالمخاطر التى يتعرض لها خاصة فى فترات الأزمات.

فى ظل هذه الأوضاع تتعرض البلاد لضغوط خارجية منها بعض التصريحات السخيفة مثل تلك الصادرة عن رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان، أو وزير خارجية فرنسا، وبيان من جنوب أفريقيا، أو تعليق تسليم أربع طائرات « إف – 16» متفق عليها مع الولايات المتحدة، أو زيارة آشتون من الاتحاد الأوروبى أو وفد من الاتحاد الأفريقى، والكل قد انخرط فى توصيف الوضع بين الثورة والانقلاب العسكرى وبدأ فى ترتيب أوضاعه بناء على ذلك. والمهم هنا أن ندرك أن تماسك الوضع الداخلى هو الأهم، فحينما تشعر الأطراف الخارجية بأن الشعب يؤيد الأوضاع الداخلية، فإنها لا بد أن توفق الأوضاع معها، وقد أثبت الشعب يوم 26 يوليو أنه يؤيد ما سمى ب«خريطة المستقبل»، وفوض وزير الدفاع فى القيام بما يلزم لمواجهة الإرهاب، فى إشارة واضحة لكل ذى عينين بضرورة تصفية الإرهاب، ليس فقط، وإنما ضمان عدم عودته مرة أخرى. ومع هذا التأييد فإن الجميع مطالبون بالتخلى عن التردد وحسم الأمور، ولكنى أعتقد أننا يجب أن نأخذ الفرصة كاملة للتحضير للفترة المقبلة، فمن الضرورى التأكد من أن ما حدث عدة مرات فى تاريخنا من تسلط للإرهاب لن يتكرر، وأن معوقات العمل الوطنى لن تعود مرة أخرى للإمساك بخناق الوطن، وإعاقته عن الانطلاق إلى آفاقه المرجوة، ويكون ذلك بمراجعة كاملة للدستور أو وضع دستور جديد لا يشكل فقط تعبيرا عن الأمل فى المستقبل، ولكنه أيضا ينطلق من الواقع الاجتماعى والسياسى المصرى، ويصاحب ذلك مراجعة وتعديل القوانين المكملة للدستور لتحقيق نفس الهدف، وحينئذ لن يكون للعامل الخارجى تأثيره وأحمد الله أن الموقف مازال يتسم باستقلالية القرار المصرى.

■ خبير سياسى واستراتيجى