رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل إنسانية فى حجة الوداع«1-2»


وقف النبى على أبواب المدينة يودع من لم يخرج للحج معه بكى النساء والأطفال والمرضى فقال لهم حديثًا كلنا نحبه: «عمرة فى رمضان حجة معى».. تعويضًا لهم ولنا

حجة الوداع، هى الحجة الوحيدة التى حجها النبى، صلى الله عليه وسلم، فى السنة العاشرة من الهجرة، وكانت قبل وفاته بـ٤ أشهر فقط، حج مرة واحدة رحمة بأمته، فلم يرد أن يشق على المسلمين، لم يحج فى نفس العام الذى فتح فيه مكة فى السنة الثامنة من الهجرة، حتى لا تقول قريش: هذا استعراض للقوة، وحتى لا يركز الناس على معانى القوة وليس معانى الخشوع والخضوع والاستسلام لله، التى هى أصل ومراد الله من الحج، لذلك كان يقول: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة.
لم يحج فى السنة التاسعة من الهجرة، وإنما أرسل أبا بكر ليحج بالناس، حتى يتدرج العرب على نظام الحج الجديد فى الإسلام، ثم يحج هو.. التدرج مع الناس «الرفق ولا تجبرهم».
مات النبى بعد الحج بـ٤ أشهر، وأعطى إشارات أنه سيموت بعدها، قالها صراحة فى خطبة الوداع: «أيها الناس اسمعوا منى فلعلى لا ألقاكم بعد عامكم هذا»، وقالها لمعاذ حين أرسله ليعلم أهل اليمن: «لعلك لا تلقانى بعد عامى هذا ولعلك تمر بمسجدى هذا وقبرى ولا تجدنى فاسمع منى»، فبكى معاذ، لذلك سميت بحجة الوداع، لأن النبى ودع فيها أمته، لكنه وداع مؤقت حتى نلقاه على الحوض، كأنه يقول: أنا أودعكم لكن لا تودعونى أنتم لأننا سنلتقى.
لذلك وصايا النبى فى حجة الوداع لها أهمية كبيرة، لأنه كان يعرف أنها آخر كلماته وآخر وصية لأمته، وهى كلها مجتمعة معه فى الحج، حيث حاج معه ١٢٠ ألفًا، وهو أكبر عدد فى تاريخ الإسلام، وراءهم نساء وأطفال ومرضى حوالى نصف مليون مسلم.
ما حصل معجزة ربانية تدفع الأمل، تعلم الأمل، قبلها بسنتين ممنوع دخول مكة، لا أحد يحلم بالحج، فقد نزلت سورة الحج قبل ذلك بتسع سنوات، ظل خلالها الصحابة قلوبهم معلقة بالحج.. دعا النبى كل الناس إلى أن يحجوا معه، فهبوا من كل مكان، ونزلت الآية: «وأذن فى الناس بالحج.. من كل فج عميق».
خرج النبى من المدينة إلى الحج يوم السبت ٢٦ ذى القعدة، اغتسل غسل الإحرام، وأمر الناس بالغسل، على الرغم من أنه أمامهم أسبوع كامل للوصول إلى مكة، الحكمة: الغسل طهر الباطن قبل الظاهر، ثم تطيب حتى كان العطر فى لحيته ورقبته.
وقف على أبواب المدينة يودع من لم يخرج للحج معه، بكى النساء والأطفال والمرضى، فقال لهم حديثًا كلنا نحبه: «عمرة فى رمضان حجة معى».. تعويضًا لهم ولنا.
وقد اصطحب معه كل زوجاته، أثناء المسير وقع بعير السيدة صفية، توقف وعاد لها النبى، فوجدها تبكى، فمسح دموعها بيده فجعلت تزداد بكاءً وهو يبتسم ويسكنها.. غارت السيدة عائشة، وقالت له: أنت تزعم أنك رسول الله ولا تعدل، فرد أبوبكر: دعها فإن المرأة إذا غارت لا تعرف أعلى الوادى من أسفله.. وتركها.
فى الطريق، ضاع من خادم أبى بكر منه البعير الذى يحمل أكله وأكل النبى، فغضب أبوبكر، وظل يوبخ خادمه: بعير واحد وتضله.. عدة مرات.. خاف الخادم.. فابتسم النبى: انظروا إلى هذا المحرم ماذا يفعل، وأحضر كل واحد من الصحابة من طعامه للنبى وأبى بكر، حتى كثر الطعام أكثر مما كان على البعير، فقال النبى لأبى بكر وهو يضحك: أرأيت كيف عوضنا الله أكثر من بعيرك.
بعد أن وصل النبى مكة، وبينما كانوا يستعدون لأداء المناسك فى اليوم الثامن من ذى الحجة، دخل على عائشة فوجدها تبكى، لأنها حاضت، فقال لها: هونى عليك.. هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلى واخرجى للحج، ففعلت وأكملت مناسك الحج وأخرت فقط الطواف.
وبعد أن انتهوا من أداء المناسك، قالت: أنا لم أعتمر مثلكم، فأخر الجيش وقال لأخيها عبدالله بن أبى بكر أخرج بها للتنعيم، فغضب أبوبكر لأنها تسببت فى تأخير الحجيج، فقال له النبى: دعها يا أبا بكر فهى لم تعتمر مثل الناس.. رحمة بالنساء وكأنه يدافع عن رأيها.
فشا الخبر فى مكة وتنادى الناس: رسول الله فى مِنى، فخرج الناس أفواجًا حوله ينظرون ويسلمون عليه، فلما كثروا حوله ولا يرونه أمر بالبعير، فجلس عليه حتى يراه الجميع.
تسأله امرأة معها طفل: لابنى هذا حج؟، فيجيب: نعم ولك الأجر، يسأله رجل: أفأحج عن أبى وقد مات، نعم لك ثواب البر. قبل الحج دخل النبى على فاطمة فأمرها بالتجمل والتكحل، فلما دخل عليها سيدنا على غضب، وقال لها تتجملى فى أيام حج، فقالت أمرنى أبى بذلك، فجاء النبى، وقال: صدقت فاطمة.. ما سأله أحد عن شىء إلا قال له: افعل ولا حرج، الصحابى عبدالله بن الأرقم، سأل عمر بن الخطاب ضيق عليه، فلما سأل النبى قال له: افعل ولا حرج، كل ما هو سهل فى الحج الآن هو من تيسير النبى.