رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى أين نحن ذاهبون؟


والجميع يزعم أن مقصده هو الجماهير ومصلحتها والوطن وسلامته فلا أعتقد أن هناك سياسياً أو فصيلاً أو جماعة تريد الحكم ولا تريد سلامة الوطن أو تعمل على تخريبه وتفتيته وشرذمته

الوطن قيمة جغرافية حيث حدوده التى نحافظ عليها ونحميها من أى عدو غادر يريد بها شراً. وهذه الحدود هى التى نعيش على أرضها ونستظل بسمائها وننعم بخيراتها وتجمعنا بخيرها وشرها من يوم الولادة حتى يوم الممات والوطن قيمة تاريخية، حيث إن أبناءهم من صنعوا هذا التاريخ وشيدوا تلك الحضارة وأسسوا لهذه الثقافة وتميزوا بتلك الهوية المصرية التى تميزهم عن غيرهم من الدول والبشر والجغرافيا والتاريخ جعلا المصرى هو من يحب وطنه ويخلص له ويستمد منه العون على حياة تتنوع بين العسر واليسر. بين الظلم والعدل بين الحاجة والاكتفاء بين الصبر والثورة وفى كل الأحوال مصر والمصريون شىء واحد قبل الأديان وبعد الأديان وإلى آخر الزمان. وإذا كانوا قد قالوا إن مصر هبة النيل فالأصح هو أن مصر هى هبة المصريين بحبهم وكفاحهم ونضالهم وإيمانهم بالإله الواحد الذى لم يعبدوا غيره ولا بعده.

وهذا وغيره يعنى أن مصر منذ أن أوجدها الله على هذه البسيطة لكل المصريين ولكل المصريين، وعندما يتوحد شعبها ويتوافق لا يستطيع أحد الوقوف أمامه. فمصر هى من سهرت واستوعبت وهضمت ثلاث هجرات جماعية واثنتين وخمسين غزوة حربية وظلت مصر بتاريخها وحضارتها وهويتها كما هى فلماذا لا نتعلم من التاريخ وهو معلم الشعوب؟ فعندما توافق وتوحد واتحد المصريون فى 25 يناير سقط مبارك ولكن لم تكن النيات خالصة لوجه الله والوطن ولأهداف الميدان «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية» فكان ما كان من المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ومن ارتباك وعدم وضوح للرؤية للتيارات السياسية ومن استغلال الظروف السياسية القائمة ومن استغلال للعاطفة الدينية لدى المصريين والتعامل مع الديمقراطية من باب الضرورات تبيح المحظورات ومن قبل التيارات الإسلامية باعتبار أن الصناديق غزوة والتصويت للتيار مكافأته الجنة وحازت الجماعة على السلطة كل السلطة على غير ما وعدوا وعلى النقيض ما تعهدوا وتمنى الجميع باستثناء أصحاب المصالح النجاح من أجل مصر وأملاً فى نجاح الثورة حسب ما وعد د. مرسى حتى من قبل إعلان فوزه بأنه سيكون ممثلاً للثورة ورئيساً لكل المصريين.

ولكن لظروف كثيرة جداً لا يجب إنكارها أو إسقاطها لقد فشل د. مرسى فى أن يقنع المصريين أنه رئيس لهم وذلك لأن الجماعة لم تعطه الفرصة فى أن يمارس دوره كرئيس من خلال أجهزة الدولة ولكن ما تم كان يهدف إلى احتواء التنظيم للدولة وهذا بالطبع ضد طبيعة الأشياء فلم يف بوعوده حتى فيما يخص مشاكل كان قد وعد بها بنفسه، ولم يقنع أحداً أنه رئيس للجميع ولم يكن ممثلاً للثورة ولا مبادئها وانحاز للجماعة وللتيار خاصة عند الأزمات كان يلجأ إلى الأهل والعشيرة بعيداً عن شعبه المصرى سواء من انتخبه أو لم ينتخبه فهذه سلوكيات وممارسات رجل حزبى وليس رئيساً لدولة كان عليه أن يكسب مصداقية المختلفين معه قبل المتفقين، حيث لا سلطة ولا حكم دون تواصل مع الجماهير لكسب ثقتها والفوز بمصداقيتها قبل جماعته فكان ما كان وحدث ما هو فوق الخيال وانفجرت ثورة 30 يونيو، وسيظل الخلاف محتدماً كالعادة حول ما إذاكانت هى ثورة أم انقلاباً وهذا حدث مع ثورة يوليو 1952 تلك الثورة التى غيرت وأضافت ليس فى مصر، بل فى العالم الثالث وحتى الآن لا يعترف الإخوان بها ثورة.

ولكن الأهم الآن وعلى ضوء ما سيحدث كيف كان يمكن للدكتور مرسى أن يستمر فى الحكم بعدما كان من مؤشرات وإرهاصات قبل 30 يونيو كان قد تجاهلها خاصة فى خطابه يوم 2/7/2013، أو حتى لمن يطالب بعودته وهذا حقهم فى الإطار السلمى، كيف يعود وكيف يحكم بعد ما كان وما صار؟ فهل يمكن أن نستخلص الدروس مما حدث ونقول إن مبارك كان قد تجاهل الشعب واستبدت بطانته بالوطن فكان 25 يناير ثم جاء مرسى وتمت أخونة الوطن وتم إقصاء الجميع بما فيهم بعض التيارات الإسلامية التى وقفت مع الجماعة ومحسوب عليها استراتيجياً وإن اختلفوا تكتيكياً فكانت ثورة 30 يونيو فماذا يعنى هذا؟ يعنى أن الواقع يقول إن الشعب المصرى الطيب الصابر والصبور والمحتمل قد تغير ذوقه وقد تبدل مزاجه وأصبح التغيير لديه بأسرع مما كان فالشعب لم يصبر على إقصاء ولا استحواذ من فصيل أياً كان.

فما حدث يؤكد أن مصر لن يبنيها ولن يحكمها إلا كل المصريين وإذا كان حب مصر هو السمة المصرية الرائعة عبر التاريخ للمواطن المصرى فكم وكم يجب أن يكون حب الوطن والتضحية من أجله حتى بالنسبة لمن يريد أن يحكم مصر؟ إذا كان الجميع يتحدث الآن عن مصر الوطن وحبه لمصر وللمصريين، والجميع يزعم أن مقصده هو الجماهير ومصلحتها والوطن وسلامته فلا أعتقد أن هناك سياسياً أو فصيلاً أو جماعة تريد الحكم ولا تريد سلامة الوطن أو تعمل على تخريبه وتفتيته وشرذمته ولذا فالواجب الحتمى والمتسق مع الظرف التاريخى يقول لابد من الاستفادة والمراجعة والتقييم والنقد الذاتى حتى لا نعيش فى نفس الأخطاء ونكرر ذات الخطايا فالوطن لا يحتمل والشعب يعانى والأعداء تتربص.

فهل يمكن أن يفكر أحد فى حكم وطن مخرب وساقط وفاشل لا قدر الله؟ أما إذا كان هناك من يريد ذلك فالحساب عند الله والشعب والتاريخ فهل يمكن التوافق الآن وكفى بكاء على اللبن المسكوب والزمن لا يتوقف والحياة تسير ويجب أن يكون طموح من يريد حكم مصر هو الحفاظ على مصر وسلامتها وتوحد شعبها وشعبها لا يعنى أعضاء كل جماعة أو حزباً أو تياراً، شعب مصر هو كل المصريين أصحاب هذا الوطن بكل تنوعاتهم وأديانهم فالصراع والعنف والدم لا يبنى الأوطان، والحقد والكراهية لا تصنع توافقا وخطة الطريق بالرغم من ملاحظاتنا عليها فهى تعطى الفرصة للجميع دون استثناء للمشاركة فى العملية السياسية حتى تنتهى من الشرعية الدستورية، ولكن هذا لن يكون دون إخلاص لهذا الوطن وحباً لهذا الشعب وإرادة سياسية تترك الصراع على الوطن إلى التنافس على حب الوطن، مصر للجميع ولن تكون إلا للجميع، والظروف الاستثنائية تتطلب مواقف استثنائية وتنازلات من أجل مصر إذا كنا حقا نحبها ونعتبرها وطناً لكل المصريين حمى الله مصر وشعبها من كل سوء.

■ كاتب سياسى و برلمانى سابق